السبت، 19 ديسمبر 2015

الحاجة لليقين

الحاجة لليقين
        الفكرة السائدة هي رفض الجزم واليقين والدعوة لإظهار التواضع العلمي وحتى التردد والشك في قدرة العقل والتأمل وعدم إبداء أي رأي أو اتخاذ أية مبادرة .. إذا أردنا مغازلة السائد انضممنا للحرب على اليقينيين والجازمين ولكن لا بأس من مشاكسة السائد حبا في مشاكسته أولا ولأن هذا السائد قد يكون زائفا لا يستحق المغازلة.
      الجازمون واليقينيون قدموا نظريات تتعلق بالفلك وقوانين الحركة على سبيل المثال بعضها صمد وآخر تم تجاوزه بيقين آخر عرضة بدوره للتجاوز .. أحدى اليقينيات التي ما تزال تقاوم أن القمر الصناعي الخاص بالاتصالات والبث الفضائي ينبغي أن يوضع على ارتفاع فوق خط الاستواء يبلغ 35880 كيلو متر .. بناء على هذا اليقين ظهرت فوائد كثيرة من بينها الفيس بوك ومع هذا تجد على الفيس بوك هذا من يلعن سنسفيل اليقين!!!.
      قد تظهر في المستقبل طرق أخرى للاتصالات وبدائل للانترنت والفيس بوك لا تعتمد على معلومة ارتفاع القمر الصناعي اليقينية هذه .. ذلك موضوع آخر.
      لنتخيل أن البشر قد اجمعوا على رفض الاجتهاد وصاروا مجرد مخلوقات هائمة على وجهها لا تؤمن بشيء وكل من قال برأي قوبل بالاستهجان والإسكات بحجة رفض اليقين .. لو كان هذا حالهم حقا لما تجاوزت الإنسانية مرحلة الصيد وفق أكثر التوقعات تفاؤلا.
اليقين المرحلي
      هناك يقينيات تصمد طويلا وأخرى ذات عمر قصير لكن مما لا شك فيه (ودعوني أقول : مما لاشك فيه .. نكاية واستفزازا لمغازلي السائد فإن كنت على حق فبها وإن كنت مخطئا فلن تزداد ليبيا خرابا) .. مما لا شك فيه أنه ثمة حاجة لما يمكن تسميته باليقين المرحلي أو الآني .. فاليقين بأن الأرض مركز الكون استطاع أن يمنح الرضا لأجيال من البشر وأن يجيب على ما دار بخلدهم من أسئلة وكان المحرك والحافز لجاليليو لنسفه بيقين آخر عرضة بدوره للنسف .. وفي موروثنا الإسلامي دعوة للاجتهاد وفي الاجتهاد جزم تترتب عليه مذاهب وفرق ومع ذلك فثمة أجر واحد على الأقل لكل مجتهد وإن أخطأ الاجتهاد.
إجابات متجددة لأسئلة قديمة
       نقول للدارس بالمرحلة الابتدائية أنه لا يمكن طرح ستة من خمسة .. وحينما يبلغ المرحلة الإعدادية نقول له بأن ذلك ممكن .. ونقول له بأن مجموع زوايا المثلث مائة وثمانون درجة لا أكثر ولا أقل .. ولكن حينما يتقدم في الدراسة يعلم بوجود مثلثات مجموع زواياها يزيد وأخرى يقل عن هذا العدد .. إن ما قلناه وما يكتشفه الدارس مجرد جرعات يقينية قدمت على مراحل ولا تناقض بينها.
       من طريف ما يمكن ذكره هنا ومن الواقع الليبي أن حجاوة أو أحجية ليبية ظهرت في سبعينيات القرن الماضي نصها : أيش اللي لك قوم منبلطة لا هي جيش ولا هي شرطة؟ وكانت الإجابة المرحلية : التشكيل العسكري الموجود حينها والذي يعرف بالمقاومة الشعبية .. الآن يمكن الدفع بإجابة أخرى : أيش اللي لك قوم منبلطة لا هي جيش ولا هي شرطة؟ .. الإجابة : كل التشكيلات والميليشيات التي تصول وتجول الآن على الساحة.
       الإعجازيون أولئك الذين يعتبرون تعدد تأويلات النص القرآني عبر الزمن دليلا على إعجازه .. فهل يتفرد القرآن بهذا؟ .. رأينا بأن في الرياضيات وكذلك في أحاجي الليبيين وألغازهم شيئا من تعدد الإجابات والتأويل أيضا.
مفارقتان
 الأولى : على المستوى الشخصي ومن خلال معرفتي بالأصدقاء الذين يحاربون الجزم واليقين فإنني أطرح عليهم مثلا السؤال التالي : هل محمد بن عبدالله الذي اشتهر في مكة في القرن السابع الميلادي مبعوث من عند الله تعالى حقا؟ .. إجابتهم المؤكدة : نعم وبالتأكيد .. ومما لاشك فيه .. ولا شك في ذلك .. ولا يختلف على ذلك اثنان .. ولا تنتطح فيه عنزان .. فهل اليقين هنا يصل لمستوى اليقين في معلومة الأقمار الصناعية على سبيل المثال؟ إن هذه الإجابة الجازمة اليقينية يقابلها أكثر من ثلاثة أرباع سكان الأرض بالشك والتكذيب .. فتأمل كم نحن في حاجة ولو مرحلية لشيء من اليقين.     
الثانية : الذين يحاربون الجزم واليقين وعبارة (مما لا شك فيه) يتورطون في التناقض .. إنهم يحاربون الجزم بجزم ويحاربون اليقين بيقين وما أحراهم بأن يشكو في الشك ذاته.  


17/12/2015   

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

محتويات المدونة (الفهرس)

 بدون ترقيم ولكن ترتيبه في النشر يأتي بعد المقال رقم 42 محتويات المدونة (الفهرس)      ملاحظة : تاريخيا من الأقدم إلى الأحدث أنشأت ثلاث م...