الأربعاء، 14 أكتوبر 2015

فيدرالية مع وقف التنفيذ

               فيدرالية مع وقف التنفيذ            

ترويض الجغرافيا
      لنتخيل أن بنغازي تقع مكان مصراتة وحينها ستكون مصراتة مكان تاجوراء وامساعد تقع في الوادي الحمر ألم يكن بإمكان معمر القذافي حينذاك السيطرة على التمرد المسلح عام 2011 بصورة أسهل؟ .. ما أريد قوله أن جغرافيا ليبيا قد أسقطت معمر من عدة زوايا : أولا بأثر الشساعة على تشكيل المجتمع وما تفعله من اختلاف وتباعد وثانيا بعرقلة الشساعة والاختلاف المجتمعي الناتج عنها للتنمية وأخيرا في عام 2011 بالشساعة بمنظور عسكري لوجستي .. وما حدث مع القذافي حدث مع كل من سبقه .. فقد عانى الأتراك من جغرافيا ليبيا وكذلك الطليان وأيضا الأسرة السنوسية .. وهكذا فتاريخ ليبيا دائم الشكوى من جغرافيا ليبيا .. وإذا أردنا أن تظل ليبيا عصية على الحكم والاستقرار فعلينا أن نبقي على شساعتها تفعل فعلها بحجة ما يسمى باللحمة الوطنية أو بما شابه من الحجج وكأن الفيدرالية تعني التقسيم وكأن ليبيا لم تكن ذات يوم بلدا فيدراليا .. أما إذا أردنا لهذا البلد أن ينعم بالاستقرار والازدهار فعلينا ترويض الشساعة .. علينا أن نكفف دموع تاريخ ليبيا بترويض الجغرافيا .. أي علينا تبني الفيدرالية وبلا مواربة .. أعرف أننا قد أهدرنا الكثير من الوقت وجدت مستجدات خطيرة ولكن الفيدرالية إن لم تفد فبالتأكيد لن تضر ثم أن المسألة لم تعد مسألة مزاج واختيار شخصي بل صارت قرارا وطنيا لا مفر منه لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
وقائع فيدرالية
     هنا عينة من الوقائع والمؤشرات الفيدرالية :
الواقعة الأولى : التمايز الجهوي في التجربة السبطشية حيث تصرف كل إقليم عام 2011  على وجه العموم تصرفا مميزا خاصا به.
الواقعة الثانية : بروز الحراك الفيدرالي مبكرا وبقوة.
الواقعة الثالثة : نجاح الفيدراليين في انتزاع قرار من المجلس الانتقالي في الوقت القاتل يقضي بانتخاب لجنة صياغة الدستور مباشرة من الشعب لا باختيار أعضائها من قبل المؤتمر الوطني وأن تمثل فيها الولايات بالتساوي.
الواقعة الرابعة : توزيع رئاسة المؤتمر الوطني العام ونيابتها على الولايات الثلاث وحدث ذلك أيضا بالنسبة لمجلس النواب فيما بعد حيث كان رئيس المجلس من برقة والنائب الأول من طرابلس والنائب الثاني من فزان.
الواقعة الخامسة : فوز الفيدراليين في انتخابات لجنة الستين وفي انتخابات مجلس النواب.
الواقعة السادسة : وجود حكومتين وبرلمانين في مدينتين كل مدينة من ولاية.
الواقعة السابعة : كانت الأسماء المقترحة من مجلس النواب لما يسمى بحكومة الوفاق موزعة بين الولايات بالتساوي بواقع أربعة أسماء لكل ولاية.
الواقعة الثامنة : التمثيل المتساوي بين الولايات الثلاث في ما يعرف بالمجلس الأعلى للمدن والقبائل الليبية المنبثق عن اجتماع سلوق.
الواقعة التاسعة : هذا التمثيل المتساوي للولايات الثلاث في نيابة رئيس حكومة ليون المثيرة للجدل.
الواقعة العاشرة : هي ظاهرة أكثر من كونها واقعة وتتلخص في أن معارضة الفيدرالية بدورها فيدرالية الطابع .. (بشيء من التبسيط ولاية مع الفيدرالية وولاية ضدها وولاية مترددة كعادتها) .. وهذا يدل على سطوة الوازع الجهوي عند الفيدراليين وعند خصومهم على السواء .. فحتى الذين يدعون للوحدة فإنما يدعون إليها ويا للمفارقة بدافع جهوي!! .. مما يؤكد وجود مأزق جهوي الطابع يحتاج لمعالجة فيدرالية. 
     ثمة في هذه الوقائع وغيرها ما يمكن أن يسمى بالمحاصصة .. والمحاصصة قائمة في كثير من القرارات السياسية والإدارية التي شهدتها وتشهدها ليبيا منذ عام 2011 والاعتراف بالمحاصصة اعتراف بالفيدرالية وإن بصورة مواربة .. وهكذا يمكننا اعتبار ليبيا دولة فيدرالية مع وقف التنفيذ أو فيدرالية في السر على غرار الزواج في السر الذي يلجأ إليه الأزواج الخائفون من زوجاتهم.
نقد الخطاب الفيدرالي
     برز الخطاب الفيدرالي مبكرا في الولاية التي كانت السبب في إسقاط القذافي مما يرجح أن دوافع إسقاطه بالدرجة الأولى كانت دوافع فيدرالية .. أما كيف كانت برقة سببا في إسقاط القذافي فذلك لأنها توفرت فيها شروط الدولة البديلة حيث للدولة ثلاثة شروط : إقليم وسكان وهيئة حاكمة وساعدتها جغرافيا ليبيا على البقاء في مأمن من القذافي .. وهكذا سحبت صلاحيات الجماهيرية لصالح الكيان البديل.
      ومنذ بروز التيار الفيدرالي المبكر كشف عن سوء الرؤية عند رموزه .. وهكذا قدموا خطابا سيئا قلل من نسبة مؤيديهم ورغم رداءة هذا الخطاب فلا أحد ينكر شعبيته في برقة .. ولكن لو كان هذا الخطاب جيدا ومتقدما لكانت شعبيته أكبر بكثير وليست في برقة وحدها.
من مظاهر رداءة هذا الخطاب :
1 ــ ربط الفيدرالية بالحركة السنوسية .. تجلى هذا في تقديم أحمد الزبير السنوسي لقيادته .. وهذا يعد دليلا على حمق سياسي لأن السنوسية لم تحظ في الماضي ولا في الحاضر بإجماع كل الليبيين وحينما يصر التيار الفيدرالي على موقفه هذا فإنما يدفع بذلك لجعل الفيدرالية مطلبا برقاويا بحتا ويجعل اتهامها بالدعوة الانفصالية أمرا قابلا للتصديق.
2 ــ رفع علم السنوسية الأسود أوضح مثال على رداءة الخطاب الفيدرالي المطروح إلى الآن .. فلا ضرورة للربط بين علم حركة صوفية والخطاب الفيدرالي ولا علاقة البتة بينهما حتى وإن كان انتشار هذه الحركة في برقة .. إن الفكرة الفيدرالية ينبغي أن تقدم لكل ليبيا وكمخرج لما تعانيه لا أن تقدم بحجة الدفاع عن مصالح برقة.
3 ــ ربط الدعوة الفيدرالية بدستور 1951 الأصلي أو المعدل .. فالفكرة الفيدرالية مقنعة في ذاتها ولا تحتاج لدعم من التاريخ أو الوقائع السابقة.
4 ــ واكب التنظير للفيدرالية منذ البداية خطاب إعلامي تعبوي أساء للفكرة ونفر منها رغم وجاهتها .. وهو وإن أساء للخطاب للفيدرالي من جهة إلا أنه كشف عن اتساع الهوة بين الليبيين من جهة أخرى .. هذه الهوة تحتاج لساسة ليبيين وطنيين يتمتعون بقدر كبير من الحكمة وبعد النظر والصدق مع النفس والواقع للاعتراف بها أولا ومن ثم معالجتها واحتوائها وليس كما هو الحال الآن بإنكار وجودها بالعناد الأحمق وبحجة أن (الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها) .. فالفتنة منذ فبراير 2011 لم يغمض لها جفن وهي تركض عارية وبجنون على خريطة ليبيا كلها ولذا لا خوف من إيقاظها ولا داعي لإخفاء خلافاتنا والتكتم عليها. 
     في المقابل يجب أن ينتبه خصوم الفيدرالية إلى أن الإصرار على وجود حكومة واحدة في ليبيا في أي ولاية من الولايات الثلاث يسهل على المتربصين الاستيلاء على ليبيا وإدارتها ويزيد من حدة الصراع العسكري والسياسي على مكان وجود الحكومة (لنتذكر أن توحيد ليبيا وإلغاء النظام الفيدرالي كان بتوجيه خارجي وأن ذلك سهل على القذافي السيطرة على الحكم .. وسهل فيما بعد سقوطه لتيار معين ومنطقة معينة السيطرة على ليبيا) .. كما أن أية حكومة مهما كانت درجة إخلاصها ومكانها لا تستطيع كحكومة وحيدة إدارة هذه البلاد المترامية الأطراف في السلم ناهيك عن حالة الحرب الأهلية.
     تبقى معضلتان : النفط والعاصمة .. فبخصوص النفط وما شابه من الثروات الطبيعية لم أسمع أحدا من الفيدراليين يقول باستئثار كل ولاية بما لديها بل إنهم مجمعون على التوزيع العادل .. أما بخصوص معضلة العاصمة الأزلية والأبدية وغيرها من الألقاب السنية فثمة حل لها أرجو أن يحظى بالقبول.
 عاصمة تقع في كل الولايات
       لأننا مجتمع قبلي بامتياز وجهوي أيضا فقد أثبت تاريخ ليبيا أن وجود الحكومة في مدينة من أي ولاية من الولايات يشكل خطرا حقيقيا على تحقيق العدالة وتكافؤ الفرص بين مناطق ليبيا .. فبصرف النظر عن المحاصصة التي قد يلجأ إليها كبديل للفيدرالية وحتى لو كان رئيس الحكومة من ولاية أخرى ليست الولاية التي منها العاصمة فبحكم وجود مقر عمله فما يحتاج إليه من سكرتارية سوف يكون من العاصمة أو من الولاية التي منها العاصمة وسيجد نفسه أسير شبكة من العلاقات والتأثير من المكان نفسه تحد من تفكيره في بقية مناطق ليبيا .. وهذا ليس افتراضا أو تخيلا بل لاحظناه في هذا العهد وفي العهود السابقة .. والقول باللا مركزية لا يحل المشكلة فقد طبق أحيانا في عهد القذافي على سبيل المثال ولكن شبكة العلاقات والتأثير في العاصمة كانت في كل مرة تنجح في إبطاله .. ثم أن وجود العاصمة في طرابلس في حالة ليبيا الآن (حالة الحرب الأهلية والانفلات الأمني والتدخلات الخارجية) يعرض هذه المدينة وأهلها للخطر حيث ستكون باستمرار هدفا للصراع لأن الاستيلاء عليها يعني الاستيلاء على ليبيا .. كما أن الأحقاد وروح الثأر والكره الجهوي المترتبة على الحرب الأهلية يجعل من الصعب انتقال الناس من الشرق أو من الجنوب إلى طرابلس أي إلى العاصمة.
       لكل ما سبق فنحن في حاجة ماسة لتبني النظام الفيدرالي بكل لوازمه ومتطلباته ولو مرحليا حتى يأتي جيل لا يخضع لرواسب الحرب الأهلية وله حينها أن يتبنى شكل الدولة الذي يراه ويفضله .. وإذا طبق النظام الفيدرالي بحذافيره فلن تكون العاصمة طرابلس أو طبرق أو سبها أو أية مدينة من ولاية محددة بالطبع.
       نحتاج لعاصمة يتوفر فيها ثلاثة شروط على الأقل :
1 ــ ليس بها سكان عاديون قد يتخذون كرهائن في حالة الصراع المسلح على العاصمة أو قد يكونون طرفا فيه.
2 ــ سهلة التأمين.
3 ــ تقع في كل الولايات.
        لتحقيق هذه الشروط ينبغي إنشاء عاصمة إدارية .. بها فقط موظفو الإدارة الاتحادية والسفارات الأجنبية والطواقم الخدمية من العاملين بالفنادق والأسواق والعيادات والمدارس وغيرها اللازمة للمقيمين بالعاصمة وللمترددين عليها من مواطنين وغيرهم.
      ولتسهيل تأمينها ينبغي أن تكون في بقعة خالية من أي تجمعات سكنية .. أي محاطة بمساحة كبيرة من الأرض الفضاء يسهل رصد أي تحركات فيها ولا يكون بها مخططات سكنية تسمح بوجود سكان عاديين مما يدفع المواطنين للتنافس على سكناها وقد يتواجد من بين هؤلاء مندسون يشكلون خطرا أمنيا على موظفي الدولة والسفارات .. وقد يتخذ هؤلاء السكان كرهائن كما سبقت الإشارة.
     ولكي تكون هذه العاصمة واقعة في كل الولايات ينبغي أن تنشأ على البقعة الواقعة عند ملتقى الولايات الثلاث .. بحيث تكون كدائرة مركزها نقطة التلاقي وبقطر مناسب ومحاطة بأبراج وكاميرات مراقبة وتكون مهمة تأمين مداخلها منوطة بقوات أمنية من الولاية التي يقع بها كل مدخل .. وتأمينها الداخلي من قوة مشتركة من الولايات الثلاث .. ويكون بها أحياء سكنية لسكنى موظفي الإدارة الاتحادية والمقيمين الآخرين طيلة فترة عملهم بالإضافة بالطبع للمباني الإدارية ومقرات السفارات .. أما القنصليات فلا بأس من انتشارها في المدن الليبية حسب وجود الرعايا والمصالح.
       وإذا تعذر إنشاء هذه العاصمة عند نقطة التلاقي لمانع جغرافي أو اجتماعي (قبلي مثلا) أو لأية موانع أخرى فلا بأس من إزاحة نقطة التلاقي عن مكانها بإحداث تغيير طفيف في حدود الولايات المتعارف عليها.
       هذا المقترح وإن كان حلا حالما يتعالى عن الواقع المزري الآن فإنه أكثر واقعية من الإصرار على إدارة ليبيا بعد كل الذي حدث بحكومة واحدة من عاصمة تقع في أي ولاية من الولايات .. ثم إن طرحه الآن لتضمينه في الدستور وبعد زوال المعيقات يمكن تطبيقه .. وإني  لأرجو أن يحظى بالقبول وأن يتنازل أهل طرابلس بروح وطنية عن بعض امتيازاتهم كسكان للعاصمة وهي في زمن الحرب الأهلية ليست امتيازات بل مصائب وسوف ينعمون حينها بالراحة والأمن لأنهم بتنازلهم ذاك ينقلون بؤرة الصراع بعيدا عن مدينتهم.
استراحة للتأمل
صندوق اقتراع فيدرالي
      فيما يخص المحاصصة بين الولايات بالنسبة لرئيس المؤتمر الوطني العام أو لرئيس مجلس النواب ونائبيهما فقد تم اختيارهم بالاقتراع السري باستخدام صندوق زجاجي .. وبدا الأمر شعوذيا بصورة ما .. لقد شاهدنا الصندوق خاليا في بداية الاقتراع وتابعنا بدقة كل عضو من أخذه للورقة حتى وضعها في الصندوق .. لكن رغم التركيز والانتباه استطاع المشعوذ أن يخرج الأرنب من تحت قبعته .. سبحانك اللهم حتى الزجاج والورق فيدرالي الهوى والنتائج!!
يطالب بما لا يعرف
     زرت صديقي الفيدرالي المتعصب الذي لا يكف عن المطالبة بالعودة لدستور 1951 وغير المعدل تحديدا .. أخبرني بأنه لن يهدأ ولن يهنأ له بال ما لم يتم تبني دستور الأجداد والنسخة الأصلية بالتحديد.
     فرحت كثيرا لأنني كنت أبحث عن هذه النسخة حيث أن نسخة الدستور التي عثرت عليها وفي أكثر من مكان كانت النسخة المعدلة ..  قلت له : أرجو أن أعثر لديك على النسخة الأصلية.
     تبسم قائلا : بصراحة لم أطلع إلى هذه اللحظة لا على النسخة الأصلية ولا المعدلة!!
رهان
      صديق آخر من الكتاب المرموقين ومن النشطاء البارزين والقدامى على الفيس بوك .. دخلت معه في مطلع عام 2012 في رهان : كنت أقول له : ليبيا تتجه إلى الفيدرالية.
        وكان يشكك بحجة أن رموز الفيدرالية ليسوا مقنعين على مختلف الأصعدة. 
        قلت له : لا اختلف معك في هذا ولكن مع ذلك فليبيا تسير في هذا الاتجاه.
       أصر على موقفه ودفع بحجج أخرى بطعم التفاؤل.
      قلت له : تراهن؟
      ــ أراهن.
      تراني كسبت الرهان؟ أم أن الوقت مازال مبكرا؟ أم أن ليبيا سارت في الاتجاه المتوقع بالفعل ولكن بسرعة جنونية بحيث لم تستطع التوقف عند نقطة الفيدرالية بل توشك أن تتجاوزها إلى التقسيم؟ أرجو أن يجيبني الصديق المعني أولا.
بركة الدم
     يتناقل الناس نبوءات أو رؤيا لعبد السلام الأسمر كان قد صاغها شعرا .. وفيها أن حربا أهلية سوف تقع وسوف تصير فيها طرابلس بركة دم .. وهنا أتذكر (قصة قنفود إجدابيا) التي تناولتها بعض الصحف في عام 1976 أو 1977 : "...... فقد عثر عليه كما تزعم الرواية بظاهر إجدابيا مختبئا تحت قصعة بخيمة أحد الرعاة ، و حينما كشف الغطاء عنه ابتسم القنفذ بمرارة و كانت عيناه تدمعان و هو يلقي في وجه الراعي بنبوءات مخيفة من توقع قيام حرب ضروس لا تبقي و لا تذر إلى تفشي المجاعات و الأوبئة إلى ارتفاع الأسعار و طغيان الفوضى ، و بينما استولت الدهشة و الخوف ــ من فصاحة القنفذ لا من فظاعة نبوءاته ــ على الراعي فوقع مغشيا عليه أو لاذ بالفرار على اختلاف في الروايات اختفى ذلك الكاهن ذو الأشواك و لم يعثر له على أثر و لم يرد ذكره في ما بعد في ما دونه مؤرخو تلك الحقبة الحافلة بالأحداث"*.
       وما يهمني هنا كلام قرأته تعليقا على تلك القصة في حينه .. حيث كتب أحدهم ما معناه : هذا القنفذ يتنبأ بقيام حرب لا تقعد أبدا .. فمتى قعدت الحروب على هذا الكوكب لتقوم؟! .. كأنما أراد هذا الكاتب القول : يا صناع النبوءات نعرف ألاعيبكم جيدا .. إنكم تلبسون المعتاد قميص المفاجأة.
       فإن كان ما نسب لعبد السلام الأسمر نبوءة  فليس من الصعب فهمها فهما علميا بكونها نتاج تأمل وفهم لأنماط التاريخ وحتمياته المرتبطة بالمكان .. وإن كانت رؤيا فهي تعود لهذا الفهم العلمي من النافذة .. فمنامات البشر وكوابيسهم هي صدى لما يشغلون به عقولهم في حالة اليقظة حيث يقوم الدماغ في حالة النوم بمحاولة حل تلك الإشكالات والمشاغل متكئا على معطيات تاريخية ومكانية وغيرها.
       أفلا يكون عبد السلام الأسمر محللا سياسيا وقارئ تاريخ أكثر من كونه شيئا آخر؟ وقد لاحظ أن طرابلس كانت دائما محور صراعات مستمرة على مدى تاريخها الممتد ولطالما كانت بركة دم مرات عديدة .. ومن ثم لعب لعبة صناع النبوءات المألوفة؟ .. أو أن دماغه قد أوحى إليه بذلك أثناء النوم؟ .. ولعلنا بتحويل العاصمة إلى مكان آخر نباغت التاريخ ونخلط أوراقه فلا يعود يكرر نفسه .. ونخلط أوراق الرؤيا المتكئة على التاريخ وقراءته .. أي (تفويخ منام)!!**
16/10/2015
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*  من مخطوط بعنوان مؤقت : كمبوت الكبرى وأحمر شفاه.

** تفويخ المنام : إبطاله. 

محتويات المدونة (الفهرس)

 بدون ترقيم ولكن ترتيبه في النشر يأتي بعد المقال رقم 42 محتويات المدونة (الفهرس)      ملاحظة : تاريخيا من الأقدم إلى الأحدث أنشأت ثلاث م...