الجمعة، 24 يونيو 2016

الديناصور والبكتريا

الديناصور والبكتريا
جدل الانفصال والاتصال .. الميكرو والماكرو

      هل الضخامة تعني القوة بالضرورة؟
      كان هذا أحد الأسئلة التي طرحتها البكتريا على الديناصور .. وكانت إجابته الواثقة بالإيجاب.
      ردت البكتريا : موعدنا إذن التغيرات المناخية القادمة.

التدمير الذاتي

      الحضارة الغربية لا تخلو من لمسة شيطانية .. فبعد إيقاظها الفتنة الهاجعة بين مكونات النواة وجعلها تتصارع فيما بينها لاعبة على تعدد تلك المكونات وتنوعها فتنشطر النواة وتدمر نفسها تدميرا ذاتيا متسلسلا فيما يعرف بالقنبلة الذرية وما نشأ عن هذه الأسلحة الفتاكة من تدمير ومآس .. ها نحن نشهد حقبة جديدة من الحروب يمكن تسميتها بحقبة التدمير الذاتي للمجتمعات وفيها محاكاة لما تم مع الذرة .. فما وقود هذا النوع من الحروب؟

طعوم فاقدة الصلاحية

      نحن حيتان وأسماك نعوم في بحر من الأكاذيب وتتراءى لنا طعوم مغرية إن لم تكن مسمومة أو فاقدة الصلاحية فيكفي بأنها طعوم الغرض منها استغلالنا.
     (التعددية والتنوع دليل عافية ومصدر قوة للمجتمع) .. هذا أحد الطعوم .. ربما كان صالحا في حقبة ماضية أما الآن : في حقبة التدمير الذاتي للمجتمعات فهو بالإضافة لكونه طعما وضع بنية خبيثة فأنه فاقد للصلاحية .. في حقبة التدمير الذاتي تعتبر التعددية وقودا لهذا النوع من الحروب .. وهكذا نشاهد ازدهار التطهير العرقي والصراع الجهوي والمذهبي والديني.
     الغرب الذي أغرانا بهذا الطعم أو الشعار : (مديح التعددية) وطعوم أخرى مثل القبول بالآخر وحقوق الإنسان لا يؤمن فيما يبدو بهذه الشعارات (لا الحكومات ولا حتى الشعوب) ولا يطبقها .. هي بالنسبة له على الأغلب شعارات للتصدير وليست للاستهلاك المحلي .. رأينا ذلك في أزمة المهاجرين إلى أوروبا الذين ما هاجروا إلا بفعل موجة التدمير الذاتي لمجتمعاتهم بمؤامرات الغرب وألاعيبه .. أو بفعل الفقر الذي ساهم الغرب في خلقه بجشعه ونهبه لمقدرات الآخرين.
      للذين لا يؤمنون بنظرية المؤامرة ندفع بمصطلح بديل ربما يكون أكثر ملاءمة ودقة إنه مصطلح التوظيف .. إن الغرب لا يتآمر علينا .. أي بمعنى لا يختلق أزماتنا بل يوظف بذورها المتمثلة في تناقضاتنا وتعدديتنا ضدنا ويستغلها أيما استغلال .. لعل ثمة من يفكر بأن الحل ليس في الاعتراف بتناقضاتنا بل في تجاهلها أو إنكار وجودها أو محاولة ترويضها فهل ثمة إمكانية لذلك؟.

من وحي التشبيه

ــ إيقاظ الفتنة النائمة بين مكونات النواة له فوائد أيضا.
ــ هذا صحيح .. وتبقى الموازنة بين المفاسد والمنافع.
ــ التفاعلات النووية ليست انشطارا فقط فهناك تفاعلات الاندماج.
ــ وهذا صحيح أيضا .. ولكن كأن الطبيعة تفضل على ما يبدو الانشطار على الاندماج فجعلت شروط الأول أيسر بكثير من شروط الثاني.
ــ تعبير : (الذرة تدمر نفسها) ليس دقيقا.
ــ التدمير المقصود لا يعني الفناء بل يعني التحول .. فقد يتحول الزئبق إلى ذهب.
ــ الانشطار مطلب استعماري.
ــ ليس هذا صحيحا على إطلاقه .. جامعة الدول العربية وإلغاء الفيدرالية في ليبيا وبقاء الهند موحدة تحت الاستعمار البريطاني وتقسمها بعد خروجه  وغير ذلك أمثلة تدحض ما تقول .. ثم ليس المهم ما يريده الاستعمار بل ما نريده نحن .. ولا ينبغي أن نبحث عن مخالفته لمجرد المخالفة.
ــ وماذا عن الضخامة بمنظور الطبيعة؟
ــ يكفي أن تعلم أن النجوم المسماة بالسوبرنوفا قصيرة العمر لضخامتها المفرطة.
ــ أستطيع تذكر أمثلة كثيرة على العكس.
ــ الحجة عاهرة كما تعلم!!.

عودة لموضوع التشبيه

      وهكذا نجد البلدان الضخمة غير المتجانسة سكانيا تعاني والبلدان الصغيرة المتجانسة تزدهر .. وفي ذلك أثبات للمبدأ من وجهيه.
     ألا ترى على سبيل المثال كيف تستطيع قطر هذه الدولة الميكرو أن تعبث بالأمن القومي لمصر الدولة الماكرو بمقاييس العراقة والجغرافيا والديموغرافيا بينما لا تستطيع مصر أن تعبث بالأمن القومي القطري؟ .. هنا الميكرو في مواجهة الماكرو والغلبة للأول لخلوه من فيروس التعددية.
      ثم أن حدود الدول ليس (كما يقال في الفقه الإسلامي) أمرا توقيفيا .. رأينا كيف صارت سنغافورة بعد طردها من الاتحاد الفيدرالي الماليزي وهي في حجم بلدية ليبية وكيف صارت تشيكوسلوفاكيا الصغيرة جغرافيا أصلا دولتين ولم تقم القيامة بعد .. بل ربما قامت القيامة بالفعل لو ظهر تيار أحمق فاعل في تشيكوسلوفاكيا يمنع التقسيم بحجة اللحمة الوطنية! .. وحتى في بريطانيا صاحبة المبدأ : (فرق تسد) كادت اسكوتلندا أن تنفصل .. بل إن بريطانيا هاهي تخرج من الاتحاد الأوروبي (*) الذي بهر به العرب كثيرا .. إنه جدل الانفصال والاتصال كل حسب مصالحه وظروفه .. والمهم فيه مراعاة رغبات الناس ديمقراطيا.
     خيمة الوطن خيمة مطاطية فلا تبالغوا في مطها لكي لا تتمزق.. وقوة الأوطان ليست بالكيلومترات المربعة التي تغطيها هذه الخيمة بل بدرجة الوئام والانسجام والتجانس .. ولا تصدقوا بأن التعددية والتنوع مصدر قوة على الأقل في هذه الحقبة.
     وحلت التغيرات المناخية المرتقبة فصمدت البكتريا وانقرض الديناصور.

12/6/2016

...........................................................

(*) عدلت في هذا الموضع من المقال بعد ظهور نتيجة الاستفتاء في بريطانيا وكان التعديل بتاريخ النشر : اليوم 25/6/2016

محتويات المدونة (الفهرس)

 بدون ترقيم ولكن ترتيبه في النشر يأتي بعد المقال رقم 42 محتويات المدونة (الفهرس)      ملاحظة : تاريخيا من الأقدم إلى الأحدث أنشأت ثلاث م...