الاثنين، 18 أبريل 2022

فهم الحرب الأهلية (2) أكاسيد السياسة

 

فهم الحرب الأهلية

(2)

أكاسيد السياسة

 

الخواص بين حالتي الجمع والإفراد

     من خواص الحديد في حالته المفردة الانجذاب إلى المغناطيس .. ولكن حينما يكون مندمجا مع غيره من العناصر أي في حالته الجمعية أي الخام يفقد هذه الخاصية .. فالتربة الغنية بخام الحديد لا تنجذب إلى المغناطيس .. الأكسجين في حالة الإفراد غاز يساعد على الاشتعال والهيدروجين في حالة الإفراد غاز يشتعل بفرقعة .. فإذا تخلى كل منهما عن حالة الإفراد واندمجا أو اتحدا كان الماء وفقدا هاتين الخاصتين .. السياسة البحتة دون أية شوائب أي في حالة الإفراد من خواصها ألا عداوة دائمة فيها ولا صداقة دائمة وإنما مصالح دائمة .. والصراع السياسي القائم ضمن هذه السياسة مثل صراع الأفراد أو الأحزاب المتعددة في الانتخابات وخارجها على السلطة لا عداوة دائمة فيه ولا صداقة دائمة وتتغير التحالفات بين الحين والآخر حسب المصالح .. ولا يؤدي (وهذا هو الأهم) إلى اشتعال الحروب الأهلية .. أما إذا كانت السياسة في مركباتها الطائفية والعرقية والطبقية والجهوية الجغرافية التاريخية وغيرها ولنصفها تبسيطا في حالتها الجمعية هذه بأكاسيد السياسة .. إذا كانت السياسة في هذه الحالة فسوف نجد فيها العداوة الدائمة أو المتجددة أو طويلة الأمد .. والصراع السياسي ضمن هذه الحالة يؤدي حتما إلى اشتعال الحروب الأهلية والحروب بين الدول.

    لماذا لم يعرف عن أي مرشح لرئاسة أمريكا أن طرح في برنامجه الانتخابي رفع الظلم الواقع عن السود بخطوات حقيقية؟ بما في ذلك المرشحون السود؟ لأن ذلك لو حدث سينقل الصراع الانتخابي من حقل السياسية المفردة أو البحتة إلى حقل أكاسيد السياسة وسوف يفتح الباب لتحول تلك المناسبة للدخول في الحرب الأهلية مجددا.

خطأ شائع

     يخلط كثير من المحللين السياسيين حينما يقاربون المشكلة الليبية بين حالتي السياسة : (السياسة البحتة في حالة الإفراد وتلك التي في الحالة الجمعية والمثقلة بالشوائب) .. إنه خلط بين السياسة وأكاسيد السياسة .. ويقودهم هذا الخلط إلى تفسير الحرب الأهلية في ليبيا بأنها ببساطة نتاج الصراع بين أفراد على السلطة وينتظر هؤلاء المحللون تدخل عزرائيل شخصيا لحل هذه المشكلة.

     تاريخيا لطالما تدخل عزرائيل ولكن العنف بين الليبيين يتجدد بين الحين والآخر ولم يكن العنف الواقع بعد 2011 هو العنف الأول وربما لن يكون الأخير ما لم ننظر إلى العنف والصراع النظرة الصحيحة وذلك بوضعهما ضمن أكاسيد السياسة لا ضمن السياسة البحتة التي لا تقود إلى الحروب الأهلية.

العداوة الدائمة حقيقة

     المتأمل للصراعات والعنف بين الجماعات عبر التاريخ يجد أن العداوة الدائمة أو المتجددة بين الجماعات سمة متواترة .. ولا يحول دون هذه الحقيقة المرة لا تطور الإنسان العلمي بل ربما يزيدها حدة ورسوخا .. ولا التطور الفكري وكثرة الحديث عن حقوق الإنسان التي كثيرا ما توظف منظماتها ضمن هذه الصراعات .. وقد رأينا أدلة حديثة على هذا في هذه الحرب القائمة في أوكرانيا الآن ..فبالإضافة إلى منظمات حقوق الإنسان واصطفافها ضد روسيا ضمن سياسة الكيل بمكيالين فهذه الفيفا التي صدعت رؤوسنا على مدى زمن طويل بحياد الرياضة وقدرتها على إحلال السلام والمحبة تدخل على خط هذه الحرب وتعاقب اللاعبين الروس .. وهذه المواقع المعروفة بمواقع التواصل الاجتماعي والتي كثيرا ما جرمت خطاب الكراهية تعطي رخصة في نشر هذا الخطاب ضد روسيا وغير ذلك من الأمثلة ربما تصديقا لإحدى قراءات قول الشاعر الإنجليزي روديارد كبلنج :

الشرق شرق والغرب غرب ولا يمكن لهما أن يلتقيا

وهذه القراءة تضع الصراع بين الشرق والغرب ضمن أكاسيد السياسة أو السياسة الخام في مركباتها المشار إليها سابقا.

     العداوة الدائمة أو المتجددة نجدها في إشارة قرآنية أيضا : {لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود} وهذا ما تصدقه وقائع التاريخ المتواترة .. اليهودي في الآية يقصد به اليهودي الجمعي لا المفرد (توضيح الجمعي والمفرد بالمقال الأول من هذه السلسلة).

معالجة العداوة الدائمة

     العداوة بين مكونات الوطن الواحد تبدأ معالجتها بالاعتراف بوجودها .. وأول ميادين معالجتها الوثائق الدستورية .. ولكن من الحكمة عدم وضع الدساتير في فترات الحماس الوطني.

     هذه الحكمة غابت عن أذهان من يسمون بالآباء المؤسسين عام 1951 إذ سارعوا في صياغة دستور يعول على حسن النوايا (بساط السايرين إلى جهنم) والمطلع على محاضر لجنة الستين واللجان المنبثقة عنها يرى مدى الاستسهال والاستعجال في حسم أمور على درجة كبيرة من الأهمية والخطورة وكمثال من عدة أمثلة على ذلك حسم أمر العاصمة بجعل لليبيا عاصمتين في سابقة ليست لها لاحقة إلى الآن وبدعة دستورية لم تقدر أهمية العاصمة وإمكانية توظيفها جهويا بما يعرقل تقدم الوطن وهذا ما اتضح لاحقا .. أما ما قادهم إلى هذا التسرع والاستسهال فهو حماسهم وفرحهم بالاستقلال .. والمتأمل المنصف يجد أن لجنة الستين الحالية أكثر إحساسا بالمسؤولية والجدية إذ توقفت أمام المشكلة الجهوية واشتد الصراع حولها وطال التوقف لأن هذه اللجنة لم تمارس عملها في فترة الحماس والفرحة بسقوط نظام القذافي بل بعد ذلك بفترة كانت كافية لاكتشاف التناقضات.

    لا يفهم من هذه المقارنة بين اللجنتين أنني مع مخرجات أي منها .. فقد اطلعت على دستور 1951 ودستور 1963 ومسودة 2016 ومسودة 2017 ولدي تحفظات عليها .. ولكن ما قصدته من المقارنة أن لجنة 1951 تعاملت مع الدستور والمشكل الجهوي بشيء من التسرع بينما تعاملت لجنة 2014 بشيء من الحذر والتروي وربما التشدد في اعتراف ضمني بالمشكل الجهوي وخطورته ولكن هذا التروي لم يفرز صيغة مرضية.

    وعموما فإنني أرى أن ما يعيبها كلها عدم حل مشكلة العاصمة أولا .. بالإضافة إلى مآخذ أخرى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

محتويات المدونة (الفهرس)

 بدون ترقيم ولكن ترتيبه في النشر يأتي بعد المقال رقم 42 محتويات المدونة (الفهرس)      ملاحظة : تاريخيا من الأقدم إلى الأحدث أنشأت ثلاث م...