المملكة
السنوسية : النجاح والعدالة والإنصاف
او يـارب يا محيي اعظام الرمـــــــة
او منجى اصحـاب الغار م الجهلــية
را الظلم جانا من انظاف العمــــــــة
لباست
الـمـعارق تحـت م الطـاقـيـة
الشاعر جعفر الحبوني رحمة الله عليه
نجاح الدولة كمية متجهة
ماذا
أقصد بنجاح الدولة؟ أقصد به هنا محصلة جهود السلطة أو النظام الحاكم فيما يتعلق
بالتنمية والتطوير وتوفير المناخ والبيئة لجعل حياة (الفئة المستهدفة) مرفهة
وهانئة، وما بين القوسين احتراز مهم، لأن هذا النجاح كمية متجهة إذا ما استعرنا
هذا المصطلح من علم الفيزياء على سبيل التشبيه، إذ لا يكفي الحكم على جهود السلطة
والنظام بالنجاح بل لابد من تحديد اتجاه هذا النجاح، أي ما الفئة المتجه لخدمتها
أو الفئة المستهدفة به؛ ويتناسب حجم هذه الفئة وتعدد أطيافها طرديا مع ارتفاع
مستوى النجاح وانخفاضه؛ ومن المهم التأكيد على أن الحديث عن الفئة، أي عن جماعة،
وليس عن الفرد ومصلحته التي قد توصف بالأنانية، وسوف يتضح هذا التأكيد على الفئة
من خلال الأمثلة الآتية، ومن خلال ما جاء في شهادة بعض الشهود.
أمثلة توضيحية
الولايات المتحدة بعد مرحلة الاستقلال
والحرب الأهلية دولة ناجحة، ولكن هل فئة الهنود الحمر من ضمن المستهدفين بهذا
النجاح؟ لو وجهنا هذا السؤال إلى أحد الهنود الحمر لما اهتم بنجاح هذه الدولة قدر
اهتمامه بعدالتها لأن نجاح هذه الدولة كان على حسابه.
استراليا دولة ناجحة، ولكن المواطن المستفيد
من هذا النجاح ليس من فئة السكان الأصليين حتما.
إيطاليا حين احتلالها برقة وطرابلس قامت
بالكثير من إنشاء الموانئ والمطارات والطرق وخطوط الاتصالات وبث المدارس
والمستشفيات وإنشاء المزارع والمساكن الملحقة بها وشبكات الري والمباني العامة ...
الخ، ولكن هل كان ذلك من أجل فئة السكان الأصليين؟
إسرائيل دولة ناجحة، ولكن الفلسطيني كفئة ليس
من ضمن المستهدفين بهذا النجاح.
جنوب إفريقيا في زمن التمييز العنصري دولة
ناجحة، ولكن نجاحها لا يستفيد منه السود كفئة.
المملكة الليبية دولة ناجحة كما يقول مؤيدوها
أو ملمعوها، ولكن ما الفئة
المستفيدة من هذا النجاح؟ وماحجمها مقارنة بعدد السكان؟ وما أطيافها؟
ليبيا معمر القذافي دولة ناجحة كما يقول
مؤيدوها أو ملمعوها، ولكن ما حجم الفئة المستفيدة من حكم القذافي ومن معه؟ وما
نسبتها إلى عدد السكان؟
ربما أوضح مثال على هذا ما كان في سريلانكا
نتيجة الاستعمار البريطاني الذي قدم السنهال (الأقلية) وتجاهل التاميل (الأكثرية)؛
وحينما رحل الاستعمار شعرت الأكثرية بأن الدولة القائمة لا تمثلها فكانت الحرب
الأهلية.
يقول المثل : شهرا ما ينفعك ما تعد أيامه؛ المواطن
من الدرجة الثانية والثالثة وما تحتهما لا يهتم بنجاح الدولة التي يقيم بها، ولا يبكي عليها في حال سقوطها،
لأنه ــ ببساطة ــ لا يرى نفسه مواطنا من مواطنيها.
شهادات على المملكة
يبدو أن موضوع نجاح الدولة وعدالتها وإنصافها
مما كان يشغل الناس في عهد المملكة؛ وهناك أقوال وأشعار عبر بها قائلوها عن تذمرهم
من غياب العدالة والإنصاف وخاصة في برقة، منهم : المجاهد صالح امطير العوكلي وحسين
الحلافي وبالقاسم حفتر وجعفر الحبوني وغيرهم؛ وقد يأتي هذا التعبير أحيانا في صورة
اعتراف من مسؤولي تلك الحقبة مثل مصطفى بن حليم وعلي أحمد اعتيقه ومحمد صدقي ذهني
وحسين مازق وغيرهم. فيما يلي عينة (أرجو أن تكون معبرة)؛ أربعة ممن يمكن وصفهم
بجدارة بشهود على العصر.
الشاهد الأول :
مصطفى بن حليم (1921 ــ 2021)، أحد أهم رجالات المملكة، وهو غني عن التعريف.
يروي
المرحوم مصطفى بن حليم قصتين عميقتي المغزى والدلالة، كما يدلي بأراء يعترف بها
برداءة الوضع ليس في بدايات المملكة بل في سنيها الأخيرة.
القصة الأولى من حيث الترتيب الزمني (عام 1954
قبل اغتيال إبراهيم الشلحي)؛ يروي بن حليم من خلالها محاولة عودة ثري إيطالي يدعى
مارزوتي إلى أملاكه (مزارعه) في المرج التي كانت له زمن الاحتلال الفاشيستي، وذلك
باتفاق مصلحي اقتصادي انتهازي بينه وبين عبد الله عابد محمد الشريف السنوسي، وقد
اتفق هذا الأخير مع صديقه إبراهيم الشلحي على المساعدة في هذه العودة الميمونة، وأخبر عبد الله
عابد هذا حسين مازق والي برقة حينها بأن الملك موافق على ذلك، فما كان من حسين
مازق إلا الترحيب بهذا الفاشي، وحضر معه المآدب التي أقامها على ظهر يخته بميناء
بنغازي، وذهب الفاشي لزيارة مزارعه في المرج ترافقه حراسة من قوة دفاع برقة (نعم قوة دفاع برقة!!!)
التي يقودها حينذاك محمود اقويطين.
أما إفشال المحاولة؛ فلم يكن للمسؤولين البراوقة
علاقة به، بل كان بفعل المؤامرات والدسائس داخل العائلة السنوسية؛ ورب ضارة نافعة؛
فحسب بن حليم فإن هذا الحدث استغله أبو بالقاسم أحمد محمد الشريف السنوسي العدو
اللدود (حسب بن حليم دائما) لابن عمه : عبد الله عابد محمد الشريف السنوسي ولإبراهيم
الشلحي، حيث قام بإثارة قبائل الجبل الأخضر وشجعهم على رفع شكوى مستعجلة إلى
الملك، وأسر إلى هذا الأخير أن عبد الله عابد يصرح علنا بأنه أي الملك موافق على
عودة هذا المستعمر الفاشي، واستشاط الملك غضبا وأنكر علمه بالأمر، وأوقف حسين مازق
عن العمل، وجرد عبد الله عابد من لقبه وأمر بوضعه رهن الإقامة الجبرية؛ أما محمود
بو قويطين وإبراهيم الشلحي المدللين فلم يتخذ ضدهما أي إجراء(1 ، ص 115 ، 116).
القصة الثانية جرت أحداثها عام 1954 بعد
اغتيال إبراهيم الشلحي، حينما وافق الملك على اقتراح بن حليم بالتحول إلى النظام
الجمهوري، وكان ذلك بحضور حسين مازق و(موافقته)، وبعد الاجتماع أسرع حسين مازق
لتحريض أعيان برقة للضغط على الملك لإفشال المحاولة وهذا ما كان(1 ، ص 126 ــ 131 ).
هذا من ناحية تبيان مواقف كبار المسؤولين
البراوقة وما يمثله إنصاف أهل برقة وعدالة الدولة تجاههم في قائمة أولوياتهم.
أما من ناحية نجاح الدولة فلبن حليم رأي شديد
الأهمية والحدة بالخصوص؛ فقد وصف فيه الوضع عام 1969 لصديقه المهندس المصري خطاب
محمد الذي جاء لإقناعه برئاسة الحكومة بناء على طلب الملك.
لقد وصف بن الحليم الوضع بقوله : "يا
خطاب بك لقد اتسع الخرق على الراقع، ولا أظن أن الأزمة الحالية يمكن لأي شخص بمفرده أن يتمكن من معالجتها والتغلب
على تيارات الفساد التي بلغت الذروة" (1 ، ص 535)؛ "وقلت لخطاب بك : إن علاج الانهيار
في الدولة الليبية لم يعد يصلحه الأسبرين! إنه يستدعي جراحة تستأصل سرطان
الفساد"(1 ، ص 537).
التعليق على الشهادة الأولى
تناول بن حليم في شهادته في الاقتباسين
الأولين (القصتين) ضمنا عدالة الدولة وإنصافها تجاه أهل برقة، وهو تناول يثير
الشكوك حول توفر هاتين القيمتين؛ وتناول في الاقتباسين الأخيرين نجاح الدولة، وقد
أثار الشكوك حوله أيضا، فإذا كانت نظرة بن حليم عام 1969 إلى المملكة (ليس في
بداياتها بل في سنيها الأخيرة) أنها في حاجة إلى عملية جراحية فهذا يعني : أما أن
المملكة لم تكن بالصورة التي يصر عليها الملمعون أو أنها انحدرت سريعا.
وثمة تساؤلات قد تدور بذهن القارئ من قبيل :
1 ــ هل علينا أن نصدق بن حليم؟
2 ــ لماذا أفشل حسين مازق تحول
النظام الملكي إلى النظام الجمهوري رغم موافقة الملك المؤكدة وترحيبه ؟ فكان ملكيا
أكثر من الملك؟ ولم يفشل عودة ذلك المستعمر القديم إلى برقة رغم موافقة الملك
الظنية؟
3 ــ هل كان الملك لا يعلم بقصة
عودة مارزوتي حقا؟ وهل يمكن لإبراهيم الشلحي إخفاء الأمر عليه؟ وإذا فعل ذلك فما
الدلالة والمغزى؟
4 ــ لو علم الملك بعودة مارزوتي
ولم تحتج القبائل أو لم تعلم بالأمر أصلا ما ردة فعله؟ هل يعارض تلك العودة؟
5 ــ إفشال عودة مارزوتي التي
تمت بسبب العداوات والمكائد والدسائس داخل الأسرة السنوسية بم يوحي وما دلالته؟ وما
علاقة ذلك بنجاح الدولة؟
بالنسبة للتساؤل الأول فمن المرجح أن بن حليم
كان صادقا؛ إذ أن معظم من ذكروا في شهادة بن حليم قد علموا بها، ومن مات منهم قبل
صدور كتاب بن حليم (1992) فقد علم به ابنه أو حفيده، ولم يرد إلى علمنا أي اعتراض
منهم على هذه الشهادة، أي على ما يخصهم من الكتاب.
وبالنسبة للسؤال الثاني فهو يكشف عن هذا
الخلط الذي يعانيه أهل برقة بين
الانتماء لبرقة والانتماء للسنوسية، وأن البراوقة قديما وحديثا بنسبة مؤلمة
لا تقل عن 99.99% لا يجدون إجابة مقنعة عن التساؤل المحرج : هل أنا سنوسي؟ أم برقاوي؟ هذا
الفصل بين الانتمائين كان واضحا تمام الوضوح عند جعفر الحبوني، فقد كان برقاويا لا
سنوسيا كما سيرد في شهادته، وخاصة في البيتين اللذين صدرنا بهما هذه المقالة.
أما بالنسبة للأسئلة الأخرى فمتروكة لفطنة
القارئ إذا ما اقتنع بصدق الشاهد، فهي أسئلة تحمل في أحشائها بذور الإجابة.
الشاهد الثاني :
تكنوقراط مصراتي من طرابلس، أحد رجالات المملكة، إنه الدكتور علي أحمد عتيقة الذي
عمل مع علي نور الدين العنيزي (المحافظ الأول للمصرف المركزي بالمملكة)، ثم عمل
وكيلا لوزارة التخطيط، ثم وزيرا للتخطيط في آخر حكومة من حكومات المملكة، وبعد
مجيء القذافي تولى لسنوات رئاسة منظمة الأوبك.
يقول المرحوم علي عتيقة : "وفي الفترة
نفسها توليت شخصيا إعداد تقرير البنك السنوي الرابع الذي تناول بالعرض والتحليل
لأول مرة التطورات الاقتصادية العالمية مع التركيز على الاقتصاد الليبي وتطوره بعد
دخول شركات النفط للاستكشاف والعثور على مكامن النفط في منطقتي العطشان أولا وخليج
سرت ثانيا. أوضح التقرير طبيعة الاقتصاد المزدوج بين قطاع التجارة والخدمات الذي
كانت تسيطر عليه جهات
أجنبية من بينها طليان ويهود، والقطاع التقليدي المتخلف الذي يكسب منه أغلبية السكان عيشهم"(2 ، ص 149).
الشاهد الثالث
بالقاسم حفتر الفرجاني
اشتهرت للمرحوم بالقاسم حفتر قصيدة جامعة
مانعة بالخصوص تؤكد على غياب العدالة والإنصاف وتوجه الدولة لخدمة الأجنبي وعملائه،
مطلعها(3 ، ص ...) :
الغرسة اللي [راويينها] بدمــــــــــانا
وين اثمرت ما شي منها جــــــــــانا
يقول فيها :
الـغـرسة اللي راويـيـنـها بـدمــــاهـم
وين اثمرت ما شى منها جـــــــاهم
اللي
في المســوع يـتـقوا بضـــناهــم
وباتوا بلا تكفين لا دفّـــــــــــــــــانة
ولا ارفعوا على الطليان نين فنــاهــم
رصاص الحبش والطير والهجّــانة
اللي ابذلــوا
قل للسيد لا تنســـــاهــم
اليوم من جنابه طالبين
العــــــــــانة
إن دارت الــدنــيــا هم اللي يلقـــاهم
را الدهر [متقلب] قليــل أمـــــــانة
الغرسة اللي
ساقيينها بـــــدمــــانا
وين اثمرت ما شي
منها جـــــــانا
حــــــلّــــــقــوا حــــــــــــــازوهــــا
واللي اسقطت من عرجونها لقطوها
وغِرْسَت امغـــــير اليوم يحسابوهــا
عيــون اللـتـايح
قــاويـات امعــــــانا
وهي من زمان اسيادنا اغرســوهــا
ثلاثــيــن عــام وهي ادمـا ريـــــانة
التــاريخ يعرفهم اللي حـــــــامـــوها
ركابيـن ع اللي غـاليــات اثـــــمانه
اللي رخّـصوا لرواح نين فــــــدوها
اعيال البــــــــوادي حاملين الهــانة
الغرسة اللي
ساقيينها بـــــدمــــانا
وين اثمرت ما شي
منها جـــــــانا
انـــصـــــــار الــمــــــــــــــــــلـــة
اللي امعــانيين الكيــــــــد كــله كله
اليـوم
مــن مصالـــح وطنا في غلـة
وما
نـحســبوا هذا اردود اكفــــــانا
خــدامـــة عـــدو الــــدين بوبرطلــة
حتى ويــن باعـد ماسكــيــن مكــانه
وهـذا راه كي رتعـة ربيـــــع العلــة
حتى لـو زهـا لاســبد من ارديــانه
الغرسة اللي
ساقيينها بـــــدمــــانا
وين اثمرت ما شي
منها جـــــــانا
حــــــــــــاز رطـــــــــــــــــــــبــها
الحزب المخالف في اسنيــن تعبـها
يا ما جهر حـال غـايـته يــقـــــلبــها
لكن مثـبـتـها الله سـبـحـــــــــــــانه
اتهـندل امعا لجــناب ما يحســـبــها
وعـرجــونها يـثـقـل علي الــوزانة
خليك من الشياخة بات
هو صاحبـها
الملك سامـحـه ما واخـذه بـعـفـــانة
ناس واجدة لو ملكنا [عاقبــــــــــها]
كان يتعب الشــناق والنـوشـــــــانة
الغرسة اللي
ساقيينها بـــــدمــــانا
وين اثمرت ما شي
منها جـــــــانا
غــــــرســة الحــــــــــــــــــريــــــة
لا انبتت بعــلي لا بمــاء مـسـقـيـــة
اروى عـرقها من دم [المجـاهديــة]
علي شانها كـم عـامـرة جـبـانــــــة
وكـم جيش جا واجد ورد شـــــويــة
عليه وين ماهــدوا اكـثر فـــــسدانه
فات الســلاح وروبة الـثـقــلــــــيــة
او فات المدافع في محاس مكانـــــه
أيــام والشويخ يقود في الحربــــيــة
كم يوم عــــز مــرتـبـه مــيـدانـــــه
وين ما يصادف جيش ليطالـــيــــــة
اصداف ذيب لِمْعيّز سرى بـجـديانه
لا يفـوت لا شـارف ولا اعجـميــــة
ولا يغيب عنه ذيب له في الحــــانة
بلاه قبل ما تقضي ولا مقــــضيـــة
اواليوم مندفن هاين عقاب زمـــانه
ماسكــين مطراحه الشنبــاشــــيــة
اللي للموظف لجنــبي زيـــــــــانة
الغرسة اللي
ساقيينها بـــــدمــــانا
وين اثمرت ما شي
منها جـــــــانا
اللي للموظف لجنبي تينـــــــــــاحة
وكان تم من الطليــان بيـه فـــراحة
وانكان [يشتري] في وطنهم رباحة
إن زال عندهم ديمه ارخاص اثمانه
الغرسة اللي
ساقيينها بـــــدمــــانا
وين اثمرت ما شي
منها جـــــــانا
الغرسة اللي راويينها يا ســـــــــيدي
قاعدين في عازة وحـال زهـــــيدي
ان جوا لحاكم المركز اتقول عبيـدي
علي سوالهم يبــقى امســـــــكر ذانه
ما اتقول شي حضروا نهار صهيدي
وجيــش العـدو ردوا بعد ازحــــفانه
وعاد في لجانب يضربوا تكمــــيدي
كم قيقني طاح وخذوا نــيشــــــــانه
ما ادفعو من شملول طاح شهيـــدي
[اللي] فـاهــقــة واسـع علي حبــانه
جايبه شرف مو جايبه تلمــــــــيدي
رغيب في ارضاء ربه يريد اجـنانه
ما جت الحرية بهالفـنـيـــــــــــــدي
وناس يعملوا في الفارغة مليــــــانة
الغرسة اللي
ساقيينها بـــــدمــــانا
وين اثمرت ما شي
منها جـــــــانا
واحــنـا اللي كـســـــــــــــــــــــرنا
جيش طاليا يا ما عليه حــــــــــدرنا
وما مـن اللي ما يـنفدوا ودرنـــــــا
اللي اغيابهم واخطورهم
كــــــــدانا
وين ما اشـوينا للخــلا صـــــــدرنا
مهاجرين والسيد ادريس امعــــــانا
مِـتّبــعين مــا بيه الرسول امـــــرنا
ما نسلموا فَوْطانّــــا لعـــــــــــــدانا
الغرسة اللي
ساقيينها بـــــدمــــانا
وين اثمرت ما شي
منها جـــــــانا
القصيدة صادقة وقوية ولا تحتاج
لشرح، ولكن ربما من الأفضل التوقف أمام بعض أبياتها :
اليـوم مــن مصالـــح وطنا في غلـة
وما نـحســبوا هذا اردود اكفــــــانا
في هذا البيت تتجلى خيبة الأمل
في السنوسية ممثلة في إدريس السنوسي فهو المسؤول الأول والوحيد.
وهـذا راه كي رتعـة ربيـــــع العلـة
حتى لـو زهـا لاســبد من ارديــانه
هل في هذا البيت نبوءة بسقوط
المملكة لافتقارها للعدالة والإنصاف؟
هناك أبيات أخرى ربما وقع
الشاعر فيها ضحية التزييف للتاريخ مثل :
وهي من زمان اسيادنا اغرسـوهــا
(ثلاثــيــن)؟ عـام وهي ادمـا ريـانة
بعيدا عن التزييف فإن الأسياد
لم يخسروا شيئا بل جنوا ثمارها جاهزة، ويرد على هذا البيت البيتان التاليان :
التــاريخ يعرفهم اللي حـــــــامـــوها
ركابيـن ع اللي غـاليــات اثـــــمانه
اللي رخّـصوا لرواح نين فـــــــدوها
اعيال البــــــــوادي حاملين الهــانة
من الأبيات التي جاءت ربما بسبب
التزييف أيضا ولا لوم على الشاعر في ذلك فالتزييف والتلميع كانا متقنين ومكثفين :
وين ما اشـوينا للخــلا صـــــــــدرنا
مهاجرين والسيد ادريس امعــــــانا
في الواقع أن قادة السنوسية تسربوا مبكرا من
ميدان الجهاد واحدا تلو الآخر ومنهم من تعاون مع إيطاليا.
الشاهد الرابع
الشاعر جعفر الحبوني، الذي يلخص فلسفته ــ التي تعبر عن حبه للصراحة والشفافية
وخلفيته الدينية، والتي ظل مخلصا لها طول حياته ــ في الأبيات الأتية(4 ، ص 5) :
الــديــــــــــــن نــــصــــــــوحــــــة
ورا الحي ما يـنظـر نـواقـص روحه
لـو كـان الـصـراحة بـيـنا مـطـروحة
تـبـرا جـمـيـع نـفـوســـنـــــا مـن
داها
ورا الـدود مـا يـدخـل اللي مـفـتـوحـة
واللي مـسـكـرة يـفـسـد نـسـوم هـواها
تناول المرحوم جعفر الحبوني في شعره فيما يخص
الشأن المحلي : (1)الفساد الاقتصادي والتفاوت الطبقي و(2)سيطرة العنصر الأجنبي
وغياب العدالة والإنصاف و(3)القواعد الأجنبية ، وما يهمنا هنا هو ما جاء في رقم(1)
، (2)، والمختارات الآتية من ديوانه (نور العدالة) :
من قصيدة ألفها سنة 1953 م يقول(5 ، ص 3) :
أيام قبل ما نحــسب إلا الـحــــــــرية
امعـيشـة عــداله للعـرب جـمـــلـيـة
نـحـســـبـوا مـعـــنــــــــــــــاهـــــــا
منصوب ع العـداله
والــرخا مبناها
بعــنا عــزيز الـروح في ســـــــباها
واحـنـا انجـاهدوا بالـمـال والــذرية
ارقـود
العـقـيـلة نايـمـيـن افـــــــداها
واموات
البـريـقـة يشهدوا جـمـلـيـة
كـمـيـن هـول صار لنا
أو لا طـلناها
وانصف الله أو جـابـهـا
بالـــنـــــيـة
لكن اللي [جانا] امـغيـر اســـــــماها
مكسبها الواحـد في
اعـداد الـمــــيـة
اللي ماينــوا طــالوا
حــدود امـنــاها
واللي دافـعـوا تـموا
امـغـير رعـيـة
ومن هذه القصيدة يتضح صدق حدس
الشاعر وتفطنه مبكرا (1953) إلى وجود خلل ما، ربما في التأسيس، وعليه فإن هذه
الدولة لن تكون لا منصفة ولا عادلة.
ومن قصيدة أخرى بدون تاريخ يقول(5 ، ص 6) :
او يـارب يا محيي
اعظام الرمـــــــة
او منجى اصحـاب
الغار م الجهـلية
را الظلم
جانا من انظاف العمــــــــة
لباست الـمـعارق
تحـت م الطـاقـيـة
وهذان البيتان يصل بهما الشاعر إلى أعلى
درجات الجرأة دون أن يتخلى عن الموضوعية؛ فلباسة العمة وواضعو الشنة فوق المعرقة
هم السنوسيون، والشاعر يشهد
الله أنهم مصدر الظلم كله، ولكن موضوعيته تجعله يقر لهم بنظافة اللباس
(العمة) التي لا علاقة لها بنظافة السلوك والسرائر بالضرورة؛ بهذين البيتين يكشف
جعفر الحبوني عن مستوى رفيع من الوعي يمكنه من الفصل بين الانتمائين : البرقاوي
والسنوسي، هذا المستوى من الوعي يفتقر له جل إن لم يكن كل من ينادون بحقوق برقة
الآن.
ومن قصيدة البحر 1956 يقول(5 ، ص 15) :
هـــاج البحـــر عنـدي بعــد تهويدة
تغـيـظ وجـا دايـر أمـواج جـديــــدة
هـــــــــــــــــــــــــاج
تـــقـــــــــــوا
مـتـغـيـظ وريـحـه
لاعـبة لا جـــوه
قـل العـدالة
هـو البــايـن تـــــــــــوا
والحـق ويـن
مـتواري الناس تريده
هـذا وقـت يحمـينا
الله من ســـــــوه
لا فـيـه خــيـر
ولا اهـناك عـقـيـــدة
العقيدة تعني هنا المصداقية في القول والفعل
التي تبعث على الثقة.
وهذه أقصر قصيدة بالديوان(5 ، ص 16 ، 17) :
حكام مرحباهم خطف كيف اتجيــهم
للخــيـر والـتـواضـع ربـنا يـهـديهـم
حــكـــــام مــــاهــم خـــيـــــــــــره
او لاهم مـعـانا نـاويـيـن ســتــيـــرة
غـايـرين
في رزق الـعـباد امغيــرة
عـلى
كل ما داروا الله يـكـفـيــــــهـم
حكام مرحباهم خطف كيف اتجيــهم
للخــيـر والـتـواضـع ربـنا يـهـديهـم
مــــرحـــبــــــاهـم
قـــــــــاصـــــر
او جـملة
عـمـلهم ما امـوافق خاسـر
حكام في
المناطق دايرين منــاصر
انصـار من
قـبايلـهم ومنـهـم فـيــهـم
ان كان لك
وساطة فالخبر تجــاسر
وان كان
ما امعاك كتوف لا ترعيهم
مو عاد
متواري عملهم خـــــــاسر
وبـقـل
العـدالة كل حـد طــــــاريهم
الله
يجـيـبهم في يــد عبد الناصـر
نـيـن
العـدالة والشــرف يـــــوريهم
حكام مرحباهم خطف كيف اتجيــهم
للخــيـر والـتـواضـع ربـنا يـهـديهـم
عام
2013، بعد نجاح المصريين بقيادة الفريق عبد الفتاح السيسي في التخلص من حكم
الإخوان، انتشر ببرقة البيت التالي :
نبوا سيسي كي سيسيهم يركب فيهم
جــملة لخوان يصفيهم
نبوا سيسي كي سيسيهم يركب
فيهم بو كتف امعا صلابيهم
كان مؤلف هذا البيت يأمل في ظهور نسخة محلية
من السيسي، أما جعفر الحبوني في قصيدته هذه فإنه لا يريد نسخة محلية من جمال عبد
الناصر بل يريده شخصيا يتدخل ليربي تلك الطغمة الحاكمة!.
من قصيدة سميت (المجادلة) 1958 وهي عبارة عن حوار
بين الشاعر والعقل(5 ، ص 19 ،
20) :
الشاعر :
أيــــــــش انـــــــــــديـــــــــــــــروا
احـنا نـنـزلوا
والا مطـار نطــيـروا
وامعي الطــرق
توا انريد انســـيروا
مــنحـاش
العـدالة عـنـدنـا معــدومـة
غصـبا
عـلـيـنـا في لامور انحـيــروا
مـتكـرهب
الجو أو غـارقات انجومه
العقل :
خـــلـيـك
جـــوّك صـــــــــــــــــافي
لانـك
إيـســيــر أو لا وراك صفـافي
وخــلّي
مشـاكـيـّك إيكــونـن خـــافي
تـبـيـيـن
العـلل مـرات فـيـه نــدومة
حــريتــك
امعاك ورايـتـك رفــرافي
تحــمـد
الله ونعـمـــتـك مـتـمـــومـة
ما
تـفـتــكر حـكـم [العــدو الجـافي]
أو
حبـس العـقيلة والعـرب ملمومة؟
الشاعر :
خطّر عـليـك الخـيـر قـبـلـك نــاسي
حــبس العـقـيــلة والـعـذاب القـاسي
انـريد عدل في هاذاك
يبـري بـاسي
في دارهـا فـاقـد تـريـس اقـــرومـة
مـنـشاب نـارهم مازال في مقبـاسي
راحـوا بـلاش وكـل شـي بـسـومـه
يـعــوض
الله فيهم مخــــايـر ناسي
ضرابة
العدو وقـتن ايشن اهجومه
وفي قصيدة بتاريخ 1963م وقد سميت (شرح البترول)
على علاقة بالقصيدة المشهور مطلعها :
(ويــن ثـروة البــترول يا سـمسـارة
اللي ع الجـرايد نســـمـعوا بخبـاره)
يقول من قصيدة (شرح البترول) هذه(5 ، ص 23 ، 24) :
نـسـيـوا ابـريـقـة
م العـقــول نـسـيـة
او دار العـقـيـلة
وايـش صـار زمــان
او مـحـشـر سـلـوق ومـوتـنـا بالمـية
والمـقـرون مـا فـيـهـا فـنـوا فـرســان
او نـسـيوا ارواحـا طاهـرات زكـيـة
واليـوم اصـبـحوا صدقـان للطـلـيان
.............
..............
.............
..............
أفـــــراد
استغلـوا فرصـتا وقـتـيـة
وأثـروا
ثـراء فاحـش بلا حـسبــان
عــلالي
ورقــاصات طــــلــيـانـية
او في كل
شركة واخــذين مـكــان
أو
داروا جـرر للنـاس لجنــــابــية
وتمـت
عـلـيـنا دايـرة دنــــــــــدان
للمان والطليان أنصار للـفـاشـــية
اللي قـتـلـوا
الحـريـم والصـبـيــان
عمال وطنا
خــدام باليـومـــيــــــة
او جوني عليهم له اشراف او شان
اطــناشر
جني لولادنا الـمـهــــــيـة
واخـريـسـتـو مهيته ما لها احددان
ان كان
الحساب قـلـيـل ياخـذ مـيـة
من غـيـر
الغـذا والـنـوم والـدخـان
او نيتـه علــينا كيف ســم
الـحــيـة
والصـــل راه ما يـولد الا ثعبــــان
وإذا كانت شهادة هذين الشاعرين بهذه الحسرة
والشعور بالخذلان وهما لا يعلمان شيئا عن (دستور 1951)، فكيف لو علما بما حواه من
أمور تؤكد على غياب العدالة والإنصاف؟ حتى بمقاييس قانون العدالة الانتقالية؟ إذ
يبدو أن الـ(حتحات) كان واسعا لدرجة يتسع معها حتى للطليان أيضا!!، كيف لو علما
بالمواد 8 ، 9 ، 21 حيث تحصل بها الطليان على الجنسية الليبية وحرية التبشير
بالمسيحية؟، كيف لو علما بوجود الطليان بالعاصمة حيث القرب من المال والنفوذ وهما
موجودان ببرقة المهمشة؟
المحاكمة أخلاقية براغماتية
في
تونس بو رقيبة وفي ليبيا إدريس السنوسي تم ترخيص دور الدعارة وصناعة الخمور وبيعها؛
بمنظور ديني : (حلال ، حرام)، كلا الرجلين وقع في ارتكاب المحرمات؛ ولكن لا يمكن إدانة الحبيب بو رقيبة من حيث اتهامه بالخداع
برفع الشعار الديني ثم التخلي عنه، فقد كان الرجل من قبل وصوله للسلطة صادقا
وصريحا، وقد قبل التوانسة فيما يبدو بنهجه العلماني الواضح، أما إدريس السنوسي فهو
سليل حركة شعارها المعلن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومحاربة الفاحشة بكل
الوسائل، وعلى هذا الشعار قاتل الناس معها ودفعوا باهض الأثمان وأوصلوها للسلطة.
لقد خانت السنوسية وعودها
الانتخابية، والخيانة مرة وموجعة، الخيانة تتربع على قمة هرم الخسة إن كان للخسة
قمة، إن خيانة الوعود
الانتخابية عند الشعوب الواعية تؤدي إلى إسقاط المرشح الفائز أو على الأقل إلى عدم
إعادة انتخابه، ولا يكون ذلك بدوافع أخلاقية بحتة بل أخلاقية براغماتية :
(نافع ، ضار)، فكيف لو أن هذا المرشح قد وصل للسلطة ليس بالتصويت بل بالدماء
والمعاناة والتعاسة؟
الذي يخون الشعار الديني ويتخلى عنه أشد
خطورة ممن لا يرفع الشعار الديني أصلا، الأول يتجرأ على خيانة معبوده؛ ومن يخن
معبوده الذي يعتقد به من السهل عليه أن يخون البشر؛ والمثل : (اللي ما يخاف من الله خاف منه)
يعبر عن هذا المعنى أفضل تعبير.
أضف إلى ذلك إن الخيانة لم تقتصر على التخلي عن
الشعار الديني الصريح، بل امتدت إلى الشعار الوطني الممزوج بالديني، فالطليان
أعداء الوطن والدين، المجرمون الجديرون بحربهم، كما كانت تقول السنوسية صاروا
مواطنين ليبيين بفعل الدستور، ومن ذوي النفوذ الاقتصادي الواسع، (وشكلوا حزبين
أحدهما فاشي مدعوم من روما)(6 ،
ص 227)؛ وهم قنبلة موقوتة كجالية قد تنفجر حينما يختل الأمن كما اختل عام
2011م وما بعده حيث انفجرت قنابل موقوتة كثيرة.
..............................................................................
للتهميش، اخترت طريقة سهلة
وتقلل من حجم النص كما أراها، وقد وجدت مثالا عليها في كتاب نيكولاي بروشين :
(تاريخ ليبيا من نهاية القرن التاسع عشر حتى عام 1969) ترجمة عماد حاتم منشورات
مركز دراسة جهاد الليبيين ضد الغزو الإيطالي، ط؟، 1988؛ فقد استخدم على سبيل
المثال (20 ، ص 91)، فالرقم الأول (20) يشير إلى رقم المرجع في قائمة المراجع؛ أما
بخصوص الروابط فقد أشرت إليها هكذا : (8 ، ص ...) على سبيل المثال.
قائمة المراجع :
(1) مذكرات رئيس وزراء ليبيا
الأسبق : مصطفى بن حليم، صفحات مطوية من تاريخ ليبيا السياسي، ط1، بريطانيا
العظمى، 1992.
(2) د. علي أحمد عتيقة ، بين
الإرادة والأمل ــ ذكريات وتجارب حياتي ، ط1 ، 2013 ، دار ورد الأردنية للنشر
والتوزيع.
(3) قصيدة المرحوم بالقاسم حفتر
على الرابط :
https://www.facebook.com/groups/396191326024322/posts/407229121587209/
(4) صحيفة الشلال / درنة ، العدد
328 بتاريخ 24/1/1424؛ وهناك خطأ في التاريخ فيما يخص السنة، والصحيح : 1425 م =
1996 ف، كما كان يؤرخ في تلك الحقبة.
(5) جعفر الحبوني ، نور العدالة
، ط1، 1974، بدون تحديد جهة النشر.
(6) د. الحسيني الحُسيني معدي،
الملك محمد إدريس السنوسي : حياته وعصره، ط1، 1433 هـ ــ 2012 م، منشورات كنوز
للنشر والتوزيع ــ مصر.
29/3/2023
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق