السبت، 10 سبتمبر 2022

ألغاز السنوسية (2) لغز المهدي السنوسي المنتظر

 

ألغاز السنوسية

(2)

لغز المهدي السنوسي المنتظر؟

السنوسية وتكتيك تعدد الخطاب

     تعتمد السنوسية على ما يمكن تسميته بتكتيك تعدد الخطاب : فهي صوفية وليست بصوفية وهي سنية وتشترك مع الشيعة والصوفية (كلتاهما أو إحداهما) في تقديس آل البيت وتقديس الأضرحة والمقامات وحب السواد.

    من هذه المشتركات مع الشيعة أيضا الإيمان ومن ثم الترويج للمهدي المنتظر لا كما يؤمن به أهل السنة مهدي جديد لم يسبق له الظهور والاحتجاب، بل كما يؤمن به الشيعة مهدي محدد الجينات قد ظهر من قبل : (محمد الحسن العسكري بالنسبة للشيعة)(*) الذي ولد وظهر للخاصة والمقربين ثم احتجب وغاب الغيبة الصغرى ثم الغيبة الكبرى، كما يقولون انتظارا للحظة ما ليخف لنجدة شيعته وأحبائه والقضاء على السفياني المنحدر من هند بنت أبي عتبة آكلة الأكباد وزوجها أبي سفيان؛ هذا عن مهدي الشيعة المنتظر وهو محمد الحسن العسكري، فمن هو مهدي السنوسية الذي ينتظر ظهوره؟ إنه محمد المهدي بن محمد بن علي السنوسي (1844 ــ 1902).

     وعلى ذكر تكتيك تعدد الخطاب فلعله من المفيد وللتوضيح سرد أطرف استخدام له وكان ذلك في القرن الماضي على يد طبيب نسائي قبل التوصل إلى وسائل معرفة جنس الجنين، كان يقول لزبونته أن جنس الجنين ذكر مثلا ويسجل في ملفها الذي يحتفظ به أن الجنين أنثى، وعند الوضع إذا كان المولود ذكرا ازدادت شهرته وصدق الناس مقدرته على معرفة جنس الجنين وإذا كان العكس وأغضب ذلك الزبونة وشككت في مقدرته دعاها لتراجع معه ما سجل بالملف الخاص بها، فتجد أن جنس الجنين أنثى، ويتهم الزبونة في سمعها وانتباهها، وهكذا يحقق ما يصبو إليه إن أصاب أو أخطأ، لكن المأزق حينما يكون المولود خنثى، أي حينما يجتمع النقيضان، أي لحظة اكتشاف تناقض الخطاب أو خنوثته، والمأزق أيضا حينما تضع زبونته توأما.

إنكار انشغال السنوسية بالمهدوية والرد عليه

    نشرت الصيغة الأولى من هذا المقال على صفحتي بالفيس بتاريخ 10/9/2022، وقد أنكر بعض القراء وجود اعتقاد مسبق لدى السنوسيين واتباعهم بمهدية محمد المهدي السنوسي، وظن أن إنكار موته ردة فعل مثلما فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما أخبر بموت الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فهي ردة فعل مؤقتة مرتبطة بحادثة الوفاة ولا مقدمات أو إرهاصات تمهد لها.

     وبعد نشر المقال بفترة تيسر لي الاطلاع على مراجع سنوسية على درجة كبيرة من الأهمية تؤكد على ما ذهبت إليه في الصيغة الأولى من هذا المقال، فرأيت إعادة صياغة هذا المقال بالاستفادة بما جد لدي من معلومات، بما يؤكد انشغال السنوسية بهذا الموضوع أو القضية، وإعادة نشره لإلقاء مزيد من الضوء على السنوسية، وما كانت تروجه، وتأثير ذلك على خلق نمط معين من التفكير لدى الناس مازال ممتدا حتى يومنا هذا.

أدلة تؤكد انشغال السنوسية بالمهدوية

    من المراجع التي استفدت منها تحت هذا العنوان (الدر الفريد الوهاج بالرحلة المنيرة من الجغبوب إلى التاج) للسيد أحمد الشريف السنوسي، مخطوط، حققه أ.د. عبد المولى الحرير، ثم حققه د. أحمد محمد جاد الله ود. عبد الغني عبد الله محمود؛ وثمة بعض الاختلافات بين التحقيقين تجعل من النص المحقق مرجعين لا مرجعا واحدا.    

    في (الدر الفريد الوهاج) تحقيق عبد المولى الحرير استغرق أحمد الشريف (23) صفحة وذلك في سرد مرويات من كتب الحديث ومما رآه من يسمون بـ (أهل الكشف) في مناماتهم أو حتى في يقظتهم من مشاهدات كما يزعمون تتحدث عن المهدي في بعضها بصمات شيعية وربما بهائية؛ (2 ، ص من 194 إلى 216).

    من الجدير بالذكر أن المحققين جاد الله وعبد الغني تجاهلا هذا الجزء على أهميته، وتوقفا قبله بالرغم بأنهما قد اطلعا على عدد من نسخ المخطوط أكثر من عدد النسخ التي اطلع عليها الحرير كما يقولان (3 ، ص 21 ، 142).

مما رواه أحمد الشريف حسب عبد المولى الحرير :

     «وأخرج الحافظ أبو نعيم عن ثوبان رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا رأيتم الرايات السود قد أقبلت من خرسان فأتوها ولو حبوا على الثلج فإن فيها خليفة الله المهدي»(2 ، ص 213 ، 214).

    ولا تخفى البصمة الشيعية أو الفارسية في هذا الحديث.

     «وقد نظم سيدي محي الدين بن العربي أربعة أبيات على ولادته فقال آخر ملوك آل عثمان الملك المؤيد سلطاننا عبد الحميد بأمر الله ينزل العين ويظهر الميم من الميم في عصر العين والباء والميم إذا أراد حكم الزمان يطيب لنجله على عدد حروف بسم الله الرحمن الرحيم عدد حروف البسملة تسعة عشر فيحصل جملة العدد سنة خمس وخمسين ومائتين وألف وتأخرتا عن هذا العدد ولادة سيدنا أو أستاذنا السيد محمد المهدي بخمس سنين وذلك عام توجه الأستاذ رضي الله عنه من المشرق إلى المغرب الذي خطب فيه والدته رضي الله عنها وهذا الحساب قريب جدا لولادته رضي الله عنه وسيدنا المهدي هذا هو الذي رجاء الإسلام في الإسلام وفيه»(2 ، ص 202).

     يلاحظ الاعتماد على الطلاسم وما يسمى بالجفر وحساب الجمل على عادة المشعوذين؛ ومن المعروف أن العدد (19) له قدسية عظيمة عند البهائيين وربما تسربت هذه القدسية من عقائد فارسية قديمة، حيث أن مؤسسي البهائية هم من الفرس.

    من هذه الطلاسم القول بأن علامة مولد محمد بن علي السنوسي (غرب) وحساب الجمل لهذه الكلمة يساوي 1202، وتوظيف هذا الرقم في توقع التاريخ الذي يظهر به المهدي أو يولد به ليكون على مقاس محمد المهدي السنوسي (2 ، ص 201).

    وكدليل على حقيقة انشغال السنوسية بمهدوية محمد المهدي فهذه مجموعة اقتباسات من الدر الفريد بالتحقيقين :

    يصل الأمر بالسيد أحمد الشريف إلى التصريح بمهدية محمد المهدي السنوسي، على لسان أحد الإخوان، وهو محمد عبد الله السني، والذي يروي ما يرويه بحضور المهدي :

    «وحكى سيدي محمد السني عن الشيخ محمد البغدادي الواسطي الشريف(**) في شوال سنة 1312 هـ ألف وثلاثمائة واثنا عشر بمدينة طرابلس أنه رأى في المنام شخصا مديد القامة من أكابر الصالحين أهل الكشف والناس محدقون به يسألونه عن أشياء وهو يخبرهم قال فجئت لأسمع وانظر قال فسأله شخص : هل السنوسية على الحق؟ فقال بكلام قوي أي على الحق فقال : ويقال المهدي منهم؟ فقال له : منهم فقال : هل خرج؟ فقال : نعم خرج فقال له : وأذن له أهل الله؟ فقال : أذنوا له فقال : وأنت أذنت له؟ فقال : نعم أذنت له؛ إلى هنا تمام ما حكاه لنا غفر الله له»(2 ، ص 95) ، (3 ، ص 252 ، 253).

     أول ما يلاحظ على هذه الواقعة أن محمد المهدي كان حاضرا ولم يسجل أحمد الشريف أنه غضب، كما يزعم يوسف الحبوش في اقتباسات لاحقة تحت العنوان التالي.

    ومعلوم أن الرؤية (المنام) من مصادر المعرفة عند الصوفية والسنوسية منهم؛ بل إنهم ليدعون أنهم يرون النبي صلى الله عليه وسلم في اليقظة (4 ، ص 30 ، 32)، ويروون عنه روايات يزعمون بأنهم تلقوها عنه في اليقظة (1 ، ص 37)، كما أنهم يروون عن الخضر عليه السلام أيضا (1 ، ص 71).

      وهناك إشارات يرويها أحمد الشريف عن محمد بن علي السنوسي على علاقة بمحمد المهدي :

     «وكتب لسيدي عمران بتسميته السيد محمد المهدي، وبعد مدة أرسل الأستاذ رضي الله عنه بالقدوم بها الى درنة وتسليم السيد محمد المهدي رضي الله عنه للمرضعة، وهي خضرة زوجة الحاج حسين الشريف، وكان ازدياده رضي الله عنه في ذي القعدة الحرام سنة ستين بعد المائتين والألف في الجبل الأخضر بمحل يقال له ماسة وقبل ولادته ظهر في السماء بياض على هيئة السيف عند غروب الشمس واستمر ذلك بعد الازدياد بمدة طويلة وتلك إشارة إلاهية بأنه رضي الله عنه هو صاحب السيف»(2 ، ص 136) ، (3 ، ص 339).

وللتأكيد على انشغال السنوسية بمهدوية محمد المهدي السنوسي ما جاء في (الدر الفريد) بالتحقيقين :

     «فلما وصلا الحلولي أتاهما رجل أعمى وجلس بينهما ووضع كل يد على واحد، قال : أهلا وسهلا بجماعة الشيخ السنوسي، وقال : هذا من المغرب وهذا من المشرق،  وكان هناك أناس يتكلمون على الإمام، فمنهم من يقول : الإمام يخرج آخر الزمان، ومنهم من يقول : ولا مهدي إلا عيسى، فأجابهم الأعمى بقوله : والله أن المهدي موجود الآن، حفظ القرآن وحط اللوح في هذه السنة. قال هذا الكلام وقام ومشى. فلما أتوا الجغبوب سألهم الأستاذ عن القصة فوجدهم قد نسوها حتى وضحها لهم، فتفكروها فقالوا : نعم يا سيدي، صحيح، قال لهم : اخبروا بذلك أخانا عبد العالي فأخبروه بحضرة الأستاذ رضي الله عنه. وسألت جدتنا الأستاذ رضي الله عنه قالت : لأي شيء سميته المهدي قال : نرجو الله أن يكون هو الإمام المنتظر»(2 ، ص 155 ، 156) ، (3 ، ص 368 ، 369).

     «وحكى سيدي محمد عبد الله السماح المجاهد قال : لما كنت بالمدينة ذات يوم عند الواجهة الشريفة سمعت خطابا من الروضة الشريفة منه صلى الله عليه وسلم وهو يقول : يا ابن عبد الله، امش للمهدي، يا ابن عبد الله، المجاور للجغبوب كالمجاور في المدينة، يا ابن عبد الله، المجاور للمهدي كالمجاور في المدينة، يا ابن عبد الله المهدي أزيد من ابن السنوسي بسبعين درجة»(2 ، ص 161 ، 162) ، (3 ، ص 377).

      ومن الجزء الذي انفرد به الحرير وتجاهله جاد الله وعبد الغني :

     «وسئل الأستاذ الجد رضي الله عنه عن تسميته المهدي، قال : رجوت أن يكون هو المهدي المنتظر؛ وكان رضي الله عنه جالسا ذات يوم مع عثمان المرغني فحلف [أي المرغني] له بالطلاق بأن السيد أحمد بن إدريس هو الإمام؛ فنها الأستاذ الجد عن الخوض في ذلك، فتغير المرغني لهذا النهي؛ فقال رضي الله عنه : الآن يمشي إلى سيدنا أحمد ويكدر خاطره علي، فأسرع بالمشي إلى سيدي أحمد قبل أن يسبقنا المرغني، فنحكي له ما جرى؛ فقال سيدي أحمد رضي الله عنه الإمام اسمه محمد وأنا اسمي الإمام أحمد والإمام المهدي صغير السن وأنا اليوم جاوزت التسعين ولكن هو من جماعتنا، فقال له الأستاذ الجد : الاخوان يقولون : يرجع شابا بعد أن كان شيخا ويرجع شابا بعد أن كان صبيا فقال سيدي أحمد لا يرجع أبدا لا من الصبا ولا من الشيخوخة»(2 ، ص 195 ، 196).

    «وروي عن سيدي محمد الشمو أيضا انه قال سيدي أحمد بن إدريس : لو يعلم الناس السر الذي في أخينا محمد بن السنوسي لتضاربوا عند بابه بالسيوف من أجل المزاحمة في الدخول؛ ثم قال : السر الذي يعنيه سيدي أحمد هو السيد محمد المهدي؛ وقال الأستاذ رضي الله عنه : طلع الصباح وانطفأ المصباح»(2 ، ص 196).

«وحكي عن الشيخ علي الليثي أنه كان لبعض الأيام عند سيدنا رضي الله عنه هو والشيخ علي بن عبد الحق، فقال، يعني الشيخ علي بن عبد الحق للأستاذ : أرى وجهك متغيرا الفلك ما نخسر شيء، فقال رضي الله عنه : عرض علي النبي صلى الله عليه وسلم البارحة المهدوية، فقلت له : يا رسول الله لا أقدر عليها، بطني كبيرة وكبير السن، وتشفعت بسيدتنا فاطمة رضي الله عنها، فقال له [لي] صلى الله عليه وسلم : تكون في نجلك محمد»(2 ، ص 199 ، 200).

ما بين [ ] ليس بالأصل وهو الأنسب بدلا من (له).

المهدي السنوسي المنتظر بحسب ما روجته السنوسية

    من يوسف عبد الهادي الحبوش (عمر المختار : الحقيقة المغيبة) نقلا عن برقة المهدأة ص 274،  294  جاء في كلام غراتسياني بعد احتلال الكفرة واصفا حال المجاهدين في الجبل بعد علمهم باحتلال الكفرة التي يصفها غراتساني ساخرا بالواحة المقدسة :

    «ظلوا متحجرين طبقا لأسطورة قديمة، وأن المهدي السنوسي المدفون في زاوية التاج سرعان ما سوف يبعث ليزحف من الصحراء ويخف لنجدة المقاتلين بالجبل بجيش عرمرم»(7 ، ص 431 ، 432)، ويضيف الأستاذ يوسف معلقا في الهامش على كلام غراتسياني قائلا :

    «يغمز غراتسياني هنا إلى الاعتقاد الجازم لدى عمر المختار وكثير من أهالي برقة السنوسيين بفكرة عدم موت شيخهم المهدي السنوسي بعد،  واعتقادهم بمهديته،  وبمقولة مشهورة وردت عن الإمام محمد بن علي السنوسي تتلخص في أن أهل الجبل الأخضر الليبي سيكونون من أقوى أنصار هذا المهدي،  الذي سيعود للظهور للعيان من جديد،  حسب الرواية،  بعد غيبة تعادل تقريبا ضعف عمره الذي عاشه قبل أن يحتجب،  وسيكون هذا الظهور عقب مرور شهرين على احتلال أوروبي (فرنسي إنجليزي) جديد،  يأتي بعد الاحتلال النابلتاني،  وسيقتسم على أثره الفرنسيون والإنجليز ليبيا وشمال أفريقيا،  ويكون فيه الحد الفاصل بينهما (مقطع الكبريت) بالعقيلة،  وعلامات أخرى عديدة يذكرونها تدل على اقتراب موعد ظهوره.

     ولكن من الجدير بالذكر أن السيد المهدي السنوسي لم يدع (المهدية) في حياته على الإطلاق، كما انه لم يسمح لأحد من اتباعه بأن يشيعها أو أن يدعيها له بحضوره، وأنه كان يغضب بشدة إذا تناهى إلى سمعه مثل هذا القول،  إلا أن كثيرا من السنوسيين على الرغم من ذلك يقولون بمهديته،  وعلى رأسهم والده الإمام المؤسس السنوسي الكبير، وحفيده السيد أحمد الشريف.

    ومما يجدر ذكره ــ أيضا ــ أن السنوسيين لا يلزمون اتباعهم ومنتسبيهم بتصديق فكرة مهدية المهدي السنوسي أو اعتقادها ولا بالقول بها،  وهم لا يؤسسون طريقتهم الإصلاحية على هذا القول،  ولا يعدونه عقيدة فيها،  كما يفعل الشيعة مثلا،  ويحسمون الجدل حين يثار هذا الموضوع بأن قبره هو الموجود بالكفرة . وباختصار فأن الأمر عندهم لا يعدو كونه مسألة ميتافيزيقية غيبية تندرج ضمن خوارق ستكون بين يدي الساعة معني بها من يعايشها،  شأنها في ذلك شأن غيبة المسيح ابن مريم وعودته،  وغيرها من العلامات التي يصدقها ويقول بها معظم المسلمين»(7 ، ص 431 ، 432).

أولا : نقد ما جاء في هذا الاقتباس :

1 ــ القول بأن المهدي لم يسمح لأحد من اتباعه بأن يشيع مهدويته أو أن يدعيها له بحضوره ليس دقيقا كما مر بنا في اقتباس من (الدر الفريد الوهاج) بالتحقيقين تحت العنوان السابق(2 ، ص 87 ، 95) ، (3 ، ص 242 ، 253) وهل يعقل أن يدون أحمد الشريف ما يغضب عمه الذي يجله حد التقديس؟

2 ــ القول بأن قبره هو الموجود بالكفرة؛ إذا قصد السنوسيون به تأكيد الموت واستحالة عودة المهدي إلى الحياة فهذا لعب بعقول الناس حينما يروجون بالموازاة معه القول بحتمية عودة المهدي، هل هو تكتيك تعدد الخطاب : أن تقول الشيء وتقول عكسه؟ هنا تختلف السنوسية عن الشيعة؛ حيث أن مهدي الشيعة المنتظر لم يوجد له قبر ولم يقل أحد من الشيعة بموته، بل باحتجابه فحسب.

3 ــ يعترف يوسف الحبوش بأن السنوسيين يرون في المهدي السنوسي مهديا منتظرا ويرون مجيئه علامة من علامات الساعة مثله في ذلك مثل ظهور المسيح.

ثانيا : وفقا لنبوءة محمد بن علي السنوسي بعودة المهدي فإن لها علامات منها :

1 ــ تكون بعد غيبة تعادل تقريبا ضعف عمره، وبما أنه كان يبلغ من العمر الـ (58) عاما حين وفاته عام 1902 فإن عودته متوقعة عام 2018 تقريبا.

2 ــ تكون عقب مرور شهرين على احتلال أوروبي (فرنسي إنجليزي) جديد،  سيقتسم على أثره الفرنسيون والإنجليز ليبيا وشمال أفريقيا،  ويكون فيه الحد الفاصل بينهما (مقطع الكبريت) بالعقيلة.

3 ــ ويكون ذلك بعد احتلال نابلتاني أي إيطالي، فهل من هذه العلامات ما ينطبق على هذه اللحظة؟

المهدي السنوسي المنتظر في المخيال الشعبي

   من الكتاب : (الملك إدريس عاهل ليبيا حياته وعصره)، ومعظم ما جاء في هذا الكتاب مروي عن الملك إدريس وولي عهده الأول محمد الرضا.

    يروي الملك إدريس لكاندول رحلته حينما كان صبيا مع والده المهدي من الكفرة إلى قورو في تشاد : «وكانت قورو بقعة منعزلة في واد ينحدر من جبل ايمي كوسى الضخم . وسكانها سمر البشرة يعرفون بالتبو، وقد رحبوا بمجيئنا»، ولكن «السنوسيين لم يستطيعوا التعود على طبيعة تلك الأرض الجبلية الوعرة وجوها المتقلب الكثير العواصف والغيوم المفاجئة، وهو شديد الاختلاف عن جو الصحراء الجاف. ثم أصيب والدي بحمى مفاجئة لم تمهله طويلا فتوفي في أوائل صيف عام 1320 هـ (الموافق أول يونيه 1902م). وكانت وفاته صدمة كبيرة لنا، وبعدها قرر كبار الجماعة أن نحمل جثمانه ونعود به إلى الكفرة. وهكذا كان»(5 ، ص 12).

    ويضيف دي كاندول قائلا :

    «وكانت وفاة السيد المهدي المبكرة صدمة عنيفة لأتباعه ومصابا فادحاً ألم بالحركة السنوسية عموماً. وسرعان ما ذاع الخبر المفاجئ في أرجاء البلاد عبر الصحارى، فكان له وقع الصاعقة على كثير من الناس حتى أنهم رفضوا التصديق بأنه مات حقا»(5 ، ص 12).

    ويضيف الناشر أو المترجم في هامش ص 12 تعليقا على كلام دي كاندول وتأكيدا عليه : رفض أحد الشعراء خبر الوفاة في قصيدة شعبية مطلعها :

سيدي مول السر مصفّى   **   غير تخفّى  **  يكذب هللي قال توفّى(5 ، ص 12).

     إلى هنا ينتهي الاقتباس من كتاب دي كاندول، أما (السر) في البيت فالمقصود به الأصل،  النسب.

    واستجابة من المخيال الشعبي المصدق للنبوءات الخاصة بالمهدي فقد تكرر القول بظهوره بعد وفاته، فقد ادعى أحد الدراويش أنه التقى منذ قليل بالمهدي، فسأله الناس عن الاتجاه الذي انطلق نحوه، فأشار الدرويش إلى إحدى الجهات، بحث الناس عن المهدي في ذلك الاتجاه وحينما يئسوا عادوا إلى الدرويش وسألوه : ماذا قال لك؟، قال الدرويش : لقد قال:

لمقاط بادن ولحبال تقوّن  ** ولذياب تابن والبراشن عوّن.

     لمقاط (الأمقاط) = جمع مقط وهو الحبل الغليظ، على الأرجح ، البراشن = الخراف الصغيرة.

    في حادثة أخرى زعم أحد الرعاة بأنه بينما كان عائدا بقطيعه بعد غروب الشمس رأى سيده المهدي بطرف القطيع، انتشر الخبر فأعلن عن إقامة الولائم في الزوايا فرحة بهذا الظهور، وكانت الوليمة (الغداء) بزاوية عين مارة كسكسو، وفي خضم الفرحة ارتفع منسوب الأدرينالين وهوس الاستعراض في الميز وتجرأ أحد الفرسان على مضايقة إحدى النساء وكاد أن يصدم بجواده الطنجرة الفخارية (البرمة) التي كانت تطهو بها الكسكسو، فهب رجل من شيعتها لنجدتها ونهر الفارس وتطور الأمر إلى اشتباك عنيف استمر إلى وقت الغروب بين جماعتين من الجمهور المحتفل وسمي ذلك بـ (حس الكسكسو) والحس تعني المعركة، أما الكسكسو فقد شغل عنه الناس بحسه!!.

    ومن علامات تصديق الأساطير ما رواه الأستاذ سالم الكبتي عرضا : يقول سالم الكبتي متحدثا عن اجتماع الجمعية الوطنية لإقرار الدستور في 7/10/1951 : «وتزامن ذلك مع إحضار جثمان السيد المهدي السنوسي والد الملك إدريس لدفنه في بنغازي، وظل مدة شهرين في جامع قمينس ثم أعيد إلى الكفرة، مثواه السابق، وارتبط بهبوب رياح قوية مع غبار وأتربة وتعارف عليه شعبيا بـ(عجاج سيدي المهدي)»(6 ، ص 45).

    هذه الحادثة التي يرويها سالم الكبتي لغز آخر من ألغاز السنوسية، فلماذا جلب الجثمان؟ ولماذا بقي هذه المدة بالجامع؟ ولماذا أعيد؟ وهل فسر العجاج بغضب المهدي من جلب جثمانه؟ أم من إعادته؟ وما ذنب أهل برقة المساكين حتى تعاقبهم السنوسية بعجاجها؟!!.

    وقد تعرض قبر المهدي السنوسي بزاوية التاج لعدة محاولات نبش في الأعوام : 2009،  2012،  2014 ويبدو بأنها لم تنجح في تحقيق مرادها، ولكن «فجر يوم السبت 30/12/2017 تم إخراج الرفاة ونقلها إلى إحدى المقابر، وقد صرح الشباب الذين قاموا بذلك قائلين : تم إخراج الجثمان من مكانه ودفنه بالصورة الصحيحة وذلك بسبب كثرة زيارة الناس للقبر والتقرب منه للشفاء أو لقصد حاجة هذا الأمر دعا لنقل الجثمان حتى لا يقع الناس في الفتن بالتقرب للموتى»(8 ، ص ....) ، (9 ، ص ....).

أين يكمن اللغز؟ ومتى يكون التساؤل فرض عين؟

    ((السنوسية حركة أسسها محمد بن علي السنوسي في برقة التي وجدها غارقة في ظلام الجهل، وهدفها تصحيح فهم الإسلام والنهوض بالأمة ومحاربة التخلف والخرافة))، هذه الديباجة المعروفة عن السنوسية فهل ما جاء عن المهدي السنوسي المنتظر يتسق وينسجم مع هذه الديباجة؟ وهل انتقلت برقة بهذا من ظلام الجهل إلى نور العلم والمعرفة والعقيدة الصحيحة حقا؟.

..............................................................

(*) ثمة فرق تقول بمهدية آخرين وتنتظرهم ولكن الأشهر هو القول بمهدية محمد الحسن العسكري وانتظار ظهوره عند الكثير من الشيعة.

(**) ما نقلناه عن الدر الفريد مما رواه محمد عبد الله السني، كان النص الوارد في التحقيقين، وتم التجاوز عما ورد في الكتاب من تحقيق جاد الله وعبد الغني من زيادة بها ذكر حديث الرؤيا الصالحة وأنها جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة.

     وتعليقا على ذلك : أن الحديث يتناول الرؤيا الصالحة يراها الصالح، ولكن ما المعايير التي تجعلنا نطمئن ونصدق (بعد الأنبياء) كل من يدعي الصلاح لرؤياه ولنفسه؟ هل يكفي حكم الناس؟ وهم كثيرا ما كشفوا عن تسرعهم وسهولة انخداعهم؟ تاريخ النصابين والمحتالين يشهد على ذلك؛ الحكم على ما يقوله الأشخاص من حيث الصدق والادعاء الكاذب بهذا الخصوص يظل حكما انطباعيا يفتقر للمعايير العلمية الدقيقة.

     للتهميش، اخترت طريقة سهلة وتقلل من حجم النص كما أراها، كما أنها مرنة لا تتأثر بتقديم عنوان وتأخير آخر؛ وقد وجدت مثالا عليها في كتاب نيكولاي بروشين : (تاريخ ليبيا من نهاية القرن التاسع عشر حتى عام 1969) ترجمة عماد حاتم منشورات مركز دراسة جهاد الليبيين ضد الغزو الإيطالي، ط؟، 1988؛ فقد استخدم على سبيل المثال (20 ، ص 91)، فالرقم الأول (20) يشير إلى رقم المرجع في قائمة المراجع؛ أما بخصوص الروابط فقد أشرت إليها هكذا : (8 ، ص ...) على سبيل المثال.

 

قائمة المراجع :

(1)أحمد بن محمد الشريف بن محمد بن علي السنوسي، مختصر الأنوار القدسية في مقدمة الطريقة السنوسية، تحقيق د. محمد أحمد جاد الله، منشورات جمعية الإمام محمد بن علي السنوسي للثقافة والتراث، ط1 ، 2022.

(2) أحمد محمد الشريف السنوسي، الدر الفريد الوهاج بالرحلة المنيرة من الجغبوب إلى التاج، تحقيق أ.د. عبد المولى الحرير،  دار القمة للطباعة والنشر ، بنغازي – ليبيا، ط؟، 2018.

(3) أحمد محمد الشريف السنوسي، الدر الفريد الوهاج بالرحلة المنيرة من الجغبوب إلى التاج، تحقيق : د. أحمد محمد جاد الله ود. عبد الغني عبد الله محمود، تقديم : د. إدريس فضيل الحداد، منشورات جمعية الإمام محمد بن علي السنوسي للثقافة والتراث، ط1، 2022م.

(4) عبد الوهاب الشعراني، الأنوار القدسية في معرفة قواعد الصوفية الجزء الأول، حققه وقدم له طه عبد الباقي سرور، السيد محمد عيد الشافعي، منشورات مكتبة المعارف ــ بيروت، ط؟ ، 1408 هـ ــ 1988م.

(5) ايريك آرمار فولي دي كاندول، الملك إدريس عاهل ليبيا حياته وعصره، ترجمة ونشر محمد عبده بن غلبون، ط2، منشستر 1990.

(6) سالم الكبتي : الدستور في ليبيا ــ تاريخ وتطورات ــ منشورات دار الساقية ــ بنغازي، صحيفة الكلمة ــ بنغازي  ط2 2013. 

(7) يوسف عبد الهادي الحبوش، عمر المختار : الحقيقة المغيبة، الطبعة الأولى 1438 هـ ــ 2017م، منشورات مكتبة وهبة ــ القاهرة.

(8) على الرابط :

https://alwasat.ly/news/libya/153901

 (9) على الرابط :

https://akhbarlibya24.net/2017/12/30/%D9%86%D8%A8%D8%B4-%D9%82%D8%A8%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%87%D8%AF%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%86%D9%88%D8%B3%D9%8A-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D9%83%D9%81%D8%B1%D8%A9

 

..........................................................................................................................

نشرت الصيغة الأولى على المدونة على هذا الرابط بتاريخ 10/9/2022

على الرابط :

http://abdullahharunabdullah.blogspot.com/2022/09/2.html

نشر المقال بالنص وليس كرابط على صفحتي على الفيس بوك بتاريخ 10/9/2022

على الرابط :

https://www.facebook.com/abdhaabd/posts/pfbid02Gw3Ak6CRBU6HGFAE8r3edFHfJ8AuCs1ZKwwhUPZ8Cnpu6gDzh8j3zoxUvzf6S4YUl

هذه الصيغة هي الصيغة الثانية المعدلة نشرت مكان الصيغة الأولى على المدونة بتاريخ 2/6/2023

ونشرت الصيغة الثالثة بتاريخ 29/4/2024 على المدونة على نفس الرابط

الجمعة، 9 سبتمبر 2022

ألغاز السنوسية (1) لغز نهاية الحسن صاحب دور الدقيق

 

ألغاز السنوسية

(1)

لغز نهاية الحسن صاحب دور الدقيق

     في العامين 1928 ، 1929 كثف عمر المختار من مفاوضاته مع الطليان خاصة بعد تسليم الوكيل العام محمد الرضا نفسه ونفيه إلى إيطاليا وخروج جل القادة السنوسيين إن لم يكن كلهم من برقة وتشديد إيطاليا الخناق عليه؛ انتهت المفاوضات عام 1929 باتفاق استلزم حسب الجانب الإيطالي ذهاب عمر المختار إلى بنغازي لتوقيعه فأوفد بدلا منه الحسن الرضا الذي يوصف حينها بالمفتش العام ويوقع بهذه الصفة؛ وفي بنغازي أقنع الشارف الغرياني وغيره الحسن بتعديل الاتفاق ورفض عمر المختار هذا التعديل وترتب على هذا الخلاف انشقاق داخل الأدوار وانضمام جزء من المجاهدين إلى الحسن وتشكيل ما عرف بـ(دور الدقيق)، حيث اهتم الطليان بالحسن ومن معه ومدوهم بالمؤن وأهمها الدقيق، ثم ساورت الطليان المخاوف من عودة الحسن ومن معه إلى عمر المختار، فقامت القوات الإيطالية بمهاجمة الحسن ومن معه بتاريخ 10/1/1930 وقضت على العديد من رفاقه واستسلم هو فنفي إلى إيطاليا حيث بقي بفلورنسا حتى وفاته عام 1936 حسب أقدم المراجع العربية التي اطلعت عليها بالخصوص وهو كتاب (السنوسية دين ودولة). 

     الملخص السابق يحتوي عدة معلومات ما يتعلق منها بلغز الحسن ثلاث :

الأولى : أن لمحمد الرضا ولي العهد الأول ابنا اسمه الحسن تقلد منصب المفتش العام وكان شابا قادرا على تحمل تبعات هذا المنصب عام 1929.

الثانية : أن هذا الشاب قد أدى بسلوكه المتمثل في تعديل الاتفاق (بعكس ما يرغب عمر المختار ومسايرة منه لرغبة الطليان) إلى خلق انشقاق داخل الأدوار وظهر ما عرف بـ(دور الدقيق).

الثالثة (تتعلق بنهاية الحسن الرضا) : أنه قد قبض عليه من السلطات الإيطالية ونفي إلى فلورنسا بإيطاليا حيث توفي هناك عام 1936.

    المراجع التي أتيحت لي فرصة الاطلاع عليها تجمع على المعلومتين الأولى والثانية مع الاختلاف في بعض التفاصيل التي لا تؤثر على السياق العام كثيرا، ولكن هذه المراجع تختلف وتتضارب فيما يخص المعلومة الثالثة المتعلقة بنهاية الحسن إلى درجة كبيرة، وهذه عينة من هذه المراجع :

السنوسية دين ودولة

   بالنسبة للمعلومة المتعلقة بنهاية الحسن فقد جاء في ص 451 : "وفي 10 يناير 1930 قبض الطليان على الحسن نفسه وساقوه أسيرا إلى بنغازي ثم ما لبثوا حتى نفوه إلى جزيرة أوستيكا ثم فلورنسة بعد ذلك، وقد بقي الحسن منفيا بهذه المدينة الأخيرة حتى وفاته عام 1936"(1 ، ص 451).

تاريخ السنوسية في أفريقيا القسم الأول

    بالنسبة للمعلومة المتعلقة بنهاية الحسن فقد جاء في ص 452 : "وفي 10 يناير 1930 قبض الطليان على الحسن نفسه وساقوه أسيرا إلى بنغازي ثم ما لبثوا حتى نفوه إلى جزيرة أوستيكا ثم فلورنسة بعد ذلك، وقد بقي الحسن منفيا بهذه المدينة الأخيرة حتى وفاته عام 1936"(2 ، ص 452)، ومن الاقتباس يتضح اعتماد علي الصلابي على المرجع السابق وذلك يعني اقتناعه بما جاء فيه.

عمر المختار

    فيما يخص نهاية الحسن فقد جاء في : ص 122 : "انتهى الموقف بالسيد الحسن إلى ما انتهى إليه وقبض عليه الطليان ونفوه إلى إيطاليا فبقي هناك أسيرا إلى أن توفاه الله غريبا عن موطنه وأهله وكان رحمه الله من أبطال الجهاد على صغر سنه ، وإلى هذا الحد أدى به اجتهاده المشوب بحسن النية ، وبسوء تصرف بعض رجال خاصته ومساعي سماسرة الاستعمار وعابدي الدرهم والدينار"(3 ، ص 122).

    ذكر النفي والوفاة في المنفى دون ذكر تاريخ أي منهما.

عمر المختار نشأته وجهاده من 1863 إلى 1931 دراسات في حركة الجهاد الليبي

    تناول الدكتور إدريس صالح الحرير تحت العنوان : (مواقف خالدة لعمر المختار) في الصفحات 71 ، 72 ، 73 سلسلة المفاوضات.

   أما بالنسبة للمعلومة المتعلقة بنهاية الحسن فقد ذكر في ص 73 : "وعندما انكشفت حيلة إيطاليا أسرعت بضرب دور الدقيق وقتل وأسر أغلب من في المعسكر وأخذ قائده الحسن الرضا أسيرا إلى إيطاليا حيث توفي هناك"(4 ، ص 73).

    ذكر النفي والوفاة في المنفى ولم يذكر لهما تاريخا محددا.

عمر المختار : الحقيقة المغيبة

    فيما يخص نهاية الحسن فقد جاء في ص 383 : نقلا من المؤلف عن غراتسياني في كتابه برقة المهدأة : "وفي (غوط الجل) وأثناء هجوم قواتنا على الدور الذي يقوده استسلم، وألقي القبض عليه"، "وفي الثامن والعشرين من سبتمبر عام 1930م على ظهر مركب أوستكو الحربي، وفي معية زعماء الزوايا كان الحسن بن محمد الرضا السنوسي في طريقه إلى منفاه بـ (أوستيكا)"(5 ، ص 383). عن غرتسياني برقة المهدأة ص 46

      ذكر النفي وتاريخه نقلا عن برقة المهدأة فكان 28/9/1930 وليس 10/1/1930 كما جاء بالمرجع الأول ولكنه لم يثبت الوفاة في المنفى.

برقة الهادئة

    فيما يخص نهاية الحسن فقد جاء في ص 64 : "قامت السلطات الإيطالية بحل الدور (أي دور الحسن الرضا) الذي عرف (بدور الدقيق)"، "فالحكومة صممت على سحب السلاح من جماعة الحسن رغم امتناعهم وعليه فقد قامت قواتنا بحل الدور بعد استعمال القوة فقتل من قتل وأسر من أسر من رجاله. في المدة الأخيرة كان الحسن الرضا دائما يرفض أن يقيم داخل المدينة فبدأت تحوم حوله الشبهات فأجبر على الإقامة داخل مدينة بنغازي"(6 ، ص 64).

    لم يذكر تاريخا محددا ولا إشارة للنفي ولا إشارة للوفاة ولكنه أشار إلى ما يمكن أن يوصف بالإقامة الجبرية.

    يلاحظ اختلاف ما جاء في (عمر المختار : الحقيقة المغيبة) الذي ينقل عن (برقة المهدأة) اختلافه عما جاء في (برقة الهادئة) مع أن الكتابين : برقة الهادئة وبرقة المهدأة ترجمتان لكتاب واحد مع اختلاف المترجمين، واختلاف المترجمين لا يبرر اختلاف المعلومات بهذه الصورة، إلا إذا كان في ص 46 من برقة المهدأة النصف الثاني من المعلومة وفي برقة الهادئة ص 64 نصفها الأول.

الملك إدريس عاهل ليبيا حياته وعصره

    وفيما يخص المعلومة الثالثة المتعلقة بنهاية الحسن الرضا لا تفاصيل، واكتفى المؤلف الذي يعتمد كثيرا على روايات الملك إدريس ومحمد الرضا، اكتفى بالإشارة إلى صغر سن الحسن وقلة خبرته(7 ، ص 54).

معلومات أخرى :

    جاء في استقالة الملك الأخيرة المؤرخة في 4/8/1969 أن ولي العهد الثاني الحسن الرضا يبلغ بتاريخها من العمر 43 عاما بالتقويم القمري، أي أنه من مواليد 1926 تقريبا(7 ، ص 165).

    عمر هذا الحسن عام 1929 الذي ظهر فيه دور الدقيق كان عامين تقريبا وعليه فهو ليس الحسن صاحب دور الدقيق، بالإضافة إلى الاختلاف في تاريخ الوفاة. 

    من الملاحظ على السنوسية ولعهم بالأسماء المركبة على غير عادة البراوقة حيث يضعون (محمد) مع معظم الأسماء : محمد المهدي ، محمد الرضا ، محمد إدريس ... الخ، وليس هذا في أسماء الذكور فحسب بل حتى في أسماء الإناث : بنات أحمد الشريف الثلاث حملن في أسمائهن كلهن (فاطمة) وهن : فاطمة الكبيرة ، فاطمة الجغبوبية ، فاطمة الشفاء، ولعلهم كرروا الاسم الحسن مثلما كرروا فاطمة ومحمدا، ويبدو أن هذا التكرار وقع في أسماء أبناء محمد الرضا، بحيث وجد الحسن دور الدقيق والحسن ولي العهد الثاني.

صفحات مطوية من تاريخ ليبيا السياسي

    جاء بهذا المرجع رسم لشجرة العائلة تحت العنوان : (أهم فروع العائلة السنوسية) بالملاحق والصفحات غير المرقمة، ومنه أن الحسن ولي العهد الثاني من مواليد 1928 ووفاته 1992، وأن لمحمد الرضا ولي العهد الأول ثلاثة أبناء آخرين بالإضافة إلى الحسن (ولي العهد الثاني) وهم :

الصديق (1908 ــ 1960)

الحصن (1901 ــ 1938)

مصطفى (؟؟    ــ      ؟؟)(8 ، ص بدون رقم).

     فهل الحصن هو الحسن دور الدقيق؟ فلماذا اختلف الاسم وتاريخ الوفاة؟.

تصحيح الذاكرة الليبية

     هذا عنوان رسالة من مجلة المنار التي يصدرها محمد الحسن الرضا الذي يوصف حاليا بالوريث الشرعي والذي يعتبر الحسن دور الدقيق عمه (أخو أبيه مباشرة)، والرسالة موجهة إلى موقع ليبيا المستقبل عام 2006، وفيها تصحيح لبعض المعلومات المتعلقة بأسرة محمد الرضا المهدي السنوسي ولي العهد الأول، وقد جاء في التصحيح ما يلي :

   ابناء الامير محمد الرضا السنوسى رحمه الله هم بالترتيب :

1 ــ السيد محمد الصديق الرضا السنوسى رحمه الله (1907م – 1962م).

2 ــ السيد الحسن الرضا السنوسى (الكبير) رحمه الله (1911م – 1928م).

3 ــ السيد السنوسى الرضا السنوسى رحمه الله (1915م – 1984م).

4 ــ السيد مصطفى الرضا السنوسى رحمه الله (1923م – 2002م).

5 ــ السيد الامير الحسن الرضا السنوسى (الصغير) رحمه الله (1928م – 1992م) ولى عهد المملكة الليبية(9 ، ص ...).

    هذا التصحيح  زادنا إرباكا على إرباك، ويلاحظ عليه الآتي :

1 ــ صدق توقعاتنا في وجود أسماء مكررة في أسرة محمد الرضا، فها هنا يوجد حسنان يلقب أحدهما بالكبير والآخر بالصغير.

2 ــ لا وجود لأحد من الأبناء يحمل اسم الحصن كما ذكر مصطفى بن حليم في (صفحات مطوية).

3 ــ والأهم والمربك أن الحسن الكبير والمفترض بأنه هو الحسن دور الدقيق توفي حسب هذه الرسالة عام 1928 أي قبل عام 1929 العام الذي ولد فيه ذلك الدور، وقد عبر صاحب الموقع عن شكره وامتنانه لهذا (التصحيح) والتزم بما جاء فيه!!.

     تاريخ وفاة الحسن الذي ارتبط بدور الدقيق هنا وهو تاريخ يسبق تاريخ هذا الدور قد يستغل مستقبلا ممن يدعو لإعادة كتابة التاريخ، وقد يعتمد على هذا التضارب إذا كان متشيعا للسنوسية ومولعا بتلميعها لينفي وجود ما يسمى بدور الدقيق أصلا لتضارب تاريخه مع تاريخ وفاة بطله، خاصة وأن المعلومة صادرة من شخص يتوقع منه المعلومة الموثوقة لصلة القرابة، وبالمناسبة فهذه الواقعة ذات مغزى وعبرة لكل اللاهجين بضرورة إعادة كتابة التاريخ دون روية.

    فما الحل لهذا اللغز السنوسي بامتياز؟ وهل يعقل أن يجهل الوريث الشرعي المزعوم أبسط المعلومات عن أقرب الناس إليه؟ ومن يكون الحسن دور الدقيق؟ وإذا كان قد مات في فلورنسا فهل أعيدت رفاته؟ وأين دفنت؟ ومتى؟ حيث لا ذكر في المراجع لذلك، وإذا دفن بفلورنسا فأين قبره؟ وإذا توفي ببرقة فأين قبره؟ خاصة وأن السنوسيين معروفون بالعناية بالقبور والأضرحة وتقديسها؟ وكيف يمكن التوفيق بين المراجع السابقة أولا والتوفيق ثانيا بينها وبين المعلومات التي جاءت برسالة المجلة التي يصدرها شخص قريب جدا من بطل هذا اللغز؟ وهل هذا الغموض حول نهاية الحسن دور الدقيق متعمد؟ ولماذا؟.

تاريخ نشر الصيغة الأولى 26/8/2022

10/5/2023 :

    بعد نشر هذا المقال على صفحتي بالفيس بوك بتاريخ 6/9/2022 جاء التعليق التالي من الباحث في السنوسية الأستاذ : يوسف عبد الهادي الحبوش، ووجه كلامه إلى الصديق (عبد القادر بو هدمة) الذي يبدو قد اطلع على المقال على صفحتي ونبه الأستاذ يوسف بطريقة أو أخرى إليه، وقد رددت على الأستاذ يوسف بتساؤل فلم يرد علي :

يوسف عبد الهادي  · 

متابعة

المسألة ليس فيها لغزا ولا لبسا.

وكل ما ورد في مجلة المنار صحيح.

للمرحوم السيد الرضا حسنان وهما:

الحسن الكبير المعروف في أدوار الجهاد.

والحسن الصغير الذي وُلد بينما ابوه الرضا في المنفى فسُمي بـ(الحصن) تفاؤلا بنجاة والده. فلما نُفي الحسن الاول ومات في ايطاليا عُدِل اسم الثاني لـ(الحسن) على اسم اخيه المتوفي, واختفى اسمه الاول تلقائيًا.

هذه هي المسألة.

الغريب أن شرح القصة معروف موجود عند الاشهب.

هذا الرد لأجلك سيد Abdelkader Buhidma.

عبدالله هارون عبدالله

يوسف عبد الهادي  شكرا أستاذ يوسف ولكن ما تفسير ما جاء في رسالة المنار من أن تاريخ وفاة الحسن الكبير كان 1928 أي قبل ما يعرف بدور الدقيق؟ وأين دفن الحسن الكبير؟

    والأستاذ يوسف يؤكد في رده هذا على وفاة الحسن بإيطاليا، وهذا غريب، حيث أصدرت إيطاليا عفوا عاما سنة 1932م(10 ، ص 109)، وعاد بمقتضاه المهاجرون والمنفيون، إلا من فضل عدم العودة مختارا؛ فلماذا لم يعد الحسن وظل بإيطاليا حتى وفاته عام 1936 حسب محمد فؤاد شكري؟ هذا إن كانت معلومة وفاته بإيطاليا عام 1936 صحيحة؛ ثم أن الحسن ليس مواطنا برقاويا عاديا لكي لا يسأل عنه من قبل السنوسية؛ فقد نفت إيطاليا إلى الجزر الإيطالية الآلاف من برقة، وقد زار الأمير إدريس السنوسي إيطاليا في النصف الثاني من نوفمبر 1920م(5 ، ص 167)؛ وبقي بها أكثر من أربعين يوما(1 ، ص 323)، فيما كان أؤلئك المنفيون يعانون على مقربة منه، ولكنه لم يسأل عنهم، وكذلك زار ولي عهد الإمارة : محمد الرضا إيطاليا في يناير 1919م(5 ، ص 124) ولم يكلف نفسه عناء السؤال عن أولئك التعساء أو زيارتهم؛ أما الحسن فهو ليس مثل أولئك المنفيين؛ فهو سنوسي من الأشراف وليس من أولئك المطعون في شرفهم!!؛ هو ابن ولي عهد الإمارة محمد الرضا، الذي كان ببنغازي مع الطليان صديقا مخلصا حينما نفي ابنه، فكيف لم يتساءل عن مصيره بعد صدور العفو العام؟ وهو أي الحسن ابن أخي الأمير الموجود حينها بمصر ويحظى بصداقة الملك فؤاد الأول؛ وهذا الأخير تربطه علاقة خاصة مع إيطاليا، فلماذا لم يسع الأمير لديه ليسعى لدي السلطات الإيطالية لإعادة ابن أخيه بعد صدور العفو العام؟ هل فضل الحسن البقاء بالمنفى مختارا؟!!!، ولماذا لم يسع الاثنان : الملك إدريس وأخوه محمد الرضا ولي عهد المملكة لإعادة رفاته بعد عام 1951م؟. غموض السنوسية كالعادة غموض صوفي لا حدود له.

................................................................................................

     للتهميش، اخترت طريقة سهلة وتقلل من حجم النص كما أراها، وقد وجدت مثالا عليها في كتاب نيكولاي بروشين : (تاريخ ليبيا من نهاية القرن التاسع عشر حتى عام 1969) ترجمة عماد حاتم منشورات مركز دراسة جهاد الليبيين ضد الغزو الإيطالي، ط؟، 1988؛ فقد استخدم على سبيل المثال (20 ، ص 91)، فالرقم الأول (20) يشير إلى رقم المرجع في قائمة المراجع؛ أما بخصوص الروابط فقد أشرت إليها هكذا : (8 ، ص ...) على سبيل المثال.

قائمة المراجع :

 (1) محمد فؤاد شكري، السنوسية دين ودولة، مراجعة يوسف المجريسي، الطبعة الأولى (المحققة) 1426 هـ ــ 2005م، منشورات مركز الدراسات الليبية ــ أكسفورد، نشر هذا الكتاب أول مرة نهاية أربعينيات القرن الماضي.

(2) د. علي الصلابي، تاريخ السنوسية في أفريقيا القسم الأول، الطبعة : الخامسة 2011، منشورات دار المعرفة.

(3) محمد الطيب بن إدريس الأشهب الحميدي السقفي، عمر المختار pdf، طبع بعناية مكتبة القاهرة على نفقة السيد عبد الله بن عابد السنوسي عام 1958.

(4) عمر المختار نشأته وجهاده من 1863 إلى 1931 دراسات في حركة الجهاد الليبي، أعمال الندوة العلمية التي عقدها مركز دراسات جهاد الليبيين ضد الغزو الإيطالي، بمناسبة الذكرى الخمسين لاستشهاد عمر المختار، إشراف الدكتور عقيل محمد البربار، سنة النشر 1981، منشورات مركز دراسات جهاد الليبيين ضد الغزو الإيطالي.

 (5) يوسف عبد الهادي الحبوش، عمر المختار : الحقيقة المغيبة، الطبعة الأولى 1438 هـ ــ 2017م، منشورات مكتبة وهبة ــ القاهرة.

 (6) الجنرال رودلفو غراسياني، برقة الهادئة  pdf، ترجمة إبراهيم سالم بن عامر، الطبعة الثالثة يناير 1980

منشورات دار مكتبة الأندلس للطباعة والنشر ــ بنغازي.

(7) إيريك آرمار فولي دي كاندول، الملك إدريس عاهل ليبيا حياته وعصره pdf، ترجمة ؟؟؟، الطبعة الثانية، منشستر 1990، الناشر محمد عبده بن غلبون. 

 (8) صفحات مطوية من تاريخ ليبيا السياسي : مذكرات رئيس وزراء ليبيا الأسبق مصطفى أحمد بن حليم، الطبعة الأولى  في بريطانيا العظمى 1992.

(9) تصحيح الذاكرة (رسالة مجلة المنار إلى موقع ليبيا المستقبل بتاريخ 8/2/2006 على الرابط :

https://archive.libya-al-mostakbal.org/HeshamTajouri/almanar080206.htm

(10) السنوسية من الزاوية إلى الدولة، (1841 ــ 1969)، أعمال الندوة العلمية الثانية المنعقدة بالجغبوب يومي 23 ــ 24 ديسمبر 2019م، منشورات جامعة طبرق، ط2، 2022م.

.................................................................................................................

نشرت الصيغة الأولى من هذا المقال على هذه المدونة بتاريخ 9/9/2022

على هذا الرابط :

http://abdullahharunabdullah.blogspot.com/2022/09/1.html

 

ونشر على صفحتي بالفيس بالنص بتاريخ 6/9/2022

على الرابط :

https://www.facebook.com/abdhaabd/posts/pfbid0CahFTNteGoU6eHrr7PafADGBbYYWfFzWijMitHiCGQ9sHLBLyps3j8aZEw4eohrdl?__cft__[0]=AZXvgQnXNLUj0A6TjLHYqYNR34C39UeUU-Rq-5h5U_CU9MXtVzevxch5e8n0oX9LAILG7p-ZN_SmhIHWt5tk662go3gMuJnpXEu5sZtPHj60wjMgQzdC6ri3g1J8bEKWmqmfTd4rVn0XytN373yp7qNiEoQWhjS53Gax1MzmjkNdcw&__tn__=%2CO%2CP-R


نشر الصيغة الثانية المعدلة على المدونة بتاريخ 2/6/2023 مكان الصيغة الأولى هذه المدونة

وعلى نفس الرابط :

http://abdullahharunabdullah.blogspot.com/2022/09/1.html

 

 


محتويات المدونة (الفهرس)

 بدون ترقيم ولكن ترتيبه في النشر يأتي بعد المقال رقم 42 محتويات المدونة (الفهرس)      ملاحظة : تاريخيا من الأقدم إلى الأحدث أنشأت ثلاث م...