ألغاز
السنوسية
(2)
لغز
المهدي السنوسي المنتظر؟
السنوسية وتكتيك تعدد الخطاب
تعتمد
السنوسية على ما يمكن تسميته بتكتيك تعدد الخطاب : فهي صوفية وليست بصوفية وهي
سنية وتشترك مع الشيعة والصوفية (كلتاهما أو إحداهما) في تقديس آل البيت وتقديس
الأضرحة والمقامات وحب السواد.
من هذه
المشتركات مع الشيعة أيضا الإيمان ومن ثم الترويج للمهدي المنتظر لا كما يؤمن به
أهل السنة مهدي جديد لم يسبق له الظهور والاحتجاب، بل
كما يؤمن به الشيعة مهدي محدد الجينات قد ظهر من قبل : (محمد الحسن العسكري بالنسبة للشيعة)(*) الذي ولد
وظهر للخاصة والمقربين ثم احتجب وغاب الغيبة الصغرى ثم الغيبة الكبرى، كما يقولون
انتظارا للحظة ما ليخف لنجدة شيعته وأحبائه والقضاء على السفياني المنحدر من هند
بنت أبي عتبة آكلة الأكباد وزوجها أبي سفيان؛ هذا عن مهدي الشيعة المنتظر وهو محمد
الحسن العسكري، فمن هو مهدي السنوسية الذي ينتظر ظهوره؟ إنه محمد المهدي بن
محمد بن علي السنوسي (1844 ــ 1902).
وعلى ذكر تكتيك تعدد الخطاب فلعله من المفيد وللتوضيح سرد أطرف استخدام له وكان ذلك في القرن الماضي على يد طبيب نسائي قبل التوصل إلى وسائل معرفة جنس الجنين، كان يقول لزبونته أن جنس الجنين ذكر مثلا ويسجل في ملفها الذي يحتفظ به أن الجنين أنثى، وعند الوضع إذا كان المولود ذكرا ازدادت شهرته وصدق الناس مقدرته على معرفة جنس الجنين وإذا كان العكس وأغضب ذلك الزبونة وشككت في مقدرته دعاها لتراجع معه ما سجل بالملف الخاص بها، فتجد أن جنس الجنين أنثى، ويتهم الزبونة في سمعها وانتباهها، وهكذا يحقق ما يصبو إليه إن أصاب أو أخطأ، لكن المأزق حينما يكون المولود خنثى، أي حينما يجتمع النقيضان، أي لحظة اكتشاف تناقض الخطاب أو خنوثته، والمأزق أيضا حينما تضع زبونته توأما.
إنكار انشغال السنوسية بالمهدوية والرد عليه
نشرت الصيغة الأولى من هذا المقال على صفحتي
بالفيس بتاريخ 10/9/2022، وقد أنكر بعض القراء وجود اعتقاد مسبق لدى السنوسيين
واتباعهم بمهدية محمد المهدي السنوسي، وظن أن إنكار موته ردة فعل مثلما فعل عمر بن
الخطاب رضي الله عنه عندما أخبر بموت الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فهي ردة فعل مؤقتة مرتبطة بحادثة
الوفاة ولا مقدمات أو إرهاصات تمهد لها.
وبعد نشر المقال بفترة تيسر لي الاطلاع على مراجع سنوسية على درجة كبيرة من الأهمية تؤكد على ما ذهبت إليه في الصيغة الأولى من هذا المقال، فرأيت إعادة صياغة هذا المقال بالاستفادة بما جد لدي من معلومات، بما يؤكد انشغال السنوسية بهذا الموضوع أو القضية، وإعادة نشره لإلقاء مزيد من الضوء على السنوسية، وما كانت تروجه، وتأثير ذلك على خلق نمط معين من التفكير لدى الناس مازال ممتدا حتى يومنا هذا.
أدلة تؤكد انشغال السنوسية بالمهدوية
من المراجع التي استفدت منها تحت هذا العنوان
(الدر الفريد الوهاج بالرحلة المنيرة من الجغبوب إلى التاج) للسيد أحمد الشريف
السنوسي، مخطوط، حققه أ.د. عبد المولى الحرير، ثم حققه د. أحمد محمد جاد الله ود.
عبد الغني عبد الله محمود؛ وثمة بعض الاختلافات بين التحقيقين تجعل من النص المحقق
مرجعين لا مرجعا واحدا.
في (الدر الفريد الوهاج) تحقيق عبد المولى الحرير
استغرق أحمد الشريف (23) صفحة وذلك في سرد مرويات من كتب الحديث ومما رآه من يسمون
بـ (أهل الكشف) في مناماتهم أو حتى في يقظتهم من مشاهدات كما يزعمون تتحدث عن
المهدي في بعضها بصمات شيعية وربما بهائية؛ (2 ، ص من 194 إلى 216).
من الجدير بالذكر أن المحققين جاد الله وعبد
الغني تجاهلا هذا الجزء على أهميته، وتوقفا قبله بالرغم بأنهما قد اطلعا على عدد
من نسخ المخطوط أكثر من عدد النسخ التي اطلع عليها الحرير كما يقولان (3 ، ص 21 ، 142).
مما رواه أحمد الشريف حسب عبد
المولى الحرير :
«وأخرج الحافظ أبو نعيم عن ثوبان رضي الله عنه قال قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا رأيتم الرايات السود قد أقبلت من خرسان فأتوها
ولو حبوا على الثلج فإن فيها خليفة الله المهدي»(2 ، ص 213 ، 214).
ولا تخفى
البصمة الشيعية أو الفارسية في هذا الحديث.
«وقد نظم سيدي محي الدين بن العربي أربعة أبيات على ولادته فقال آخر ملوك آل عثمان الملك المؤيد سلطاننا
عبد الحميد بأمر الله ينزل
العين ويظهر الميم من الميم في عصر العين والباء والميم إذا أراد حكم الزمان يطيب لنجله على عدد
حروف بسم الله الرحمن الرحيم عدد حروف البسملة تسعة عشر فيحصل جملة العدد سنة خمس وخمسين ومائتين
وألف وتأخرتا عن هذا العدد ولادة سيدنا أو أستاذنا السيد محمد المهدي بخمس سنين
وذلك عام توجه الأستاذ رضي الله عنه من المشرق إلى المغرب الذي خطب فيه والدته رضي
الله عنها وهذا
الحساب قريب جدا لولادته رضي الله عنه وسيدنا المهدي هذا هو الذي رجاء الإسلام في
الإسلام وفيه»(2 ، ص 202).
يلاحظ
الاعتماد على الطلاسم وما يسمى بالجفر وحساب الجمل على عادة المشعوذين؛ ومن المعروف أن العدد (19) له
قدسية عظيمة عند البهائيين وربما تسربت هذه القدسية من عقائد فارسية قديمة، حيث أن
مؤسسي البهائية هم من الفرس.
من هذه
الطلاسم القول بأن علامة مولد محمد بن علي السنوسي (غرب) وحساب الجمل لهذه الكلمة
يساوي 1202، وتوظيف هذا الرقم في توقع التاريخ الذي يظهر به المهدي أو يولد به
ليكون على مقاس محمد المهدي السنوسي (2 ، ص 201).
وكدليل على حقيقة انشغال السنوسية بمهدوية
محمد المهدي فهذه مجموعة اقتباسات من الدر الفريد بالتحقيقين :
يصل الأمر
بالسيد أحمد الشريف إلى التصريح بمهدية محمد المهدي السنوسي، على لسان أحد
الإخوان، وهو محمد عبد الله السني، والذي يروي ما يرويه بحضور المهدي :
«وحكى سيدي محمد السني عن الشيخ محمد البغدادي
الواسطي الشريف(**) في شوال سنة 1312 هـ ألف
وثلاثمائة واثنا عشر بمدينة طرابلس أنه رأى في المنام شخصا مديد القامة من أكابر
الصالحين أهل الكشف
والناس محدقون به يسألونه عن أشياء وهو يخبرهم قال فجئت لأسمع وانظر قال فسأله شخص
: هل السنوسية على الحق؟
فقال بكلام قوي أي على الحق فقال : ويقال المهدي منهم؟ فقال له : منهم فقال : هل خرج؟ فقال : نعم خرج
فقال له : وأذن له أهل الله؟ فقال : أذنوا له فقال : وأنت أذنت له؟ فقال : نعم
أذنت له؛ إلى هنا تمام ما حكاه لنا غفر الله له»(2 ، ص 95) ، (3 ، ص 252 ، 253).
أول ما يلاحظ على هذه الواقعة أن محمد
المهدي كان حاضرا ولم يسجل أحمد الشريف أنه غضب، كما يزعم يوسف الحبوش في اقتباسات
لاحقة تحت العنوان التالي.
ومعلوم أن الرؤية (المنام) من مصادر المعرفة عند الصوفية والسنوسية منهم؛
بل إنهم ليدعون أنهم يرون النبي صلى الله عليه وسلم في اليقظة (4 ، ص 30 ، 32)، ويروون عنه
روايات يزعمون بأنهم تلقوها عنه في اليقظة (1 ، ص 37)، كما أنهم يروون عن الخضر عليه السلام أيضا
(1 ، ص 71).
وهناك إشارات يرويها أحمد
الشريف عن محمد بن علي السنوسي على علاقة بمحمد المهدي :
«وكتب لسيدي عمران بتسميته
السيد محمد المهدي، وبعد مدة أرسل الأستاذ رضي الله عنه بالقدوم بها الى درنة
وتسليم السيد محمد المهدي رضي الله عنه للمرضعة، وهي خضرة زوجة الحاج حسين الشريف،
وكان ازدياده رضي الله عنه في ذي القعدة الحرام سنة ستين بعد المائتين والألف في
الجبل الأخضر بمحل يقال له ماسة وقبل ولادته ظهر في السماء بياض على هيئة السيف عند غروب الشمس
واستمر ذلك بعد الازدياد بمدة طويلة وتلك إشارة إلاهية بأنه رضي الله عنه هو صاحب
السيف»(2 ، ص 136) ، (3 ، ص 339).
وللتأكيد على انشغال السنوسية
بمهدوية محمد المهدي السنوسي ما جاء في (الدر الفريد) بالتحقيقين :
«فلما وصلا الحلولي أتاهما رجل أعمى وجلس بينهما ووضع كل يد على واحد، قال :
أهلا وسهلا بجماعة الشيخ السنوسي، وقال : هذا من المغرب وهذا من المشرق، وكان هناك أناس يتكلمون على الإمام، فمنهم من
يقول : الإمام يخرج آخر الزمان، ومنهم من يقول : ولا مهدي إلا عيسى، فأجابهم الأعمى بقوله : والله أن المهدي موجود
الآن، حفظ القرآن وحط اللوح في هذه السنة. قال هذا الكلام وقام ومشى. فلما
أتوا الجغبوب سألهم الأستاذ عن القصة فوجدهم قد نسوها حتى وضحها لهم، فتفكروها
فقالوا : نعم يا سيدي، صحيح، قال لهم : اخبروا بذلك أخانا عبد العالي فأخبروه بحضرة الأستاذ رضي الله عنه.
وسألت جدتنا الأستاذ رضي الله عنه قالت : لأي شيء سميته المهدي قال : نرجو الله أن
يكون هو الإمام المنتظر»(2 ، ص 155 ، 156) ، (3
، ص 368 ، 369).
«وحكى سيدي محمد عبد
الله السماح المجاهد قال : لما كنت بالمدينة ذات يوم عند الواجهة الشريفة سمعت خطابا
من الروضة الشريفة منه صلى الله عليه وسلم وهو يقول : يا ابن عبد الله، امش للمهدي،
يا ابن عبد الله، المجاور للجغبوب كالمجاور في المدينة، يا ابن عبد الله، المجاور
للمهدي كالمجاور في المدينة، يا ابن عبد الله المهدي أزيد من ابن السنوسي بسبعين
درجة»(2 ، ص 161 ، 162) ، (3 ، ص 377).
ومن الجزء الذي انفرد به الحرير وتجاهله
جاد الله وعبد الغني :
«وسئل الأستاذ الجد رضي الله عنه عن تسميته
المهدي، قال : رجوت أن يكون هو المهدي المنتظر؛ وكان رضي الله عنه جالسا ذات يوم
مع عثمان المرغني فحلف [أي
المرغني] له بالطلاق بأن السيد أحمد بن إدريس هو
الإمام؛ فنها الأستاذ الجد عن الخوض في ذلك، فتغير المرغني لهذا النهي؛
فقال رضي الله عنه : الآن يمشي إلى سيدنا أحمد ويكدر خاطره علي، فأسرع بالمشي إلى
سيدي أحمد قبل أن يسبقنا المرغني، فنحكي له ما جرى؛ فقال سيدي أحمد رضي الله عنه
الإمام اسمه محمد وأنا اسمي الإمام أحمد والإمام المهدي صغير السن وأنا اليوم
جاوزت التسعين ولكن هو من
جماعتنا، فقال له الأستاذ الجد : الاخوان يقولون : يرجع شابا بعد أن كان
شيخا ويرجع شابا بعد أن كان صبيا فقال سيدي أحمد لا يرجع أبدا لا من الصبا ولا من
الشيخوخة»(2 ، ص 195 ، 196).
«وروي عن سيدي محمد الشمو أيضا انه قال سيدي أحمد بن إدريس :
لو يعلم الناس السر الذي في أخينا محمد بن السنوسي لتضاربوا عند بابه بالسيوف من
أجل المزاحمة في الدخول؛ ثم قال : السر الذي يعنيه سيدي أحمد هو السيد محمد
المهدي؛ وقال الأستاذ رضي الله عنه : طلع الصباح وانطفأ المصباح»(2 ، ص 196).
«وحكي
عن الشيخ علي الليثي أنه كان لبعض الأيام عند سيدنا رضي الله عنه هو والشيخ علي بن
عبد الحق، فقال، يعني الشيخ علي بن عبد الحق للأستاذ : أرى وجهك متغيرا الفلك ما
نخسر شيء، فقال رضي الله عنه : عرض علي النبي صلى الله عليه وسلم البارحة
المهدوية، فقلت له : يا رسول الله لا أقدر عليها، بطني كبيرة وكبير السن، وتشفعت بسيدتنا فاطمة رضي
الله عنها، فقال له [لي] صلى الله عليه وسلم : تكون في نجلك محمد»(2 ، ص 199 ، 200).
ما بين [ ] ليس بالأصل وهو الأنسب بدلا من (له).
المهدي السنوسي المنتظر بحسب ما روجته السنوسية
من يوسف
عبد الهادي الحبوش (عمر المختار : الحقيقة المغيبة) نقلا عن برقة المهدأة ص 274، 294 جاء في كلام غراتسياني بعد
احتلال الكفرة واصفا حال المجاهدين في الجبل بعد علمهم
باحتلال الكفرة التي يصفها غراتساني ساخرا بالواحة المقدسة :
«ظلوا متحجرين طبقا لأسطورة قديمة، وأن
المهدي السنوسي المدفون في زاوية التاج سرعان ما سوف يبعث ليزحف من الصحراء ويخف
لنجدة المقاتلين بالجبل بجيش عرمرم»(7 ، ص 431 ، 432)، ويضيف الأستاذ
يوسف معلقا في الهامش على كلام غراتسياني قائلا :
«يغمز غراتسياني هنا إلى الاعتقاد الجازم لدى عمر المختار
وكثير من أهالي برقة السنوسيين بفكرة عدم موت شيخهم المهدي السنوسي بعد، واعتقادهم بمهديته، وبمقولة مشهورة وردت عن الإمام محمد بن علي
السنوسي تتلخص في أن أهل الجبل الأخضر الليبي سيكونون من أقوى أنصار هذا المهدي، الذي سيعود للظهور للعيان من جديد، حسب الرواية،
بعد غيبة تعادل تقريبا ضعف عمره الذي عاشه قبل أن يحتجب،
وسيكون هذا الظهور عقب مرور شهرين على احتلال أوروبي (فرنسي إنجليزي) جديد، يأتي بعد الاحتلال النابلتاني، وسيقتسم على أثره الفرنسيون والإنجليز ليبيا
وشمال أفريقيا، ويكون فيه الحد الفاصل
بينهما (مقطع الكبريت) بالعقيلة، وعلامات
أخرى عديدة يذكرونها تدل على اقتراب موعد ظهوره.
ولكن
من الجدير بالذكر أن السيد المهدي السنوسي لم يدع (المهدية) في حياته على الإطلاق،
كما انه لم يسمح لأحد من اتباعه بأن يشيعها أو أن يدعيها له بحضوره، وأنه كان يغضب بشدة إذا تناهى إلى سمعه مثل هذا القول، إلا أن كثيرا من السنوسيين على الرغم من ذلك
يقولون بمهديته، وعلى رأسهم والده الإمام
المؤسس السنوسي الكبير، وحفيده السيد أحمد الشريف.
ومما
يجدر ذكره ــ أيضا ــ أن السنوسيين لا يلزمون اتباعهم ومنتسبيهم بتصديق فكرة مهدية
المهدي السنوسي أو اعتقادها ولا بالقول بها،
وهم لا يؤسسون طريقتهم الإصلاحية على هذا القول، ولا يعدونه عقيدة فيها، كما يفعل الشيعة مثلا، ويحسمون الجدل حين يثار هذا الموضوع بأن قبره
هو الموجود بالكفرة . وباختصار فأن الأمر عندهم لا يعدو كونه مسألة ميتافيزيقية
غيبية تندرج ضمن خوارق ستكون بين يدي الساعة معني بها من يعايشها، شأنها في ذلك شأن غيبة المسيح ابن مريم وعودته، وغيرها من العلامات التي يصدقها ويقول بها معظم
المسلمين»(7 ، ص 431 ، 432).
أولا : نقد ما جاء في هذا الاقتباس :
1 ــ القول بأن
المهدي لم يسمح لأحد من اتباعه بأن يشيع مهدويته أو أن يدعيها له بحضوره ليس دقيقا
كما مر بنا في اقتباس من (الدر الفريد الوهاج) بالتحقيقين تحت العنوان السابق(2 ، ص 87 ، 95) ، (3 ، ص 242 ، 253) وهل يعقل أن
يدون أحمد الشريف ما يغضب عمه الذي يجله حد التقديس؟
2 ــ القول بأن
قبره هو الموجود بالكفرة؛ إذا قصد السنوسيون به تأكيد الموت واستحالة عودة المهدي
إلى الحياة فهذا لعب بعقول الناس حينما يروجون بالموازاة معه القول بحتمية عودة
المهدي، هل هو تكتيك تعدد الخطاب : أن تقول الشيء وتقول عكسه؟ هنا تختلف السنوسية
عن الشيعة؛ حيث أن مهدي الشيعة المنتظر لم يوجد له قبر ولم يقل أحد من الشيعة
بموته، بل باحتجابه فحسب.
3 ــ يعترف يوسف
الحبوش بأن السنوسيين يرون في المهدي السنوسي مهديا منتظرا ويرون مجيئه علامة من
علامات الساعة مثله في ذلك مثل ظهور المسيح.
ثانيا : وفقا لنبوءة محمد بن علي السنوسي بعودة المهدي
فإن لها علامات منها :
1 ــ تكون بعد
غيبة تعادل تقريبا ضعف عمره، وبما أنه كان يبلغ من العمر الـ (58) عاما حين وفاته
عام 1902 فإن عودته متوقعة عام 2018 تقريبا.
2 ــ تكون عقب
مرور شهرين على احتلال أوروبي (فرنسي إنجليزي) جديد، سيقتسم على أثره الفرنسيون والإنجليز ليبيا
وشمال أفريقيا، ويكون فيه الحد الفاصل
بينهما (مقطع الكبريت) بالعقيلة.
3 ــ ويكون ذلك بعد احتلال نابلتاني أي إيطالي، فهل من هذه العلامات ما ينطبق على هذه اللحظة؟
المهدي السنوسي المنتظر في المخيال الشعبي
من
الكتاب : (الملك إدريس عاهل ليبيا حياته وعصره)، ومعظم ما جاء في هذا الكتاب
مروي عن الملك إدريس وولي عهده الأول محمد الرضا.
يروي
الملك إدريس لكاندول رحلته حينما كان صبيا مع والده المهدي من الكفرة إلى قورو في
تشاد : «وكانت
قورو بقعة منعزلة في واد ينحدر من جبل ايمي كوسى الضخم . وسكانها سمر البشرة يعرفون
بالتبو، وقد رحبوا بمجيئنا»، ولكن «السنوسيين لم يستطيعوا التعود على
طبيعة تلك الأرض الجبلية الوعرة وجوها المتقلب الكثير العواصف والغيوم المفاجئة،
وهو شديد الاختلاف عن جو الصحراء الجاف. ثم أصيب والدي بحمى مفاجئة
لم تمهله طويلا فتوفي في أوائل صيف عام 1320 هـ (الموافق أول يونيه
1902م). وكانت وفاته صدمة كبيرة لنا، وبعدها قرر كبار الجماعة أن نحمل
جثمانه ونعود به إلى الكفرة. وهكذا كان»(5 ، ص 12).
ويضيف
دي كاندول قائلا :
«وكانت وفاة السيد المهدي المبكرة
صدمة عنيفة لأتباعه ومصابا فادحاً ألم بالحركة السنوسية عموماً. وسرعان
ما ذاع الخبر المفاجئ في أرجاء البلاد عبر الصحارى، فكان له وقع الصاعقة
على كثير من الناس حتى أنهم رفضوا التصديق بأنه مات حقا»(5 ، ص 12).
ويضيف
الناشر أو المترجم في هامش ص 12 تعليقا على كلام دي كاندول وتأكيدا عليه : رفض أحد الشعراء خبر الوفاة في
قصيدة شعبية مطلعها :
سيدي
مول السر مصفّى ** غير
تخفّى ** يكذب هللي قال توفّى(5 ، ص 12).
إلى هنا ينتهي الاقتباس من كتاب دي كاندول، أما (السر) في البيت فالمقصود به الأصل، النسب.
واستجابة
من المخيال الشعبي المصدق للنبوءات الخاصة بالمهدي فقد تكرر القول بظهوره بعد
وفاته، فقد ادعى أحد الدراويش أنه التقى منذ قليل بالمهدي، فسأله الناس عن الاتجاه
الذي انطلق نحوه، فأشار الدرويش إلى إحدى الجهات، بحث الناس عن المهدي في ذلك
الاتجاه وحينما يئسوا عادوا إلى الدرويش وسألوه : ماذا قال لك؟، قال الدرويش : لقد
قال:
لمقاط
بادن ولحبال تقوّن ** ولذياب تابن والبراشن عوّن.
لمقاط (الأمقاط) = جمع مقط وهو الحبل
الغليظ، على الأرجح ، البراشن = الخراف الصغيرة.
في
حادثة أخرى زعم أحد الرعاة بأنه بينما كان عائدا بقطيعه بعد غروب الشمس رأى سيده
المهدي بطرف القطيع، انتشر الخبر فأعلن عن إقامة الولائم في الزوايا فرحة بهذا
الظهور، وكانت الوليمة (الغداء) بزاوية عين مارة
كسكسو، وفي خضم الفرحة ارتفع منسوب الأدرينالين وهوس الاستعراض في الميز وتجرأ أحد
الفرسان على مضايقة إحدى النساء وكاد أن يصدم بجواده الطنجرة الفخارية (البرمة)
التي كانت تطهو بها الكسكسو، فهب رجل من شيعتها لنجدتها ونهر الفارس وتطور الأمر
إلى اشتباك عنيف استمر إلى وقت الغروب بين جماعتين من الجمهور المحتفل وسمي ذلك بـ
(حس الكسكسو) والحس تعني المعركة، أما الكسكسو فقد شغل عنه الناس بحسه!!.
ومن
علامات تصديق الأساطير ما رواه الأستاذ سالم الكبتي عرضا : يقول سالم الكبتي
متحدثا عن اجتماع الجمعية الوطنية لإقرار الدستور في 7/10/1951 : «وتزامن ذلك مع إحضار جثمان السيد
المهدي السنوسي والد الملك إدريس لدفنه في بنغازي، وظل مدة شهرين في
جامع قمينس ثم أعيد إلى الكفرة، مثواه السابق، وارتبط بهبوب رياح قوية مع غبار
وأتربة وتعارف عليه شعبيا بـ(عجاج سيدي المهدي)»(6 ، ص 45).
هذه الحادثة التي يرويها سالم الكبتي لغز آخر من ألغاز
السنوسية، فلماذا جلب الجثمان؟ ولماذا بقي هذه المدة بالجامع؟ ولماذا أعيد؟ وهل فسر العجاج بغضب المهدي من جلب جثمانه؟
أم من إعادته؟ وما ذنب أهل برقة المساكين حتى تعاقبهم السنوسية بعجاجها؟!!.
وقد تعرض قبر المهدي السنوسي بزاوية التاج لعدة محاولات نبش في الأعوام : 2009، 2012، 2014 ويبدو بأنها لم تنجح في تحقيق مرادها، ولكن «فجر يوم السبت 30/12/2017 تم إخراج الرفاة ونقلها إلى إحدى المقابر، وقد صرح الشباب الذين قاموا بذلك قائلين : تم إخراج الجثمان من مكانه ودفنه بالصورة الصحيحة وذلك بسبب كثرة زيارة الناس للقبر والتقرب منه للشفاء أو لقصد حاجة هذا الأمر دعا لنقل الجثمان حتى لا يقع الناس في الفتن بالتقرب للموتى»(8 ، ص ....) ، (9 ، ص ....).
أين يكمن اللغز؟ ومتى يكون التساؤل فرض عين؟
((السنوسية
حركة أسسها محمد بن علي السنوسي في برقة التي وجدها غارقة في ظلام الجهل، وهدفها
تصحيح فهم الإسلام والنهوض بالأمة ومحاربة التخلف والخرافة))، هذه الديباجة
المعروفة عن السنوسية فهل ما جاء عن المهدي السنوسي المنتظر يتسق وينسجم مع هذه
الديباجة؟ وهل انتقلت برقة بهذا من ظلام الجهل إلى نور العلم والمعرفة والعقيدة
الصحيحة حقا؟.
..............................................................
(*)
ثمة فرق تقول بمهدية آخرين وتنتظرهم ولكن الأشهر هو القول بمهدية محمد الحسن
العسكري وانتظار ظهوره عند الكثير من الشيعة.
(**) ما نقلناه عن الدر الفريد مما رواه محمد عبد الله السني، كان النص الوارد
في التحقيقين، وتم التجاوز عما ورد في الكتاب من تحقيق جاد الله وعبد الغني من زيادة
بها ذكر حديث الرؤيا الصالحة وأنها جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة.
وتعليقا على ذلك : أن الحديث يتناول الرؤيا
الصالحة يراها الصالح، ولكن ما المعايير التي تجعلنا نطمئن ونصدق (بعد الأنبياء)
كل من يدعي الصلاح لرؤياه ولنفسه؟ هل يكفي حكم الناس؟ وهم كثيرا ما كشفوا عن تسرعهم
وسهولة انخداعهم؟ تاريخ النصابين والمحتالين يشهد على ذلك؛ الحكم على ما يقوله
الأشخاص من حيث الصدق والادعاء الكاذب بهذا الخصوص يظل حكما انطباعيا يفتقر
للمعايير العلمية الدقيقة.
للتهميش، اخترت طريقة سهلة وتقلل من حجم
النص كما أراها، كما أنها مرنة لا تتأثر بتقديم عنوان وتأخير آخر؛ وقد وجدت مثالا
عليها في كتاب نيكولاي بروشين : (تاريخ ليبيا من نهاية القرن التاسع عشر حتى عام
1969) ترجمة عماد حاتم منشورات مركز دراسة جهاد الليبيين ضد الغزو الإيطالي، ط؟،
1988؛ فقد استخدم على سبيل المثال (20 ، ص 91)، فالرقم الأول (20) يشير إلى رقم
المرجع في قائمة المراجع؛ أما بخصوص الروابط فقد أشرت إليها هكذا : (8 ، ص ...)
على سبيل المثال.
قائمة المراجع :
(1)أحمد بن محمد الشريف بن محمد بن علي السنوسي، مختصر الأنوار القدسية في
مقدمة الطريقة السنوسية، تحقيق د. محمد أحمد جاد الله، منشورات جمعية الإمام محمد
بن علي السنوسي للثقافة والتراث، ط1 ، 2022.
(2) أحمد محمد الشريف السنوسي،
الدر الفريد الوهاج بالرحلة المنيرة من الجغبوب إلى التاج، تحقيق أ.د. عبد المولى الحرير، دار
القمة للطباعة والنشر ، بنغازي – ليبيا، ط؟، 2018.
(3) أحمد محمد الشريف السنوسي،
الدر الفريد الوهاج بالرحلة المنيرة من الجغبوب إلى التاج، تحقيق : د. أحمد محمد جاد الله ود. عبد الغني عبد الله محمود، تقديم : د. إدريس
فضيل الحداد، منشورات جمعية الإمام محمد بن علي السنوسي للثقافة والتراث، ط1،
2022م.
(4) عبد الوهاب الشعراني،
الأنوار القدسية في معرفة قواعد الصوفية الجزء الأول، حققه وقدم له طه عبد الباقي
سرور، السيد محمد عيد الشافعي، منشورات مكتبة المعارف ــ بيروت، ط؟ ، 1408 هـ ــ
1988م.
(5) ايريك آرمار فولي دي كاندول، الملك إدريس عاهل ليبيا حياته وعصره،
ترجمة ونشر محمد عبده بن غلبون، ط2، منشستر 1990.
(6) سالم الكبتي : الدستور في ليبيا ــ تاريخ وتطورات ــ منشورات دار
الساقية ــ بنغازي، صحيفة الكلمة ــ بنغازي ط2 2013.
(7) يوسف عبد الهادي الحبوش، عمر المختار : الحقيقة المغيبة، الطبعة
الأولى 1438 هـ ــ 2017م، منشورات مكتبة وهبة ــ القاهرة.
(8) على الرابط :
https://alwasat.ly/news/libya/153901
(9) على الرابط :
..........................................................................................................................
نشرت الصيغة الأولى على المدونة على هذا الرابط بتاريخ
10/9/2022
على الرابط :
http://abdullahharunabdullah.blogspot.com/2022/09/2.html
نشر المقال بالنص وليس كرابط على صفحتي على الفيس بوك
بتاريخ 10/9/2022
على الرابط :
هذه الصيغة هي الصيغة الثانية المعدلة نشرت مكان الصيغة الأولى على المدونة بتاريخ 2/6/2023
ونشرت الصيغة الثالثة بتاريخ 29/4/2024
على المدونة على نفس الرابط