الاثنين، 26 يونيو 2023

مقارنة بين الصوفية والسلفية

 

هذه المقالة سوف تعدل إن شاء الله تعالى

مقارنة بين الصوفية والسلفية

 

قانون كريشام في الأيديولوجيا     

 

    بداية علي المجازفة بالقول أنه ثمة تناقص في شعبية التيار السلفي وازدياد في شعبية الصوفية، هذه الملاحظة ربما ترفض من البعض ممن يرون العكس، وتناقص الشعبية هذا ــ حسب تقدير شخصي ــ يعلل بأسباب منها :

1 ــ نشوء التباس عند العامة بين التيار الجهادي الذي يتبنى العنف ويدعو في بعض تجلياته لإعادة إحياء الخلافة والسلفية؛ والحق أن في هذا الالتباس ظلما كبيرا للتيار السلفي.

2 ــ تمسك التيار السلفي بالنص حرفيا دون وضع أثر اختلاف المكان والزمان في الفتوى في الاعتبار؛ هذا الأثر حينما لاحظه الشافعي أدى ذلك به إلى تغيير فتاواه وتعديلها، رغم أن الاختلاف كان بالنسبة له مكانيا فحسب، فكيف لو أضفنا إليه الاختلاف الزماني الذي يتجاوز الآن الـ 12 قرنا على أقل التقدير؟.

3 ــ ميل التيار السلفي غالبا نحو التعسير لا إلى التيسير وذلك باختيار الفتاوى المتشددة حتى في وجود الفتاوى الأقل تشددا، مثال ذلك الإصرار على أن تكون زكاة الفطر عينية في وجود فتاوى بجواز إخراجها نقدا، رغم أن في هذا الإصرار مخالفة للقاعدة الأصولية : (لا ضرر ولا ضرار)، إذ أن جعل الزكاة عينية يضر بالمتصدق الذي يشتري السلعة بسعر مرتفع ويضر بالمستفيد (الفقير) حينما يبيع السلعة بسعر منخفض، والرابح في هذه العملية هم التجار؛ كما أن في هذا الإصرار اغفالا لمراعاة الحكمة من هذه الصدقة وهي مصلحة الفقير، وإغفالا للقول بأن الأعمال بالنيات؛ وعرض هذا التمسك عديم المرونة السلفية للسخرية والتندر(1).

     ومثال آخر هذا الصراخ السلفي الذي يرتفع كل سنة في 12 ربيع الأول، ويستغله الصوفية أفضل استغلال في اكتساب شعبية عمياء قد تؤدي إلى كوارث مستقبلية، وكان من الحكمة القول بالتوقف إزاء هذه العادة حيث لا يوجد فيها نهي صريح؛ كما أنها لا تقع على الأرجح في المنطقة الحمراء بل في المنطقة الصفراء من الآية : {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً{48} النساء(2).

4 ــ الحكم بالسلفي على السلفية، وذلك باتهام السلفية بسلوكيات بعض المنتمين إليها.

5 ــ غياب الكياسة والفطنة غالبا التي ينبغي أن يتصف بها المؤمن : {المؤمن كيس فطن}؛ فلا يكفي أن يكون الفكر مقنعا في ذاته بل ينبغي أن يقدم بصورة مقنعة، وأحيانا تطغى أهمية التقديم على أهمية المحتوى المقدم؛ وكم أساء إلى الأفكار مروجوها.

6 ــ الانقلاب الأيديولوجي الذي وقع في السعودية على يد ولي العهد محمد بن سلمان، والذي جعل كثيرا من التابوات القديمة التي أكدها رموز السلفية هناك تنهار؛ هذا الانقلاب الذي وقف شيوخ السلفية في السعودية أمامه موقف الصامت أحرج التيار السلفي عندنا، وجعل تشددهم (فيما تساهل شيوخهم إزاءه هناك) غير مستساغ.

    هذه المآخذ الستة التي هي مآخذي ومآخذ غيري على السلفية، قد تؤدي إلى هيمنة الصوفية وينطبق على المشهد الأيديولوجي (صوفية ، سلفية) حينها ما ينطبق على السوق والنقود بحسب مبدأ أو قانون كريشام : (النقود الرديئة تطرد النقود الجيدة من السوق)، وإذا ما هيمنت الصوفية فسوف يتحمل التيار السلفي وزر ذلك لافتقاره لكياسة الداعية وفطنته.

المقارنة

ر.م

وجه المقارنة

السلفية

الصوفية

1

من حيث الخطاب العنصري

ليس لدى السلفية أي خطاب عنصري يدعي وجود جينات مقدسة في الإسلام : فلا تسمع سلفيا يقول : أنا من الأشراف أو من السادة.

الصوفية تبني خطابها على هذه الدعوى بالدرجة الأولى، وهي دعوى عنصرية منشأها مريب يراد إلصاقها بالإسلام وهو برئ منها تماما.

2

العلاقة بالشيخ

علاقة السلفي بشيخه علاقة تلميذ بمعلم ولا توجد بها بيعة.

علاقة المريد بشيخه علاقة تصل غالبا إلى حد التأليه وبها بيعة تقتضي التسليم بما يقوله الشيخ وما يفعله مهما كان خارجا عن العقل والنقل.

3

من حيث المحاججة

السلفي يعود في أرائه إلى كتب الفقه والتفاسير ويستخدم الأسلوب العلمي في المحاججة من حيث تخريج النصوص والأسانيد؛ وإن كان ما يعيبه هو بعض التحجر أمام النصوص.

يعتمد على الأدلة الذاتية المستمدة من الشيخ ذاته بناء على ادعاءات لا يمكن التأكد من صحتها؛ من قبيل إدعاء الشيخ رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ورؤية الخضر عليه السلام في النوم وفي اليقظة، والرواية عنهما، واطلاعه على اللوح المحفوظ، وهذه الروايات تعتمد عند الاتباع كما لو أنها نص قطعي الثبوت والدلالة(3).

4

الموقف من الدولة الوطنية

تحترم السلفية الدولة الوطنية، ولا تنساق وراء دعاوى إحياء الخلافة التي قامت (أي الخلافة) وسقطت في ظروف أفضل من الظروف المعاصرة لعوامل داخلية لا يتسع المقام لتناولها؛ وإذا وجد ارتباط سلفي بالخارج فهو متعلق باستيراد الفتوى التي صار من الممكن توطينها.

الصوفية مثل داعش لا تعترف بحدود الدولة الوطنية، وسلطة شيخ الطريقة تنافس بل تفوق سلطة الحكومة المحلية، وبذلك تخلق انتماء موازيا على حساب الانتماء الوطني.

5

من حيث التنظيم

يقتصر دور السلفية على الفتوى وما يدور في فلكها، ويعمل السلفي كموظف تابع للدولة الوطنية أثناء قيامه بهذه المهمة؛ ولا يرتبط بالسلفي الآخر بأي رباط تنظيمي، كما أنه لا يقوم بجمع الأموال لصالح الحركة أو التيار، وإذا حدث ذلك فيكون سلوكا فرديا وبالمخالفة فحسب.

يلعب التنظيم الإداري دورا مهما وخطيرا عند الطرق الصوفية ويشمل جمع الأموال بعدة حجج لصالح الزاوية وإدارتها ما يجعل الزوايا دولا لها امتدادات خارجية داخل الدولة، وتوظف هذه الثروات في تحقيق أهداف أخرى.

6

من حيث المنطقة الحمراء والصفراء

يتشدد السلفي في المنطقة الصفراء ويعاملها معاملة المنطقة الحمراء، ما يوقعه في التنفير والتعسير.

يتساهل الصوفي مع المنطقة الحمراء ويعاملها معاملة المنطقة الصفراء ما يوقعه في الشرك وإفساد العقيدة.


      من المقارنة السابقة كفة السلفية هي الأرجح، ولكن على أرض الواقع العكس هو الصحيح للأسف؛ واللوم يقع على دعاة السلفية.

......................................

(1) مثال من أمثلة كثيرة من حالات التندر على السلفية .. الرابط :

https://www.facebook.com/kairi.gadah/posts/pfbid02qSbqeTg6bBFYrm7pucoj4WvaSo4L5dqrqvti2rLX2TsntxoXrQRLn6gCtBP2tSM8l

 

(2) بالآية الكريمة منطقتان، إذا استعرنا إشارات المرور للتوضيح : منطقة حمراء لا غفران فيها وهي : {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ}، ومنطقة صفراء قد تكون الإشارة بعدها خضراء (أي الغفران)، وقد تكون حمراء (أي عدم الغفران) وهي : { وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ}، فأين تقع عادة العصيدة بالنسبة لهاتين المنطقتين؟.

(3) عند الصوفية الرؤيا (المنامية) والرؤية (في اليقظة) بحيث يرى الصوفي الأنبياء والأولياء يقظة ويتحدث معهم مصدران معتمدان من مصادر المعرفة؛ وبالنسبة للرؤيا يدفع الصوفي بالحديث : "روى البخاري (6989) من حديث أبي سعيد، ومسلم (2263) من حديث أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : (الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة)". وقد وردت رواية أخرى في عدد أجزاء النبوة، واختلف أهل العلم في معنى هذا الحديث اختلافا واضحا.

   وثمة أسئلة يمكن طرحها حول هذا الحديث منها :

1 ــ لماذا هذه النسبة الصغيرة : (1 من 46 = 0.02 تقريبا) تحديدا؟ تحاشى الكثير من أهل العلم البحث في هذا السؤال.

2 ــ الحديث يقول بالرؤيا الصالحة يراها الصالح، فما المعايير العلمية التي يطمئن إليها لنميز الصالح من الدعي؟ هل يكفي الانطباع الشخصي الذي لطالما غرر بالناس وانخدعوا به؟

3 ــ ماذا يترتب عن الأخذ بهذا الحديث وتصديق كل من يدعي انطباقه عليه؟ ألا يترتب على ذلك ضرر كبير على الأمة من كثرة الأدعياء الذين يصل بهم الأمر إلى ادعاء النبوة أو المهدية؟ وهم غالبا من المتصوفة والشيعة ومن لف لفهم؟

 

9/6/2023

 

الأربعاء، 21 يونيو 2023

كلام الروايات في كلامنا

 

كلام الروايات في كلامنا

 

      الأسرة فاحشة الثراء مكونة من أب وأم فاحشي التعلق ببنتهما المراهقة التي لا شريك لها .. فتاة فاحشة الجمال والدلع .. ولسوء حظ الوالدين تقع الفتاة في حب شاب فاحش الفقر والتعاسة .. يحاول الوالدان إقناعها ديمقراطيا بالعدول عن قرارها .. والفتاة ترد دائما بأنها تحب فلانا وهو يحبها وأن الحب قادر على صنع المعجزات وقادر على تذويب التفاوت الطبقي .. والحب .. والحب .. والحب .. يرد الوالدان : يا حبيبتي أنت اتصدقي الكلام ده؟! .. دا كلام روايات .. هذه القصة تتكرر في الدراما والسينما المصريتين .. وربما في غيرهما.

    إذن ثمة نوعان على الأقل من الكلام : نوع أول : كلام صادق قابل للتطبيق .. ونوع ثان : كلام جميل وإنساني ولكنه لا يمكن تطبيقه .. وهذا النوع الثاني هو ما يصدق عليه وصفه بكلام روايات.

     في حياتنا نستهلك كميات كبيرة من الكلام من النوعين ولا مشكلة في ذلك .. فقليل من الأكاذيب والأوهام أحيانا لا يضر .. المشكلة حقا في عدم التفريق بين النوعين عند البعض وإصرارهم على ترويج كلام الروايات على أنه كلام قابل للتطبيق وهذا يؤدي إلى نتيجتين :

1 ــ يصدق البعض هذا الترويج ويؤيد تطبيقه ليس على الأفراد فحسب بل على الشعب من خلال القوانين والدساتير.

2 ــ يرفض البعض الآخر تطبيقه فيتهم بالتخلف واللا إنسانية والعنصرية .. وهي تهمة لا تخلو من مسحة إرهابية.

     الخطورة الكبرى تكمن في الاحتمال الأول أو النتيجة الأولى .. فليس من الأخلاق أن نجعل قناعتنا غير المدروسة موضوعا للتجريب على الشعوب .. إنه موقف خال تماما من الإحساس بالمسؤولية .. الشعوب ليست مزرعة تجارب .. والتجربة الحمقاء قد تظهر آثارها السيئة أحيانا بعد فترة زمنية طويلة قد تصل إلى عدة قرون.

التعددية وكلام الروايات

    هل الدعوة للتعددية العرقية والدينية مثلا (المقصود هنا التعددية المستحدثة لا التعددية القائمة كأمر واقع) من النوع الأول أم النوع الثاني من الكلام؟ .. المشكلة إذا صنفنا هذه الدعوة ضمن النوع الأول خطأ وشرعنا في تطبيقها وتجريبها على الشعب .. من الملاحظة المباشرة وبالمقارنة فنحن شعب معظمه عرب ويدين كله بالإسلام وأغلبه على المذهب المالكي ومع كل هذا ها نحن نرى الدماء والدمار الناتجين عن صراعنا .. فماذا يكون حالنا لو أننا كنا حقا متعددي الأعراق والأديان والمذاهب؟!.

هل نجونا بأعجوبة؟

    في دستوري المملكة (دستور 1951 ودستور 1963) كانت المادة (21) :

    «حرية الاعتقاد مطلقة وتحترم الدولة جميع الأديان والمذاهب وتكفل لليبيين وللأجانب المقيمين في أرضها حرية العقيدة والقيام بشعائر الأديان على أن لا يخل ذلك بالنظام العام ولا ينافي الآداب».

     والمادة (197) :

     «لا يجوز اقتراح تنقيح الأحكام الخاصة بشكل الحكم الملكي وبنظام وراثة العرش وبالحكم النيابي وبمبادئ الحرية والمساواة التي يكفلها هذا الدستور».

     المادة 21 المحمية من التعديل بالمادة 197 تحمي أي مواطن في عهد المملكة يرغب في التحول إلى المسيحية أو البوذية أو البهائية أو التشيع .. والشرط : «على أن لا يخل ذلك بالنظام العام ولا ينافي الآداب» شرط فضفاض.

     هذه المادة (21) من حيث التصنيف أهي من النوع الأول؟ أم الثاني؟ .. وإذا كانت من الثاني أليس في سنها مقامرة بالشعب واستخفافا بمستقبله من قبل من يسمون بالآباء المؤسسين؟

بضاعة ليست للاستهلاك المحلي

      أنا بمنظور فكري (كمواطن مفرد) مع حرية العقيدة ولكن بمنظور أمني (كمواطن جمعي قابل للتأين) متوجس منها خيفة لما أرى من معاناة المجتمعات المتعددة الأعراق والأديان والمذاهب وهشاشتها ربما لأن المستهترين في تجاربهم اللا مسؤولة على الشعوب لم يضعوا في حسابهم سلوك المواطن المتأين أو الجمعي .. فالتعددية ليست دائما كما يروج مصدر قوة.

     تقليعة التعددية جاءتنا ضمن الصادرات الأوربية وإذا أردنا التوسع (ضمن صادرات ما يسمى بالعالم الحر) . وهي كما يبدو سلعة معدة للتصدير لا للاستهلاك المحلي .. الأدلة على ترجيح هذا الاحتمال مشاهدة من واقع أوروبا المعاصر .. تبدو أوروبا قارة هادئة متجانسة آمنة .. فهل هي كذلك؟ .. الحالة الآمنة في أوروبا تشبه نظيرتها في ليبيا في عهد معمر .. إنه الأمن الإجباري لا الأمن الاختياري .. بمعنى أنه حين غياب القبضة الأمنية من شبه المؤكد أن يجري في أوروبا من العنف ما يفوق العنف في ليبيا حينما غابت قبضة معمر الأمنية .. لماذا نلجأ للتخمين؟ لقد شهدنا ذلك بالفعل .. بعد وفاة جوزيف بروز تيتو وغياب قبضته الأمنية رأينا الجرائم والفظائع التي ارتكبت في يوغسلافيا الموجودة بقلب أوروبا .. وكانت هذه الفظائع نتيجة لتجربة تعددية فرضت بالقوة منذ قرون سابقة .. ورأينا العنف المرتكب من قبل إقليم الباسك على مدى عقود وكيف قمع بالقبضة الحديدية .. كذلك عنف الجيش الجمهوري الأيرلندي وكيف قمع بالكيفية ذاتها .. وهناك أقاليم أخرى في أوروبا ترغب في الاستقلال وهي تنتظر ارتخاء القبضة الأمنية .. بالإضافة إلى النازيين الجدد .. وعلى مستوى الأديان فالوجود الإسلامي المتزايد في أوروبا سيجد نفسه في صدام حتمي مع غيره من المكونات إما في غياب القبضة الأمنية أو أن الصدام سوف يؤدي إلى غيابها.

     بالإضافة إلى موقف السلطات المعادي للمهاجرين والمتجلي في رشوة أردوغان بستة مليارات يورو سنوية مقابل منع المهاجرين وتقبل الاتحاد الأوروبي معمر القذافي على مضض لتحقيق بعض المصالح أهمها حماية أوروبا من المهاجرين .. والموقف المعادي من الشعوب والمتجلي في المظاهرات وانتخاب المرشحين الذين يضمنون برامجهم منع الهجرة.

     والأمر يشمل أمريكا أيضا وجدار ترامب شاهد على ذلك.

    المرء الجدير بصفة السوي لا يحاول التمتيع بسيارته وبها أسرته مهما كانت خبرته وإتقانه لهذا الفن .. أي لا يخضع أسرته لتجربة ولو كانت نسبة الخطأ بالغة الضآلة .. فكيف نسمح لأنفسنا بالتمتيع بالشعوب؟ .. السؤال موجه إلى من يسمون بالآباء المؤسسين القدامى والجدد أيضا.

7/2/2023 :

لفهم المقصود بالمواطن المفرد والمواطن الجمعي أو المتأين يفضل الدخول على الرابط التالي :

http://abdullahharunabdullah.blogspot.com/2021/12/1_31.html

  

الدار والدالة والدوداش والدولة

 

الدار والدالة والدوداش والدولة

 

إهداء الى زملائي وزميلاتي من معلمي ومعلمات الرياضيات

 

 

      في المناهج الخاصة بمادة الرياضيات في المرحلة الثانوية في مصر ترجمت (limit) إلى (نهاية) بينما ترجمت في العراق إلى (غاية) .. أرى أن الترجمتين مقبولتان ولكن لا تغني إحداهما عن الأخرى .. هناك دوال تصل القيمة المحددة (دارها المبتغاة) ولذلك فكلمة (نهاية) تناسبها .. وهناك دوال حالمة بالوصول .. تقترب وتقترب حتى أنها لترى هدفها بالعين ولكن لا تصله أبدا ولذلك فكلمة (غاية) تناسبها .. وهناك دوال نهايتها هي الما لا نهاية .. دوال تائهة (ضالة) .. تبحث عن مرفأ لا وجود له (لترسو) به وهي لذلك لا تصل ولا تقترب حتى مجرد الاقتراب.

تخمين أسباب الاختلاف في الترجمة :

      قد يكون الاختلاف في الترجمة بين مصر والعراق  راجعا لاختلاف المجتمعين من حيث سطوة الشعر والميل لفهم الحياة فهما شعريا .. وحيث لا تخفى عمن يتمتع بالتذوق الشحنة الشعرية العالية التي اكتسبتها كلمة (غاية) من خلال السياق .. فهل للفرق في الترجمة علاقة بالشعر؟ بالفهم الشعري للحياة بين المجتمعين : المصري والعراقي؟

     وقد يكون ثمة سبب أخر على علاقة بالمصطلح المترجم ذاته .. فهل للاختلاف في الترجمة علاقة بالمصطلح المترجم؟ هل كلمة(limit)  مناسبة أصلا للتعبير عن المعنى المراد؟ ثم هل هو معنى وحيد أم معان متعددة؟ .. وخروجا عن الموضوع وليس بعيدا عنه ربما تطرح مثل هذه الأسئلة حول المصطلح(function)  ومدى ملاءمته للمعنى المراد لكي تكون ترجمته (دالة) .. ما علاقة الاسم بالمسمى؟  فالكلمة الإنجليزية من أشهر معانيها : وظيفة .. ومعانيها الأخرى لا تبتعد عن ذلك كثيرا فما علاقة هذا أولا بالمعني المراد؟ وثانيا ما علاقته بالترجمة (دالة) وثالثا ما علاقة الترجمة بالمعنى المراد أيضا؟.

أنواع الدوال من حيث مآلاتها :

الغاية :

غاية العين الدار لو كان ماجده دوداشا(1).

النهاية :

الدار جيتا تلميس بلا جميلتك يا قايدي(2).

الما لا نهاية :

لو كان لك علم يا عين ترسي عليه ما راك ضالة(3).

    هذه الأنواع الثلاثة مشتركة بين الدالة والدولة .. فدولة تقترب وثانية وصلت وثالثة ضائعة تماما.

    للبعض دالته الجماعية .. دولته التي يحلم بتحققها .. إن كنت من هذا البعض فأين تضع دالتك الجماعية بين هذه الدوال؟ .. ثم من قال بأن الرياضيات مادة لا علاقة لها بالشعر؟

.........................................

(1) (الدار) : الأطلال ، الوطن ، المكان الذي يحن اليه ، ولا يقصد بها الغرفة أبدا .. (ماجدة) : اسم فاعلة من الفعل وجد .. الدوداش هو المساعد على الدودشة التي تطلق على مشي الطفل في بداية تعلمه المشي .. (دوداشا) : دوداشها.

(2) (جيتا) : جئتها .. شدد تاؤها.

(3) (ماراك) : ما كنت لأراك.

 

 

1/3/2023

 

الجمعة، 2 يونيو 2023

ملك أم رئيس؟!

 

ملك أم رئيس؟!

 

       فيما يلي مقارنة بين النظام الجمهوري والنظام الملكي، مع ملاحظة أن الجمهوريات التي لا تداول فيها على السلطة هي أقرب إلى الملكيات لأن بها أهم سمات المملكة من طول البقاء في السلطة والتخطيط للتوريث، كما أنه من المهم بحث مصداقية ما يسمى بالملك الدستوري وضرورته في وجود بديل مقنع وهو ما يمكن تسميته بالرئيس الدستوري، حيث يتميز الرئيس الدستوري عن الملك دستوريا كان أو غير دستوري بعدم التورط في التوريث المهين والمثير للجدل، كما أنه بوصفه ضمن النظام الجمهوري التداولي يفترض فيه نظريا على الأقل الحرص على بناء دولة الشعب بعكس النظام الملكي حيث يحرص كل الملوك بدون استثناء على تقديم مصلحة الأسرة المالكة على مصلحة الشعب في حال تضارب المصالح.

لماذا تقوم الثورات؟

     الثورات الشعبية على سبيل المثال ضد : النميري ، سوهارتو، صدام، زين العابدين، حسني، القذافي، علي عبد الله ، بشار، البشير، هل كانت ضد أنظمة أقرب واقعيا إلى الملكية أم إلى الجمهورية؟، لم تكن هذه الأنظمة التسعة على مستوى واحد فيما يتعلق بالخدمات أو حرية التعبير أو احترام حقوق الإنسان، ولكن القاسم المشترك بينها طول بقائها في السلطة والتخطيط للتوريث، وبسقوط ما سقط منها نستطيع القول : لقد سقطت 8 ممالك من بينها مملكة ملك الملوك، إذن الشعوب ترفض الفكرة الملكية رفضا فطريا وهذا مبرر آخر لرفض العودة إلى النظام الملكي.

حجج الملكيين

     البعض من مؤيدي عودة الملكية يدفع بالقول أننا نريد الاستقرار وهذا الدفع يمكن الرد عليه بما يلي :

1 ــ لقد كانت ليبيا في  عهد معمر مستقرة، فلماذا تم إسقاطه إذا كانت طموحاتكم متواضعة وساذجة إلى هذه الدرجة؟

2 ــ قد يحقق النظام الملكي الاستقرار ولكن بالقوة وبالخداع، لقد كانت المملكة الليبية مستقرة ولكن مع غياب العدالة الاجتماعية، لقد كانت الحظوة للأجانب أما المواطن فكان مهمشا تماما بشهادة كثير من معاصريها(*)، وإذا عادت فإن غياب العدالة الاجتماعية وتحول المجتمع إلى طبقات ومواطنين درجة أولى وثانية وثالثة وأسياد أشراف وأتباع مطعون في شرفهم أمر مؤكد، وأهل برقة سوف يكونون في الحضيض.

3 ــ اختيار أسرة تتوارث الشعب كما لو كان قطيعا مغامرة مهينة يخوضها جيل وتدفع ثمنها الأجيال اللاحقة.

4 ــ اختيار النظام الملكي عكس فطرة الشعوب وهو قرار لا يلبث أن يكشف عن حمق متخذيه، ولكن هل يمكن التراجع عنه إذا اتخذ؟

5 ــ القول بأن البلاد في خطر كما يروج الملكيون كذبا أو غباء، هذا القول غير صحيح فوضع البلاد الآن بالمقارنة بأعوام 2011، 2012، 2013، 2014 أفضل وقد أدركت كل الأطراف استحالة هيمنة أحدها على المشهد، ومن لم يدرك هذا بعد فسوف يتجلى له قريبا، والقادم بين احتمالين إما دولة عادلة وهذا احتمال ضعيف وإما دولتان مستقلتان وهذا هو الاحتمال المرجح.

6 ــ ثم ثمة أمر آخر كشف عنه الصراع بعد 2011 وهو أن اسم ليبيا ربما يكون اسما لمسمى لا وجود له، فهذا الاسم أعلنته إيطاليا موسوليني عام 1934 واستمات في الدفاع عنه، ثم استمات إدريس وأمريكا وبريطانيا في الدفاع عنه وتثبيته وألغوا حتى الفيدرالية الشكلية إمعانا في الدفاع، وأكمل معمر القذافي مشوار هؤلاء المدافعين الجبابرة، وما أن قتل معمر حتى عاد الأمر إلى أصله : برقة وطرابلس بعد   77 عاما من العبث، فلماذا نورط أنفسنا في أسرة مالكة لبث الحياة في كيان قد يكون مزيفا غير قابل للاستمرار؟

     لعلنا في هذه البقعة أقرب إلى تشيكوسلوفاكيا : كيان مفتعل وعندما تعززت الحريات وتراجع ضغط اللحمويين بسبب ذلك عادت تشيكوسلوفاكيا سلميا إلى أصلها : تشيكيا وسلوفاكيا وذلك بعد 74 سنة من التشكل الأول، والأمر نفسه حدث مع يوغسلافيا ومع اليمنين : الجنوبي والشمالي، وإن كان ثمة عناد أحمق في اليمن.

المقارنة

 

ر.م

وجه المقارنة

الملكي

الجمهوري

1

زمنيا

أقدم

أحدث

2

الدستور

الملكي معقد وبه تفاصيل تتعلق بوراثة العرش ومخصصات الأسرة وما يتعلق بمجلس الوصاية وغير ذلك

الجمهوري بسيط بمواد أقل

3

الصراع

يكون الصراع ثنائيا : صراع بين القوى السياسية في المجتمع، وصراع آخر داخل الأسرة المالكة

يكون الصراع مفردا بين القوى السياسية فقط

4

التدخل الخارجي

كثيرا ما يستغل الصراع داخل الأسرة من قبل النفوذ الخارجي بتفضيل وريث على آخر

التدخل الخارجي بدرجة أقل؛ والخارج يراهن على حسن العلاقة مع الشعب لأن من في السلطة متغيرون.

5

التفضيل عالميا

الملكيات في تناقص، ربما باستثناء أسبانيا لم تعد الملكية إلى بلاد سقطت بها

الجمهوريات في تزايد

6

الاستساغة

ليس من المستساغ أن تقوم أسرة بتوارث الشعب جيلا بعد جيل كما لو أنه قطيع أو متاع، خاصة وأن الحجة خرافية تقول بأنه ثمة بشر نبلاء (أشراف) وبشر وضيعون (لا شرف لهم)، تلك هي نظرية النبالة التي سادت أيام المجتمع الاقطاعي الظالم

الفرصة متاحة للجميع للوصول للسلطة وبآليات أكثر اقناعا، ما يخلق إحساسا بالرضا والطمأنينة بين مكونات المجتمع

7

التراجع والمرونة

اختيار أسرة ما لحكم البلاد قرار إذا اتخذ لا يمكن التراجع عنه، فالملوك لا يمكن إنهاء بيعتهم لأنها بيعة لأسرة لا لأفراد

اختيار رئيس جمهورية هو بيعة مؤقتة بفترة محددة مسبقا، فإذا تمسك الرئيس بالسلطة ولم يلتزم بالدستور صار فاقدا للشرعية، وصار الخروج عليه مشروعا دينيا وأخلاقيا وقانونيا مؤيدا من المجتمعين : المحلي والدولي

8

ديمقراطيا على مستوى الأجيال

أن يقوم جيل ما باختيار النظام الملكي وذلك باختيار أسرة مالكة قرار فيه تعدٍ صارخ على حق الأجيال القادمة في اختيار من يحكمها

في النظام الجمهوري كل جيل يتحمل مسؤولية اختياراته فإن أحسن فله وإن أساء فعليه، وهذا يتسق مع الديمقراطية

9

الملك الدستوري والرئيس الدستوري

الملك الدستوري حتى لو صدقنا وجوده فهو خاضع لمزاج الجالس على العرش فقد يلتزم ملك بذلك ولا يلتزم به وريثه

الرئيس الدستوري إن جازت التسمية هو رئيس بصلاحيات محدودة مثل الملك الدستوري ولكن مقيد بفترة محددة

10

غاية النظام

غاية الملك المؤسس والنظام الملكي عموما الأولى هي بناء دولة الأسرة فمصلحة الأسرة المالكة أولا

غاية النظام الجمهوري بناء دولة الشعب

11

ضمان الالتزام

أن يتقيد الملك بصلاحياته الدستورية أمر غير مضمون، وسواء تقيد أو لم يفعل فالبيعة سارية المفعول

أن يتقيد رئيس الجمهورية بصلاحياته الدستورية أمر غير مضمون، وإن لم يتقيد فإن البيعة تكون قد سقطت

 

    رقم 8 بالجدول يكفي وحده للطعن المنطقي على الأقل في اختيار النظام الملكي إن لم يكن الطعن القانوني وفق القاعدة الفقهية : لا ضرر ولا ضرار، فليس من حق أي جيل أن يفرض قناعاته على الأجيال اللاحقة، خاصة تلك القناعات التي لا يمكن التراجع عن تطبيقها في حالة الندم.

...................................................................

(*) يفضل الدخول على الرابط  المقال :

المملكة السنوسية : النجاح والعدالة والإنصاف

http://abdullahharunabdullah.blogspot.com/2023/06/blog-post.html

 

29/4/2023

 


المملكة السنوسية : النجاح والعدالة والإنصاف

 

المملكة السنوسية : النجاح والعدالة والإنصاف

 

او يـارب يا محيي اعظام الرمـــــــة       او منجى اصحـاب الغار م الجهلــية

را الظلم جانا من انظاف العمــــــــة        لباست الـمـعارق تحـت م الطـاقـيـة

الشاعر جعفر الحبوني رحمة الله عليه

 

نجاح الدولة كمية متجهة

     ماذا أقصد بنجاح الدولة؟ أقصد به هنا محصلة جهود السلطة أو النظام الحاكم فيما يتعلق بالتنمية والتطوير وتوفير المناخ والبيئة لجعل حياة (الفئة المستهدفة) مرفهة وهانئة، وما بين القوسين احتراز مهم، لأن هذا النجاح كمية متجهة إذا ما استعرنا هذا المصطلح من علم الفيزياء على سبيل التشبيه، إذ لا يكفي الحكم على جهود السلطة والنظام بالنجاح بل لابد من تحديد اتجاه هذا النجاح، أي ما الفئة المتجه لخدمتها أو الفئة المستهدفة به؛ ويتناسب حجم هذه الفئة وتعدد أطيافها طرديا مع ارتفاع مستوى النجاح وانخفاضه؛ ومن المهم التأكيد على أن الحديث عن الفئة، أي عن جماعة، وليس عن الفرد ومصلحته التي قد توصف بالأنانية، وسوف يتضح هذا التأكيد على الفئة من خلال الأمثلة الآتية، ومن خلال ما جاء في شهادة بعض الشهود.

أمثلة توضيحية

     الولايات المتحدة بعد مرحلة الاستقلال والحرب الأهلية دولة ناجحة، ولكن هل فئة الهنود الحمر من ضمن المستهدفين بهذا النجاح؟ لو وجهنا هذا السؤال إلى أحد الهنود الحمر لما اهتم بنجاح هذه الدولة قدر اهتمامه بعدالتها لأن نجاح هذه الدولة كان على حسابه.

    استراليا دولة ناجحة، ولكن المواطن المستفيد من هذا النجاح ليس من فئة السكان الأصليين حتما.

    إيطاليا حين احتلالها برقة وطرابلس قامت بالكثير من إنشاء الموانئ والمطارات والطرق وخطوط الاتصالات وبث المدارس والمستشفيات وإنشاء المزارع والمساكن الملحقة بها وشبكات الري والمباني العامة ... الخ، ولكن هل كان ذلك من أجل فئة السكان الأصليين؟

    إسرائيل دولة ناجحة، ولكن الفلسطيني كفئة ليس من ضمن المستهدفين بهذا النجاح.

    جنوب إفريقيا في زمن التمييز العنصري دولة ناجحة، ولكن نجاحها لا يستفيد منه السود كفئة.

    المملكة الليبية دولة ناجحة كما يقول مؤيدوها أو ملمعوها، ولكن ما الفئة المستفيدة من هذا النجاح؟ وماحجمها مقارنة بعدد السكان؟ وما أطيافها؟

    ليبيا معمر القذافي دولة ناجحة كما يقول مؤيدوها أو ملمعوها، ولكن ما حجم الفئة المستفيدة من حكم القذافي ومن معه؟ وما نسبتها إلى عدد السكان؟

    ربما أوضح مثال على هذا ما كان في سريلانكا نتيجة الاستعمار البريطاني الذي قدم السنهال (الأقلية) وتجاهل التاميل (الأكثرية)؛ وحينما رحل الاستعمار شعرت الأكثرية بأن الدولة القائمة لا تمثلها فكانت الحرب الأهلية.

    يقول المثل : شهرا ما ينفعك ما تعد أيامه؛ المواطن من الدرجة الثانية والثالثة وما تحتهما لا يهتم بنجاح الدولة التي يقيم بها، ولا يبكي عليها في حال سقوطها، لأنه ــ ببساطة ــ لا يرى نفسه مواطنا من مواطنيها.

شهادات على المملكة

    يبدو أن موضوع نجاح الدولة وعدالتها وإنصافها مما كان يشغل الناس في عهد المملكة؛ وهناك أقوال وأشعار عبر بها قائلوها عن تذمرهم من غياب العدالة والإنصاف وخاصة في برقة، منهم : المجاهد صالح امطير العوكلي وحسين الحلافي وبالقاسم حفتر وجعفر الحبوني وغيرهم؛ وقد يأتي هذا التعبير أحيانا في صورة اعتراف من مسؤولي تلك الحقبة مثل مصطفى بن حليم وعلي أحمد اعتيقه ومحمد صدقي ذهني وحسين مازق وغيرهم. فيما يلي عينة (أرجو أن تكون معبرة)؛ أربعة ممن يمكن وصفهم بجدارة بشهود على العصر.

الشاهد الأول : مصطفى بن حليم (1921 ــ 2021)، أحد أهم رجالات المملكة، وهو غني عن التعريف.

    يروي المرحوم مصطفى بن حليم قصتين عميقتي المغزى والدلالة، كما يدلي بأراء يعترف بها برداءة الوضع ليس في بدايات المملكة بل في سنيها الأخيرة.  

   القصة الأولى من حيث الترتيب الزمني (عام 1954 قبل اغتيال إبراهيم الشلحي)؛ يروي بن حليم من خلالها محاولة عودة ثري إيطالي يدعى مارزوتي إلى أملاكه (مزارعه) في المرج التي كانت له زمن الاحتلال الفاشيستي، وذلك باتفاق مصلحي اقتصادي انتهازي بينه وبين عبد الله عابد محمد الشريف السنوسي، وقد اتفق هذا الأخير مع صديقه إبراهيم الشلحي على المساعدة في هذه العودة الميمونة، وأخبر عبد الله عابد هذا حسين مازق والي برقة حينها بأن الملك موافق على ذلك، فما كان من حسين مازق إلا الترحيب بهذا الفاشي، وحضر معه المآدب التي أقامها على ظهر يخته بميناء بنغازي، وذهب الفاشي لزيارة مزارعه في المرج ترافقه حراسة من قوة دفاع برقة (نعم قوة دفاع برقة!!!) التي يقودها حينذاك محمود اقويطين.

    أما إفشال المحاولة؛ فلم يكن للمسؤولين البراوقة علاقة به، بل كان بفعل المؤامرات والدسائس داخل العائلة السنوسية؛ ورب ضارة نافعة؛ فحسب بن حليم فإن هذا الحدث استغله أبو بالقاسم أحمد محمد الشريف السنوسي العدو اللدود (حسب بن حليم دائما) لابن عمه : عبد الله عابد محمد الشريف السنوسي ولإبراهيم الشلحي، حيث قام بإثارة قبائل الجبل الأخضر وشجعهم على رفع شكوى مستعجلة إلى الملك، وأسر إلى هذا الأخير أن عبد الله عابد يصرح علنا بأنه أي الملك موافق على عودة هذا المستعمر الفاشي، واستشاط الملك غضبا وأنكر علمه بالأمر، وأوقف حسين مازق عن العمل، وجرد عبد الله عابد من لقبه وأمر بوضعه رهن الإقامة الجبرية؛ أما محمود بو قويطين وإبراهيم الشلحي المدللين فلم يتخذ ضدهما أي إجراء(1 ، ص 115 ، 116).

     القصة الثانية جرت أحداثها عام 1954 بعد اغتيال إبراهيم الشلحي، حينما وافق الملك على اقتراح بن حليم بالتحول إلى النظام الجمهوري، وكان ذلك بحضور حسين مازق و(موافقته)، وبعد الاجتماع أسرع حسين مازق لتحريض أعيان برقة للضغط على الملك لإفشال المحاولة وهذا ما كان(1 ، ص 126 ــ 131 ).

   هذا من ناحية تبيان مواقف كبار المسؤولين البراوقة وما يمثله إنصاف أهل برقة وعدالة الدولة تجاههم في قائمة أولوياتهم.

    أما من ناحية نجاح الدولة فلبن حليم رأي شديد الأهمية والحدة بالخصوص؛ فقد وصف فيه الوضع عام 1969 لصديقه المهندس المصري خطاب محمد الذي جاء لإقناعه برئاسة الحكومة بناء على طلب الملك.

    لقد وصف بن الحليم الوضع بقوله : "يا خطاب بك لقد اتسع الخرق على الراقع، ولا أظن أن الأزمة الحالية يمكن لأي شخص بمفرده أن يتمكن من معالجتها والتغلب على تيارات الفساد التي بلغت الذروة" (1 ، ص 535)؛ "وقلت لخطاب بك : إن علاج الانهيار في الدولة الليبية لم يعد يصلحه الأسبرين! إنه يستدعي جراحة تستأصل سرطان الفساد"(1 ، ص 537).

التعليق على الشهادة الأولى

    تناول بن حليم في شهادته في الاقتباسين الأولين (القصتين) ضمنا عدالة الدولة وإنصافها تجاه أهل برقة، وهو تناول يثير الشكوك حول توفر هاتين القيمتين؛ وتناول في الاقتباسين الأخيرين نجاح الدولة، وقد أثار الشكوك حوله أيضا، فإذا كانت نظرة بن حليم عام 1969 إلى المملكة (ليس في بداياتها بل في سنيها الأخيرة) أنها في حاجة إلى عملية جراحية فهذا يعني : أما أن المملكة لم تكن بالصورة التي يصر عليها الملمعون أو أنها انحدرت سريعا.

   وثمة تساؤلات قد تدور بذهن القارئ من قبيل :

1 ــ هل علينا أن نصدق بن حليم؟

2 ــ لماذا أفشل حسين مازق تحول النظام الملكي إلى النظام الجمهوري رغم موافقة الملك المؤكدة وترحيبه ؟ فكان ملكيا أكثر من الملك؟ ولم يفشل عودة ذلك المستعمر القديم إلى برقة رغم موافقة الملك الظنية؟

3 ــ هل كان الملك لا يعلم بقصة عودة مارزوتي حقا؟ وهل يمكن لإبراهيم الشلحي إخفاء الأمر عليه؟ وإذا فعل ذلك فما الدلالة والمغزى؟

4 ــ لو علم الملك بعودة مارزوتي ولم تحتج القبائل أو لم تعلم بالأمر أصلا ما ردة فعله؟ هل يعارض تلك العودة؟

5 ــ إفشال عودة مارزوتي التي تمت بسبب العداوات والمكائد والدسائس داخل الأسرة السنوسية بم يوحي وما دلالته؟ وما علاقة ذلك بنجاح الدولة؟

    بالنسبة للتساؤل الأول فمن المرجح أن بن حليم كان صادقا؛ إذ أن معظم من ذكروا في شهادة بن حليم قد علموا بها، ومن مات منهم قبل صدور كتاب بن حليم (1992) فقد علم به ابنه أو حفيده، ولم يرد إلى علمنا أي اعتراض منهم على هذه الشهادة، أي على ما يخصهم من الكتاب.

    وبالنسبة للسؤال الثاني فهو يكشف عن هذا الخلط الذي يعانيه أهل برقة بين الانتماء لبرقة والانتماء للسنوسية، وأن البراوقة قديما وحديثا بنسبة مؤلمة لا تقل عن 99.99% لا يجدون إجابة مقنعة عن التساؤل المحرج : هل أنا سنوسي؟ أم برقاوي؟ هذا الفصل بين الانتمائين كان واضحا تمام الوضوح عند جعفر الحبوني، فقد كان برقاويا لا سنوسيا كما سيرد في شهادته، وخاصة في البيتين اللذين صدرنا بهما هذه المقالة.

    أما بالنسبة للأسئلة الأخرى فمتروكة لفطنة القارئ إذا ما اقتنع بصدق الشاهد، فهي أسئلة تحمل في أحشائها بذور الإجابة.

الشاهد الثاني : تكنوقراط مصراتي من طرابلس، أحد رجالات المملكة، إنه الدكتور علي أحمد عتيقة الذي عمل مع علي نور الدين العنيزي (المحافظ الأول للمصرف المركزي بالمملكة)، ثم عمل وكيلا لوزارة التخطيط، ثم وزيرا للتخطيط في آخر حكومة من حكومات المملكة، وبعد مجيء القذافي تولى لسنوات رئاسة منظمة الأوبك.

    يقول المرحوم علي عتيقة : "وفي الفترة نفسها توليت شخصيا إعداد تقرير البنك السنوي الرابع الذي تناول بالعرض والتحليل لأول مرة التطورات الاقتصادية العالمية مع التركيز على الاقتصاد الليبي وتطوره بعد دخول شركات النفط للاستكشاف والعثور على مكامن النفط في منطقتي العطشان أولا وخليج سرت ثانيا. أوضح التقرير طبيعة الاقتصاد المزدوج بين قطاع التجارة والخدمات الذي كانت تسيطر عليه جهات أجنبية من بينها طليان ويهود، والقطاع التقليدي المتخلف الذي يكسب منه أغلبية السكان عيشهم"(2 ، ص 149).

الشاهد الثالث بالقاسم حفتر الفرجاني

   اشتهرت للمرحوم بالقاسم حفتر قصيدة جامعة مانعة بالخصوص تؤكد على غياب العدالة والإنصاف وتوجه الدولة لخدمة الأجنبي وعملائه، مطلعها(3 ، ص ...) :

الغرسة اللي [راويينها] بدمــــــــــانا

وين اثمرت  ما شي منها جــــــــــانا

   يقول فيها :

الـغـرسة اللي راويـيـنـها بـدمــــاهـم

وين اثمرت ما شى منها جـــــــاهم

اللي في المســوع يـتـقوا بضـــناهــم

وباتوا بلا تكفين لا دفّـــــــــــــــــانة

ولا ارفعوا على الطليان نين فنــاهــم

رصاص الحبش والطير والهجّــانة

اللي ابذلــوا قل للسيد لا تنســـــاهــم

اليوم من جنابه طالبين العــــــــــانة

إن دارت الــدنــيــا هم اللي يلقـــاهم

را الدهر [متقلب] قليــل أمـــــــانة

الغرسة اللي ساقيينها بـــــدمــــانا

وين اثمرت ما شي منها جـــــــانا

حــــــلّــــــقــوا حــــــــــــــازوهــــا

واللي اسقطت من عرجونها لقطوها

وغِرْسَت امغـــــير اليوم يحسابوهــا

عيــون اللـتـايح قــاويـات امعــــــانا

وهي من زمان اسيادنا اغرســوهــا

ثلاثــيــن عــام وهي ادمـا ريـــــانة

التــاريخ يعرفهم اللي حـــــــامـــوها

ركابيـن ع اللي غـاليــات اثـــــمانه

اللي رخّـصوا لرواح نين فــــــدوها

اعيال البــــــــوادي حاملين الهــانة

الغرسة اللي ساقيينها بـــــدمــــانا

وين اثمرت ما شي منها جـــــــانا

انـــصـــــــار الــمــــــــــــــــــلـــة

اللي امعــانيين الكيــــــــد كــله كله

اليـوم مــن مصالـــح وطنا في غلـة

وما نـحســبوا هذا اردود اكفــــــانا

خــدامـــة عـــدو الــــدين بوبرطلــة

حتى ويــن باعـد ماسكــيــن مكــانه

وهـذا راه كي رتعـة ربيـــــع العلــة

حتى لـو زهـا لاســبد من ارديــانه

الغرسة اللي ساقيينها بـــــدمــــانا

وين اثمرت ما شي منها جـــــــانا

حــــــــــــاز رطـــــــــــــــــــــبــها

الحزب المخالف في اسنيــن تعبـها

يا ما جهر حـال غـايـته يــقـــــلبــها

لكن مثـبـتـها الله سـبـحـــــــــــــانه

اتهـندل امعا لجــناب ما يحســـبــها

وعـرجــونها يـثـقـل علي الــوزانة

خليك من الشياخة بات هو صاحبـها

الملك سامـحـه ما واخـذه بـعـفـــانة

ناس واجدة لو ملكنا [عاقبــــــــــها]

كان يتعب الشــناق والنـوشـــــــانة

الغرسة اللي ساقيينها بـــــدمــــانا

وين اثمرت ما شي منها جـــــــانا

غــــــرســة الحــــــــــــــــــريــــــة

لا انبتت بعــلي لا بمــاء مـسـقـيـــة

اروى عـرقها من دم [المجـاهديــة]

علي شانها كـم عـامـرة جـبـانــــــة

وكـم جيش جا واجد ورد شـــــويــة

عليه وين ماهــدوا اكـثر فـــــسدانه

فات الســلاح وروبة الـثـقــلــــــيــة

او فات المدافع في محاس مكانـــــه

أيــام والشويخ يقود في الحربــــيــة

كم يوم عــــز مــرتـبـه مــيـدانـــــه

وين ما يصادف جيش ليطالـــيــــــة

اصداف ذيب لِمْعيّز سرى بـجـديانه

لا يفـوت لا شـارف ولا اعجـميــــة

ولا يغيب عنه ذيب له في الحــــانة

بلاه قبل ما تقضي ولا مقــــضيـــة

اواليوم مندفن هاين عقاب زمـــانه

ماسكــين مطراحه الشنبــاشــــيــة

اللي للموظف لجنــبي زيـــــــــانة

الغرسة اللي ساقيينها بـــــدمــــانا

وين اثمرت ما شي منها جـــــــانا

اللي للموظف لجنبي تينـــــــــــاحة

وكان تم من الطليــان بيـه فـــراحة

وانكان [يشتري] في وطنهم رباحة

إن زال عندهم ديمه ارخاص اثمانه

الغرسة اللي ساقيينها بـــــدمــــانا

وين اثمرت ما شي منها جـــــــانا

الغرسة اللي راويينها يا ســـــــــيدي

قاعدين في عازة وحـال زهـــــيدي

ان جوا لحاكم المركز اتقول عبيـدي

علي سوالهم يبــقى امســـــــكر ذانه

ما اتقول شي حضروا نهار صهيدي

وجيــش العـدو ردوا بعد ازحــــفانه

وعاد في لجانب يضربوا تكمــــيدي

كم قيقني طاح وخذوا نــيشــــــــانه

ما ادفعو من شملول طاح شهيـــدي

[اللي] فـاهــقــة واسـع علي حبــانه

جايبه شرف مو جايبه تلمــــــــيدي

رغيب في ارضاء ربه يريد اجـنانه

ما جت الحرية بهالفـنـيـــــــــــــدي

وناس يعملوا في الفارغة مليــــــانة

الغرسة اللي ساقيينها بـــــدمــــانا

وين اثمرت ما شي منها جـــــــانا

واحــنـا اللي كـســـــــــــــــــــــرنا

جيش طاليا يا ما عليه حــــــــــدرنا

وما مـن اللي ما يـنفدوا ودرنـــــــا

اللي اغيابهم واخطورهم كــــــــدانا

وين ما اشـوينا للخــلا صـــــــدرنا

مهاجرين والسيد ادريس امعــــــانا

مِـتّبــعين مــا بيه الرسول امـــــرنا

ما نسلموا فَوْطانّــــا لعـــــــــــــدانا

الغرسة اللي ساقيينها بـــــدمــــانا

وين اثمرت ما شي منها جـــــــانا

القصيدة صادقة وقوية ولا تحتاج لشرح، ولكن ربما من الأفضل التوقف أمام بعض أبياتها :

اليـوم مــن مصالـــح وطنا في غلـة

وما نـحســبوا هذا اردود اكفــــــانا

في هذا البيت تتجلى خيبة الأمل في السنوسية ممثلة في إدريس السنوسي فهو المسؤول الأول والوحيد.

وهـذا راه كي رتعـة ربيـــــع العلـة

حتى لـو زهـا لاســبد من ارديــانه

هل في هذا البيت نبوءة بسقوط المملكة لافتقارها للعدالة والإنصاف؟

هناك أبيات أخرى ربما وقع الشاعر فيها ضحية التزييف للتاريخ مثل :

وهي من زمان اسيادنا اغرسـوهــا

(ثلاثــيــن)؟ عـام وهي ادمـا ريـانة

بعيدا عن التزييف فإن الأسياد لم يخسروا شيئا بل جنوا ثمارها جاهزة، ويرد على هذا البيت البيتان التاليان :

التــاريخ يعرفهم اللي حـــــــامـــوها

ركابيـن ع اللي غـاليــات اثـــــمانه

اللي رخّـصوا لرواح نين فـــــــدوها

اعيال البــــــــوادي حاملين الهــانة

من الأبيات التي جاءت ربما بسبب التزييف أيضا ولا لوم على الشاعر في ذلك فالتزييف والتلميع كانا متقنين ومكثفين :

وين ما اشـوينا للخــلا صـــــــــدرنا

مهاجرين والسيد ادريس امعــــــانا

    في الواقع أن قادة السنوسية تسربوا مبكرا من ميدان الجهاد واحدا تلو الآخر ومنهم من تعاون مع إيطاليا.

الشاهد الرابع الشاعر جعفر الحبوني، الذي يلخص فلسفته ــ التي تعبر عن حبه للصراحة والشفافية وخلفيته الدينية، والتي ظل مخلصا لها طول حياته ــ في الأبيات الأتية(4 ، ص 5)  :

الــديــــــــــــن نــــصــــــــوحــــــة

ورا الحي ما يـنظـر نـواقـص روحه

لـو كـان الـصـراحة بـيـنا مـطـروحة

تـبـرا جـمـيـع نـفـوســـنـــــا مـن داها

ورا الـدود مـا يـدخـل اللي مـفـتـوحـة

واللي مـسـكـرة يـفـسـد نـسـوم هـواها

      تناول المرحوم جعفر الحبوني في شعره فيما يخص الشأن المحلي : (1)الفساد الاقتصادي والتفاوت الطبقي و(2)سيطرة العنصر الأجنبي وغياب العدالة والإنصاف و(3)القواعد الأجنبية ، وما يهمنا هنا هو ما جاء في رقم(1) ، (2)، والمختارات الآتية من ديوانه (نور العدالة) :

من قصيدة ألفها سنة 1953 م يقول(5 ، ص 3) :

أيام قبل ما نحــسب إلا الـحــــــــرية

امعـيشـة عــداله للعـرب جـمـــلـيـة

نـحـســـبـوا مـعـــنــــــــــــــاهـــــــا

منصوب ع العـداله والــرخا مبناها

بعــنا عــزيز الـروح في ســـــــباها

واحـنـا انجـاهدوا بالـمـال والــذرية

ارقـود العـقـيـلة نايـمـيـن افـــــــداها

واموات البـريـقـة يشهدوا جـمـلـيـة

كـمـيـن هـول صار لنا أو لا طـلناها

وانصف الله أو جـابـهـا بالـــنـــــيـة

لكن اللي [جانا] امـغيـر اســـــــماها

مكسبها الواحـد في اعـداد الـمــــيـة

اللي ماينــوا طــالوا حــدود امـنــاها

واللي دافـعـوا تـموا امـغـير رعـيـة

    ومن هذه القصيدة يتضح صدق حدس الشاعر وتفطنه مبكرا (1953) إلى وجود خلل ما، ربما في التأسيس، وعليه فإن هذه الدولة لن تكون لا منصفة ولا عادلة.

ومن قصيدة أخرى بدون تاريخ يقول(5 ، ص 6) :

او يـارب يا محيي اعظام الرمـــــــة

او منجى اصحـاب الغار م الجهـلية

را الظلم جانا من انظاف العمــــــــة

لباست الـمـعارق تحـت م الطـاقـيـة

    وهذان البيتان يصل بهما الشاعر إلى أعلى درجات الجرأة دون أن يتخلى عن الموضوعية؛ فلباسة العمة وواضعو الشنة فوق المعرقة هم السنوسيون، والشاعر يشهد الله أنهم مصدر الظلم كله، ولكن موضوعيته تجعله يقر لهم بنظافة اللباس (العمة) التي لا علاقة لها بنظافة السلوك والسرائر بالضرورة؛ بهذين البيتين يكشف جعفر الحبوني عن مستوى رفيع من الوعي يمكنه من الفصل بين الانتمائين : البرقاوي والسنوسي، هذا المستوى من الوعي يفتقر له جل إن لم يكن كل من ينادون بحقوق برقة الآن.

ومن قصيدة البحر 1956 يقول(5 ، ص 15)  :

هـــاج البحـــر عنـدي بعــد تهويدة

تغـيـظ وجـا دايـر أمـواج جـديــــدة

هـــــــــــــــــــــــــاج تـــقـــــــــــوا

مـتـغـيـظ وريـحـه لاعـبة لا جـــوه

قـل العـدالة هـو البــايـن تـــــــــــوا

والحـق ويـن مـتواري الناس تريده

هـذا وقـت يحمـينا الله من ســـــــوه

لا فـيـه خــيـر ولا اهـناك عـقـيـــدة

    العقيدة تعني هنا المصداقية في القول والفعل التي تبعث على الثقة.

وهذه أقصر قصيدة بالديوان(5 ، ص 16 ، 17)  :

حكام مرحباهم خطف كيف اتجيــهم

للخــيـر والـتـواضـع ربـنا يـهـديهـم

حــكـــــام مــــاهــم خـــيـــــــــــره

او لاهم مـعـانا نـاويـيـن ســتــيـــرة

غـايـرين في رزق الـعـباد امغيــرة

عـلى كل ما داروا الله يـكـفـيــــــهـم

حكام مرحباهم خطف كيف اتجيــهم

للخــيـر والـتـواضـع ربـنا يـهـديهـم

مــــرحـــبــــــاهـم قـــــــــاصـــــر

او جـملة عـمـلهم ما امـوافق خاسـر

حكام في المناطق دايرين منــاصر

انصـار من قـبايلـهم ومنـهـم فـيــهـم

ان كان لك وساطة فالخبر تجــاسر

وان كان ما امعاك كتوف لا ترعيهم

مو عاد متواري عملهم خـــــــاسر

وبـقـل العـدالة كل حـد طــــــاريهم

الله يجـيـبهم في يــد عبد الناصـر

نـيـن العـدالة والشــرف يـــــوريهم

حكام مرحباهم خطف كيف اتجيــهم

للخــيـر والـتـواضـع ربـنا يـهـديهـم

 

    عام 2013، بعد نجاح المصريين بقيادة الفريق عبد الفتاح السيسي في التخلص من حكم الإخوان، انتشر ببرقة البيت التالي :

نبوا سيسي كي سيسيهم   يركب فيهم    جــملة لخوان يصفيهم

نبوا سيسي كي سيسيهم   يركب فيهم    بو كتف امعا صلابيهم

   كان مؤلف هذا البيت يأمل في ظهور نسخة محلية من السيسي، أما جعفر الحبوني في قصيدته هذه فإنه لا يريد نسخة محلية من جمال عبد الناصر بل يريده شخصيا يتدخل ليربي تلك الطغمة الحاكمة!.

    من قصيدة سميت (المجادلة) 1958 وهي عبارة عن حوار بين الشاعر والعقل(5 ، ص 19 ، 20) :

الشاعر :

أيــــــــش انـــــــــــديـــــــــــــــروا

احـنا نـنـزلوا والا مطـار نطــيـروا

وامعي الطــرق توا انريد انســـيروا

مــنحـاش العـدالة عـنـدنـا معــدومـة

غصـبا عـلـيـنـا في لامور انحـيــروا

مـتكـرهب الجو أو غـارقات انجومه

العقل :

خـــلـيـك جـــوّك صـــــــــــــــــافي

لانـك إيـســيــر أو لا وراك صفـافي

وخــلّي مشـاكـيـّك إيكــونـن خـــافي

تـبـيـيـن العـلل مـرات فـيـه نــدومة

حــريتــك امعاك ورايـتـك رفــرافي

تحــمـد الله ونعـمـــتـك مـتـمـــومـة

ما تـفـتــكر حـكـم [العــدو الجـافي]

أو حبـس العـقيلة والعـرب ملمومة؟

الشاعر :

خطّر عـليـك الخـيـر قـبـلـك نــاسي

حــبس العـقـيــلة والـعـذاب القـاسي

انـريد عدل في هاذاك يبـري بـاسي

في دارهـا فـاقـد تـريـس اقـــرومـة

مـنـشاب نـارهم مازال في مقبـاسي

راحـوا بـلاش وكـل شـي بـسـومـه

يـعــوض الله فيهم مخــــايـر ناسي

ضرابة العدو وقـتن ايشن اهجومه

 وفي قصيدة بتاريخ 1963م وقد سميت (شرح البترول) على علاقة بالقصيدة المشهور مطلعها : 

(ويــن ثـروة البــترول يا سـمسـارة

اللي ع الجـرايد نســـمـعوا بخبـاره)

يقول من قصيدة (شرح البترول) هذه(5 ، ص 23 ، 24) :

نـسـيـوا ابـريـقـة م العـقــول نـسـيـة

او دار العـقـيـلة وايـش صـار زمــان

او مـحـشـر سـلـوق ومـوتـنـا بالمـية

والمـقـرون مـا فـيـهـا فـنـوا فـرســان

او نـسـيوا ارواحـا طاهـرات زكـيـة

واليـوم اصـبـحوا صدقـان للطـلـيان

.............

..............

.............

..............

أفـــــراد استغلـوا فرصـتا وقـتـيـة

وأثـروا ثـراء فاحـش بلا حـسبــان

عــلالي ورقــاصات طــــلــيـانـية

او في كل شركة واخــذين مـكــان

أو داروا جـرر للنـاس لجنــــابــية

وتمـت عـلـيـنا دايـرة دنــــــــــدان

للمان والطليان أنصار للـفـاشـــية

اللي قـتـلـوا الحـريـم والصـبـيــان

عمال وطنا خــدام باليـومـــيــــــة

او جوني عليهم له اشراف او شان

اطــناشر جني لولادنا الـمـهــــــيـة

واخـريـسـتـو مهيته ما لها احددان

ان كان الحساب قـلـيـل ياخـذ مـيـة

من غـيـر الغـذا والـنـوم والـدخـان

او نيتـه علــينا كيف ســم الـحــيـة

والصـــل راه ما يـولد الا ثعبــــان

     وإذا كانت شهادة هذين الشاعرين بهذه الحسرة والشعور بالخذلان وهما لا يعلمان شيئا عن (دستور 1951)، فكيف لو علما بما حواه من أمور تؤكد على غياب العدالة والإنصاف؟ حتى بمقاييس قانون العدالة الانتقالية؟ إذ يبدو أن الـ(حتحات) كان واسعا لدرجة يتسع معها حتى للطليان أيضا!!، كيف لو علما بالمواد 8 ، 9 ، 21 حيث تحصل بها الطليان على الجنسية الليبية وحرية التبشير بالمسيحية؟، كيف لو علما بوجود الطليان بالعاصمة حيث القرب من المال والنفوذ وهما موجودان ببرقة المهمشة؟

المحاكمة أخلاقية براغماتية

    في تونس بو رقيبة وفي ليبيا إدريس السنوسي تم ترخيص دور الدعارة وصناعة الخمور وبيعها؛ بمنظور ديني : (حلال ، حرام)، كلا الرجلين وقع في ارتكاب المحرمات؛ ولكن لا يمكن إدانة الحبيب بو رقيبة من حيث اتهامه بالخداع برفع الشعار الديني ثم التخلي عنه، فقد كان الرجل من قبل وصوله للسلطة صادقا وصريحا، وقد قبل التوانسة فيما يبدو بنهجه العلماني الواضح، أما إدريس السنوسي فهو سليل حركة شعارها المعلن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومحاربة الفاحشة بكل الوسائل، وعلى هذا الشعار قاتل الناس معها ودفعوا باهض الأثمان وأوصلوها للسلطة.

     لقد خانت السنوسية وعودها الانتخابية، والخيانة مرة وموجعة، الخيانة تتربع على قمة هرم الخسة إن كان للخسة قمة، إن خيانة الوعود الانتخابية عند الشعوب الواعية تؤدي إلى إسقاط المرشح الفائز أو على الأقل إلى عدم إعادة انتخابه، ولا يكون ذلك بدوافع أخلاقية بحتة بل أخلاقية براغماتية : (نافع ، ضار)، فكيف لو أن هذا المرشح قد وصل للسلطة ليس بالتصويت بل بالدماء والمعاناة والتعاسة؟

    الذي يخون الشعار الديني ويتخلى عنه أشد خطورة ممن لا يرفع الشعار الديني أصلا، الأول يتجرأ على خيانة معبوده؛ ومن يخن معبوده الذي يعتقد به من السهل عليه أن يخون البشر؛ والمثل : (اللي ما يخاف من الله خاف منه) يعبر عن هذا المعنى أفضل تعبير.

    أضف إلى ذلك إن الخيانة لم تقتصر على التخلي عن الشعار الديني الصريح، بل امتدت إلى الشعار الوطني الممزوج بالديني، فالطليان أعداء الوطن والدين، المجرمون الجديرون بحربهم، كما كانت تقول السنوسية صاروا مواطنين ليبيين بفعل الدستور، ومن ذوي النفوذ الاقتصادي الواسع، (وشكلوا حزبين أحدهما فاشي مدعوم من روما)(6 ، ص 227)؛ وهم قنبلة موقوتة كجالية قد تنفجر حينما يختل الأمن كما اختل عام 2011م وما بعده حيث انفجرت قنابل موقوتة كثيرة.

..............................................................................

     للتهميش، اخترت طريقة سهلة وتقلل من حجم النص كما أراها، وقد وجدت مثالا عليها في كتاب نيكولاي بروشين : (تاريخ ليبيا من نهاية القرن التاسع عشر حتى عام 1969) ترجمة عماد حاتم منشورات مركز دراسة جهاد الليبيين ضد الغزو الإيطالي، ط؟، 1988؛ فقد استخدم على سبيل المثال (20 ، ص 91)، فالرقم الأول (20) يشير إلى رقم المرجع في قائمة المراجع؛ أما بخصوص الروابط فقد أشرت إليها هكذا : (8 ، ص ...) على سبيل المثال.

قائمة المراجع :

(1) مذكرات رئيس وزراء ليبيا الأسبق : مصطفى بن حليم، صفحات مطوية من تاريخ ليبيا السياسي، ط1، بريطانيا العظمى، 1992.

(2) د. علي أحمد عتيقة ، بين الإرادة والأمل ــ ذكريات وتجارب حياتي ، ط1 ، 2013 ، دار ورد الأردنية للنشر والتوزيع.

(3) قصيدة المرحوم بالقاسم حفتر على الرابط :

https://www.facebook.com/groups/396191326024322/posts/407229121587209/

(4) صحيفة الشلال / درنة ، العدد 328 بتاريخ 24/1/1424؛ وهناك خطأ في التاريخ فيما يخص السنة، والصحيح : 1425 م = 1996 ف، كما كان يؤرخ في تلك الحقبة.

(5) جعفر الحبوني ، نور العدالة ، ط1، 1974، بدون تحديد جهة النشر.

(6) د. الحسيني الحُسيني معدي، الملك محمد إدريس السنوسي : حياته وعصره، ط1، 1433 هـ ــ 2012 م، منشورات كنوز للنشر والتوزيع ــ مصر.

 

29/3/2023

محتويات المدونة (الفهرس)

 بدون ترقيم ولكن ترتيبه في النشر يأتي بعد المقال رقم 42 محتويات المدونة (الفهرس)      ملاحظة : تاريخيا من الأقدم إلى الأحدث أنشأت ثلاث م...