السبت، 1 يناير 2022

معالجات ما قبل الدستور (2) مبادرة

 

معالجات ما قبل الدستور

(2)

مبادرة الخطوة الأولى : مقر السلطة للجهة ذات النصيب الأدنى من السلطة

 

 

توقيت المبادرة والمعني بها

     هذه المبادرة موجهة لليبيا ما بعد انتهاء حالة الحرب والدخول في حالة استقرار الدولة وتوحدها وقبل تبني أي صيغة دستورية وموجهة لكل لمن له علاقة بصنع القرار ..  وهي لا تمثل الحل الشامل والوحيد ولكنها تمثل الخطوة الضرورية الأولى لتصحيح ما يبدو أخطاء مطبعية.

     وحيث أن توقيت طرح المبادرة يكون في الفترة بين ظهور بوادر موثوقة لدخول البلاد في مرحلة الاستقرار من جانب واعتماد الدستور الدائم بالاستفتاء الشعبي من جانب آخر .. وحيث أن بوادر الاستقرار آخذة في الظهور كما يبدو ونأمل فإنه قد آن أوان طرحها .. أوان الطرح ليس بالضرورة أوان التنفيذ.

فرضيات المبادرة (التشخيص)

     المبادرة تقول بصدق الفرضيات الآتية كتشخيص مبدئي لواقع الأزمة في ليبيا :

     المستوى الجهوي (أي مستوى المخاوف الجهوية بين غرب ليبيا وشرقها) هو أهم مستويات الصراع وأخطرها وأجدرها من ثم بالمعالجة ومعظم الصراعات الأخرى اتخذت تموضعا جهويا.

     أغلب أعضاء البرلمان من الجهة الغربية (نسبة ممثلي شرق ليبيا أي برقة في مجلس النواب 30% ونسبة ممثليه في مجلس الشيوخ في حال وجوده 33%) .. وإذا تم التخلي عن المحاصصة الحالية فإن الرئاسة ومعظم أعضاء الحكومة من نصيب غرب ليبيا أيضا .. باختصار معظم السلطة من غرب ليبيا ومقر السلطة أي العاصمة في هذه الجهة أيضا ولا شيء لشرقها.

الفكرة العامة للمبادرة (العلاج)

     من يشارك مقدم المبادرة الاقتناع بصدق الفرضيات السابقة كتشخيص للأزمة يمكنه تخمين الفكرة العامة للمبادرة التي تقدم كخطوة أولى لعلاج لهذه الأزمة .. فحيث أن الصراع الجهوي هو أهم الصراعات في ليبيا وهو ثنائي .. وحيث يلاحظ استحواذ إحدى الجهتين على معظم السلطة ومقرها أي العاصمة فإن هذه الأخيرة ينبغي نقلها إلى الجهة ذات النصيب الأدنى من السلطة كتعويض عادل.

     بعبارة أخرى بما أن نصيب برقة من السلطة على هذه الدرجة من التدني فينبغي تعويضها بجعل مقر السلطة أي العاصمة بها إذا أردنا خلق حالة من التوازن والعدل والطمأنينة الجهوية قبل الشروع في الاستفتاء على أي صيغة دستورية.

مبررات تغيير العاصمة

    قد يفاجأ البعض وخاصة من أبناء العاصمة بمقترح نقلها ..  وقد يستغرب بعض أبناء إقليم طرابلس عموما المطالبة بنقلها إلى برقة .. هؤلاء عليهم الانتباه إلى أن لهذا المقترح مبررات كثيرة نستعرض بعضها فيما يلي :

1 ــ في الواقع إذا ما تجاوزنا الوضع الاستثنائي الحالي فإن غرب ليبيا لن يستأثر بالبرلمان (السلطة التشريعية) فحسب بل من المتوقع استحواذه على منصب رئيس الدولة والجزء الأكبر من باقي السلطة التنفيذية .. اختصارا غرب ليبيا سوف يستحوذ على معظم السلطة وليس من العدل أن يستحوذ على مقر السلطة أيضا.

2 ــ نقل العاصمة إلى برقة سوف يساهم في التخفيف من حدة الصراع الجهوي لوجود أغلب المسؤولين وهم من الجهة الغربية في شرق ليبيا.

3 ــ تغيير العاصمة ليس خرقا لأمر توقيفي مقدس وقد غيرت كثير من الدول في القرن الحالي والقرن الذي قبله عواصمها وبعضها غير العاصمة في هذه الفترة أكثر من مرة مثل باكستان وتركيا .. وهناك عواصم بنيت من الصفر مثل عواصم كازاخستان ومصر والبرازيل .. وقد تحولت العاصمة الليبية حديثا من عاصمتين إلى ثلاث عواصم ثم إلى عاصمة واحدة طرابلس ثم انتقلت لسرت لفترة.   

4 ــ لا سند دستوري يجعل من طرابلس عاصمة وحيدة في أي دستور معتمد باستفتاء الشعب .. حيث أن كل الدساتير والإعلانات الدستورية لم تعرض للاستفتاء.

5 ــ من مصلحة أهل طرابلس (المدينة) التخلص من عبء العاصمة بنقلها .. خاصة وأن قوى كثيرة من داخلها وخارجها تتكالب للسيطرة عليها .. نقل العاصمة سوف يفاجئ تلك القوى المحلية والدولية ويحبط مخططاتها .. إنه يشبه نقل الملك في لعبة الشطرنج بحركة (التبييت) المعروفة التي تفاجئ الخصم وتحبط خططه .. أي لنقم بتبييت العاصمة .. وليكن تبييتا طويلا!.

6 ــ المطالبة بنقل العاصمة إلى برقة تراعي القاعدة الفقهية : (لا ضرر ولا ضرار) : فلا خطر ولا خوف على غرب ليبيا سوا أكانت العاصمة به أم ببرقة .. إذ أن التفوق في البرلمان وباقي السلطة يحميه من إساءة استغلال العاصمة جهويا.

7 ــ شرق ليبيا أكثر تمثيلا لليبيا حيث يندر وجود قبيلة في طرابلس أو فزان لا يوجد جزء منها في برقة .. ولذلك فبرقة ليبيا مصغرة وهي على ذلك أحق بالعاصمة.

8 ــ ثمة ما يمكن تسميته بروح المكان .. فعلى سبيل المثال حينما كانت السلطة التشريعية بطرابلس صدر عنها قانون العزل السياسي والقرار رقم 7 .. وحينما صارت ببرقة صدر عنها قانون إلغاء العزل السياسي وقانون العفو العام .. ولعل هذه الروح الإيجابية تلقي بظلالها على العاصمة وعلى البلاد برمتها.

    أما بخصوص سرت التي يقترحها البعض كعاصمة بديلة فثمة أسباب تمنع من تنفيذ هذا المقترح .. منها :

1 ــ وقوع سرت على البحر ما يجعلها أقل أمنا .. على سبيل المثال نقلت تركيا عاصمتها من اسطنبول إلى أنقرة بسبب وقوع الأولى على الأطراف وعلى البحر تحديدا.

2 ــ نقلت العاصمة من قبل إلى سرت وأعادها لوبي المركزية والجهوية إلى طرابلس مرة أخرى وفي وجود معمر القذافي نفسه وعلى عكس رغبته .. والخشية قائمة من تكرر الأمر.

3 ــ نقل العاصمة إلى سرت ــ التي هي تاريخيا جزء من إقليم طرابلس ــ لا يحقق المستهدف من هذه المبادرة من حيث إعطاء العاصمة لشرق ليبيا تعويضا له على نصيبه المتدني من السلطة.

ما ينبغي مراعاته في الدستور

       بالإضافة إلى النص بمادة دستورية محصنة على العاصمة ببرقة ولا ينص على أي عاصمة سواها بأي صفة أو لقب من الألقاب عاصمة وحيدة بها كل السلطات والمؤسسات بدون استثناء .. فيكفي أن يراعى في الدستور المبادئ العامة الآتية :

1 ــ المعيار السكاني فيما يخص التمثيل البرلماني.

2 ــ تجنب المواد التي إنما وضعت إلا للمفاضلة الصريحة أو الضمنية بين الأقاليم أو للإضرار بأحدها.

3 ــ تجنب التعقيد بمعنى أن الأخذ على سبيل المثال بالغرفة الواحدة بالبرلمان أفضل من الأخذ بالغرفتين.

4 ــ تجنب الغريب والمتروك من الحلول الدستورية مثل توزيع المؤسسات جغرافيا.

5 ــ التأكيد ما أمكن على الوحدة الوطنية مثل جعل ليبيا في الانتخابات الرئاسية دائرة انتخابية واحدة.

6 ــ تجنب المحاصصة في المواقع المهمة.

7 ــ إرساء وتأكيد مبدأ المواطنة والاستحقاق والجدارة والآليات العادلة مثل الانتخاب والامتحان والقرعة وتكافؤ الفرص بين المواطنين والأخذ بالمعايير العلمية .. وتجريم الواسطة والمحسوبية والجهوية وإعطاء فرصة للطعون .. ومتابعة تطبيق ذلك قضائيا من حيث النظر في الطعون والتظلمات والفصل فيها.

نقاط تستحق التركيز والملاحظة

1 ــ مبادرة (مقر السلطة للجهة ذات النصيب الأدنى من السلطة) كما تم بيانه خطوة أولى وليست وحيدة .. ينبغي أن تسبق أي خطوات أخرى لحل الصراع الجهوي وغيره من الصراعات وتسبق وضع الدستور أيضا ولا يغني عنها أبدا لا تبني الفيدرالية ولا اللا مركزية أو توسيع صلاحيات الحكم المحلي ولا توزيع المؤسسات جغرافيا لأنها حلول تلفيقية في الغالب ومن السهل إلغاؤها حينما يقرر غرب ليبيا المهيمن ذلك لأنه يمتلك الآن (معظم السلطة ومقرها).

2 ــ هذه المبادرة قابلة للتعايش مع غيرها من المبادرات فهي لا تتعارض على سبيل المثال مع الفيدرالية  بشرط أن تكون الأسبقية لهذه المبادرة.

3 ــ هذه المبادرة لا تدعو إلى المحاصصة الإقليمية أو الجهوية في المواقع والفرص .. فهذا النوع من المحاصصة بالإضافة إلى أنه يورطنا في النموذج اللبناني من تركزها في عدد محدود من الأسر تحتكر تمثيل كل إقليم على حدة فأنها تخدم الأشخاص لا الشعب وقد تؤدي في خضم التكالب على شغل تلك المواقع إلى استخدام الكولسة والمال الفاسد واللعب على الجهوية الثلاثية بعدد الأقاليم وزيادة حدتها لاتخاذها مطية من أجل تحقيق مصالح البعض الشخصية وغير ذلك من الأساليب والوسائل القذرة .. كما قد تؤدي إلى إشعال الحروب القبلية والمناطقية في كل إقليم على حدة في خضم التكالب على الفوز بها.

4 ــ قبول غرب ليبيا بنقل العاصمة إلى برقة بداية مشكوك فيه بقوة لحدة الصراع الجهوي  لكن هذا التوقع لا ينبغي أن يشكل مانعا من طرح هذه المبادرة .. وبما أنها مقنعة ومنصفة في ذاتها فإن كل محاولة لرفضها سوف تكون محاولة مفضوحة لن تصمد أمام مؤيدي هذه المبادرة طويلا.

كيفية المطالبة بنقل العاصمة

     تكون المطالبة بوسائل عديدة منها إطلاق حراك على مستوى ليبيا يدعم ما جاء بهذه المبادرة على وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام يمكن تسميته بـ (حراك نقل العاصمة) .. كما تكون بطرحها على لجان المفاوضات والحوار.

      كما تكون بالمشاركة بكثافة في أي استفتاء على الدستور حسب القانون رقم (6) لسنة 2018 الصادر عن مجلس النواب .. وذلك بالتصويت بـ (لا) ما لم يسبقه نقل العاصمة إلى برقة تحت شعار : لا دستور قبل نقل العاصمة إلى برقة .. كما تكون بالتصويت لصالح المرشح للانتخابات الرئاسية أو البرلمانية الذي يتوسم فيه الصدق بنقل العاصمة إلى برقة .. فإذا نقلت العاصمة يمكن بعد ذلك قبول أية صيغة للدستور تراعي المبادئ التي أشير إليها سابقا.

هناك تعليق واحد:

  1. السلام عليكم
    احسنت أستاذ عبدالله على هذا الطرح الجميل و هي مبادرة تستحق النقاش بصدر مفتوح و السريرة نظيفه بعيدا عن الإصطفاف و الجهوية المقيتة. أحييك أستاذ عبدالله و لعل هذه المبادرة تطرح لنقاش هادف و معمق و الأفكار تتلاقح و هناك خيرين في هذا الوطن الجميل. لعلنا نتعلم من تجارب الآخرين و نبني وطنا على أساس المواطنة و ليس المحاصصة.

    ردحذف

محتويات المدونة (الفهرس)

 بدون ترقيم ولكن ترتيبه في النشر يأتي بعد المقال رقم 42 محتويات المدونة (الفهرس)      ملاحظة : تاريخيا من الأقدم إلى الأحدث أنشأت ثلاث م...