الأربعاء، 21 يونيو 2023

كلام الروايات في كلامنا

 

كلام الروايات في كلامنا

 

      الأسرة فاحشة الثراء مكونة من أب وأم فاحشي التعلق ببنتهما المراهقة التي لا شريك لها .. فتاة فاحشة الجمال والدلع .. ولسوء حظ الوالدين تقع الفتاة في حب شاب فاحش الفقر والتعاسة .. يحاول الوالدان إقناعها ديمقراطيا بالعدول عن قرارها .. والفتاة ترد دائما بأنها تحب فلانا وهو يحبها وأن الحب قادر على صنع المعجزات وقادر على تذويب التفاوت الطبقي .. والحب .. والحب .. والحب .. يرد الوالدان : يا حبيبتي أنت اتصدقي الكلام ده؟! .. دا كلام روايات .. هذه القصة تتكرر في الدراما والسينما المصريتين .. وربما في غيرهما.

    إذن ثمة نوعان على الأقل من الكلام : نوع أول : كلام صادق قابل للتطبيق .. ونوع ثان : كلام جميل وإنساني ولكنه لا يمكن تطبيقه .. وهذا النوع الثاني هو ما يصدق عليه وصفه بكلام روايات.

     في حياتنا نستهلك كميات كبيرة من الكلام من النوعين ولا مشكلة في ذلك .. فقليل من الأكاذيب والأوهام أحيانا لا يضر .. المشكلة حقا في عدم التفريق بين النوعين عند البعض وإصرارهم على ترويج كلام الروايات على أنه كلام قابل للتطبيق وهذا يؤدي إلى نتيجتين :

1 ــ يصدق البعض هذا الترويج ويؤيد تطبيقه ليس على الأفراد فحسب بل على الشعب من خلال القوانين والدساتير.

2 ــ يرفض البعض الآخر تطبيقه فيتهم بالتخلف واللا إنسانية والعنصرية .. وهي تهمة لا تخلو من مسحة إرهابية.

     الخطورة الكبرى تكمن في الاحتمال الأول أو النتيجة الأولى .. فليس من الأخلاق أن نجعل قناعتنا غير المدروسة موضوعا للتجريب على الشعوب .. إنه موقف خال تماما من الإحساس بالمسؤولية .. الشعوب ليست مزرعة تجارب .. والتجربة الحمقاء قد تظهر آثارها السيئة أحيانا بعد فترة زمنية طويلة قد تصل إلى عدة قرون.

التعددية وكلام الروايات

    هل الدعوة للتعددية العرقية والدينية مثلا (المقصود هنا التعددية المستحدثة لا التعددية القائمة كأمر واقع) من النوع الأول أم النوع الثاني من الكلام؟ .. المشكلة إذا صنفنا هذه الدعوة ضمن النوع الأول خطأ وشرعنا في تطبيقها وتجريبها على الشعب .. من الملاحظة المباشرة وبالمقارنة فنحن شعب معظمه عرب ويدين كله بالإسلام وأغلبه على المذهب المالكي ومع كل هذا ها نحن نرى الدماء والدمار الناتجين عن صراعنا .. فماذا يكون حالنا لو أننا كنا حقا متعددي الأعراق والأديان والمذاهب؟!.

هل نجونا بأعجوبة؟

    في دستوري المملكة (دستور 1951 ودستور 1963) كانت المادة (21) :

    «حرية الاعتقاد مطلقة وتحترم الدولة جميع الأديان والمذاهب وتكفل لليبيين وللأجانب المقيمين في أرضها حرية العقيدة والقيام بشعائر الأديان على أن لا يخل ذلك بالنظام العام ولا ينافي الآداب».

     والمادة (197) :

     «لا يجوز اقتراح تنقيح الأحكام الخاصة بشكل الحكم الملكي وبنظام وراثة العرش وبالحكم النيابي وبمبادئ الحرية والمساواة التي يكفلها هذا الدستور».

     المادة 21 المحمية من التعديل بالمادة 197 تحمي أي مواطن في عهد المملكة يرغب في التحول إلى المسيحية أو البوذية أو البهائية أو التشيع .. والشرط : «على أن لا يخل ذلك بالنظام العام ولا ينافي الآداب» شرط فضفاض.

     هذه المادة (21) من حيث التصنيف أهي من النوع الأول؟ أم الثاني؟ .. وإذا كانت من الثاني أليس في سنها مقامرة بالشعب واستخفافا بمستقبله من قبل من يسمون بالآباء المؤسسين؟

بضاعة ليست للاستهلاك المحلي

      أنا بمنظور فكري (كمواطن مفرد) مع حرية العقيدة ولكن بمنظور أمني (كمواطن جمعي قابل للتأين) متوجس منها خيفة لما أرى من معاناة المجتمعات المتعددة الأعراق والأديان والمذاهب وهشاشتها ربما لأن المستهترين في تجاربهم اللا مسؤولة على الشعوب لم يضعوا في حسابهم سلوك المواطن المتأين أو الجمعي .. فالتعددية ليست دائما كما يروج مصدر قوة.

     تقليعة التعددية جاءتنا ضمن الصادرات الأوربية وإذا أردنا التوسع (ضمن صادرات ما يسمى بالعالم الحر) . وهي كما يبدو سلعة معدة للتصدير لا للاستهلاك المحلي .. الأدلة على ترجيح هذا الاحتمال مشاهدة من واقع أوروبا المعاصر .. تبدو أوروبا قارة هادئة متجانسة آمنة .. فهل هي كذلك؟ .. الحالة الآمنة في أوروبا تشبه نظيرتها في ليبيا في عهد معمر .. إنه الأمن الإجباري لا الأمن الاختياري .. بمعنى أنه حين غياب القبضة الأمنية من شبه المؤكد أن يجري في أوروبا من العنف ما يفوق العنف في ليبيا حينما غابت قبضة معمر الأمنية .. لماذا نلجأ للتخمين؟ لقد شهدنا ذلك بالفعل .. بعد وفاة جوزيف بروز تيتو وغياب قبضته الأمنية رأينا الجرائم والفظائع التي ارتكبت في يوغسلافيا الموجودة بقلب أوروبا .. وكانت هذه الفظائع نتيجة لتجربة تعددية فرضت بالقوة منذ قرون سابقة .. ورأينا العنف المرتكب من قبل إقليم الباسك على مدى عقود وكيف قمع بالقبضة الحديدية .. كذلك عنف الجيش الجمهوري الأيرلندي وكيف قمع بالكيفية ذاتها .. وهناك أقاليم أخرى في أوروبا ترغب في الاستقلال وهي تنتظر ارتخاء القبضة الأمنية .. بالإضافة إلى النازيين الجدد .. وعلى مستوى الأديان فالوجود الإسلامي المتزايد في أوروبا سيجد نفسه في صدام حتمي مع غيره من المكونات إما في غياب القبضة الأمنية أو أن الصدام سوف يؤدي إلى غيابها.

     بالإضافة إلى موقف السلطات المعادي للمهاجرين والمتجلي في رشوة أردوغان بستة مليارات يورو سنوية مقابل منع المهاجرين وتقبل الاتحاد الأوروبي معمر القذافي على مضض لتحقيق بعض المصالح أهمها حماية أوروبا من المهاجرين .. والموقف المعادي من الشعوب والمتجلي في المظاهرات وانتخاب المرشحين الذين يضمنون برامجهم منع الهجرة.

     والأمر يشمل أمريكا أيضا وجدار ترامب شاهد على ذلك.

    المرء الجدير بصفة السوي لا يحاول التمتيع بسيارته وبها أسرته مهما كانت خبرته وإتقانه لهذا الفن .. أي لا يخضع أسرته لتجربة ولو كانت نسبة الخطأ بالغة الضآلة .. فكيف نسمح لأنفسنا بالتمتيع بالشعوب؟ .. السؤال موجه إلى من يسمون بالآباء المؤسسين القدامى والجدد أيضا.

7/2/2023 :

لفهم المقصود بالمواطن المفرد والمواطن الجمعي أو المتأين يفضل الدخول على الرابط التالي :

http://abdullahharunabdullah.blogspot.com/2021/12/1_31.html

  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

محتويات المدونة (الفهرس)

 بدون ترقيم ولكن ترتيبه في النشر يأتي بعد المقال رقم 42 محتويات المدونة (الفهرس)      ملاحظة : تاريخيا من الأقدم إلى الأحدث أنشأت ثلاث م...