السبت، 1 يناير 2022

مبادرة مقر السلطة للجهة ذات النصيب الأدنى من السلطة ملخصة

 

مبادرة الخطوة الأولى : مقر السلطة للجهة ذات النصيب الأدنى من السلطة

ملخصة

توصيف واقع الحال في ليبيا الآن :

1 ــ هناك صراعات كثيرة في ليبيا ولكن أهمها الصراع الجهوي وهو ثنائي (غرب وشرق) بصرف النظر عن عدد الأقاليم.

2 ــ تتمتع الجهة الغربية بالأغلبية في عدد الأقاليم والأغلبية السكانية ولذلك فمعظم أعضاء البرلمان بغرفة أو غرفتين من نصيب الجهة الغربية : (نصيب برقة في مجلس النواب 30% ونصيبها في مجلس الشيوخ في حال وجوده 33%).

3 ــ في حالة استقرار ليبيا فإن موقع رئيس الدولة من نصيب المنطقة الغربية وكذلك معظم أعضاء باقي السلطة التنفيذية وخاصة بعد التخلي عن المحاصصة.

4 ــ اختصارا معظم مكونات السلطة التشريعية والتنفيذية من المنطقة الغربية .. كما أن العاصمة مقر السلطات الآن بالمنطقة الغربية أيضا.

    على ما سبق فهناك خلل في العدالة الجهوية أو التوازن الجهوي .. إذ أن السلطة ومقرها في جهة واحدة.

الحلول المقترحة لمعالجة هذا الخلل في التوازن الجهوي :

     طرحت أربعة تصورات على النحو الآتي :

1 ــ بدعة العاصمتين (تصور قديم جديد) .. أعيد طرح هذا التصور ضمنا من خلال المطالبة بالعودة لدستوري المملكة حيث المادة (188) الخاصة بالعاصمتين ، 2 ــ بدعة توزيع مؤسسات الدولة جغــرافيا ، 3 ــ الفيدرالية ، 4 ــ اللا مركــزية أو توسيع صلاحيات الحكم المحلي.

     أول ما يلاحظ على هذه المعالجات الأربع دورانها على العاصمة وإن لم يصرح بذلك : ففي المعالجة رقم (1) محاولة استنساخ العاصمة .. وفي رقم (2) محاولة تفتيتها .. وفي رقم (3) محاولة تقزيمها .. وفي رقم (4) محاولة التقليل من شأنها.

    وطرح تصور خامس لا علاقة له بالعاصمة ولكنه على علاقة قوية بالصراع الجهوي الثنائي المحور جهلا أو تزييفا إلى ثلاثي بعدد الأقاليم وهو المحاصصة في المواقع المهمة.

نقد الحلول المقترحة :

    التصورات الخمسة تشترك في قابليتها للإلغاء من قبل السلطة التشريعية متى أرادت ذلك مثلما ألغيت الفيدرالية في عهد المملكة .. وهذه السلطة مهيمن عليها (أغلبيتها) من غرب ليبيا ومقرها فيه.

     كما أن المحاصصة الإقليمية أو الجهوية في المواقع والفرص بالإضافة إلى أنها تورطنا في النموذج اللبناني من تركزها في عدد محدود من الأسر تحتكر تمثيل كل إقليم على حدة فأنها تخدم الأشخاص لا شعب الإقليم .. وقد تؤدي إلى تفجر الصراعات القبلية والمناطقية في كل إقليم على حدة في خضم التنافس على هذه المواقع.

طرح حل سادس من أحد طرفي الصراع الجهوي وهو ما يسميه مؤيدوه باستقلال برقة ويسميه معارضوه بانفصالها .. وهو طرح يطاله النقد أيضا والذي يمكن التوجه به إلى أبرز رموز الحل السادس مباشرة.

فما البديل عن الحلول الستة؟

اجتهادا في البحث عن الحل السابع (بالأحرى بداية الحل السابع) فهاهي مبادرة اختير لها من الأسماء :

مبادرة الخطوة الأولى : مقر السلطة للجهة ذات النصيب الأدنى من السلطة

لاحظ أنها مبادرة الخطوة الأولى وليست الخطوة الوحيدة.



يفضل الدخول على الروابط الآتية :

 معالجات ما قبل الدستور (1) الأخطاء المطبعية في المسألة الليبية

الرابط : http://abdullahharunabdullah.blogspot.com/2022/01/1.html

 

معالجات ما قبل الدستور (2) مبادرة الخطوة الأولى : مقر السلطة للجهة ذات النصيب الأدنى من السلطة

الرابط : http://abdullahharunabdullah.blogspot.com/2022/01/2_1.html

 

الصراع ثنائي أم ثلاثي؟ جهوي أم إقليمي؟

الرابط : http://abdullahharunabdullah.blogspot.com/2022/01/blog-post_1.html

 

اقتراح السيد خيري قدح أحد أبناء طرابلس نقل العاصمة منها

الرابط : https://www.facebook.com/kairi.gadah/posts/10217453642274563

 

اقتراح السيد البشير الكوت بنقل العاصمة من طرابلس وبناء عاصمة بوسط ليبيا

الرابط : https://archive2.libya-al-mostakbal.org/news/clicked/23495

 

عرض موسع لحالات تغيير العواصم وبنائها من الصفر والأسباب الدافعة لذلك على الموقع arabicpost.net

الرابط : https://arabicpost.net/%D8%AB%D9%82%D8%A7%D9%81%D8%A9/2019/02/07/%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B3%D8%A8%D8%A7%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%8A-%D8%AA%D8%AF%D9%81%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84-%D8%A5%D9%84%D9%89-%D8%AA%D8%BA%D9%8A%D9%8A%D8%B1-%D8%B9%D9%88%D8%A7%D8%B5


 

 

 

ثنائية أم ثلاثية؟

 

الصراع ثنائي أم ثلاثي؟ جهوي أم إقليمي؟

 

 

مغازلة الجهوية من خلال مغازلة أيقونتيها : الشنة الحمراء والشنة السوداء من قبل الشخصيات العامة اعتراف بجهوية الصراع وثنائيته




      دون العودة إلى الماضي الموغل في القدم حينما وقع غرب ليبيا بيد الفينيقيين وشرقها بيد الإغريق وجرى السباق المعروف لرسم الحدود بينهما ففي العصر الحديث من الشواهد والأدلة التي تؤكد بروز الجهوية الثنائية وخفوت الإقليمية الثلاثية الكثير وهذه بعضها :

1 ــ منذ سقوط دولة أولاد محمد في بداية القرن التاسع عشر وحتى نهاية الحرب العالمية الثانية ما كان يذكر في الوثائق دائما الإقليمان ويسميان بالقطرين وهما طرابلس وبرقة .. أما فزان فكان ينظر إليها غالبا كجزء من طرابلس مثلما ينظر للبطنان كجزء من برقة.

2 ــ حينما أعلن قيام الجمهورية الطرابلسية عام 1918 شكلت هيئتها التشريعية (مجلس الشورى) من أربعة وعشرين عضوا وضمت ممثلين عن المناطق بدون محاصصة من الزاوية حتى مرزق .. أي بالنظر إلى إقليم طرابلس الحالي (شمال طرابلس) وإقليم فزان كإقليم واحد وليسا إقليمين.

3 ــ كل الوثائق الموقعة من قبل زعماء طرابلس مع زعماء برقة قبل هزيمة إيطاليا وبعدها حيث بدأ التمهيد لاستقلال ليبيا وتوحيدها تحت زعامة الأمير إدريس السنوسي كانت تتحدث عن قطرين في ليبيا هما طرابلس وبرقة فقط.

4 ــ في دورة الأمم المتحدة التي انعقدت في شهر إبريل 1949 في مدينة ليك سكسيس والتي صوت فيها على مشروع بيفن ــ سفورزا حضر عن ليبيا وفدان : وفد برقاوي والآخر طرابلسي. 

 5 ــ وجدانيا أهل فزان ميالون لشمال طرابلس غالبا .. وهناك مثالان على الأقل على ذلك :

الأول : حينما اشتد الخلاف حول اختيار العاصمة في لجنة الستين عام 1951م .. حيث طالب ممثلو برقة بأن تكون العاصمة بنغازي وطالب ممثلو شمال طرابلس بأن تكون العاصمة طرابلس .. انحاز ممثلو فزان لاختيار طرابلس .. ولم يقترحوا سبها مثلا أو يقفوا على الحياد.

الثاني : في مسودة الدستور التي اعتمدت من الهيئة في 29/7/2017 تنازل ممثلو فزان لشمال طرابلس عن 6 مقاعد في مجلس الشيوخ ما أدى إلى اختلال المساواة في عدد المقاعد .. فصارت 20 مقعدا لفزان و26 مقعدا لبرقة و32 مقعدا لشمال طرابلس.

6 ــ بعد (استقلال) ليبيا تقاسمت النفوذ على أرضها ثلاث دول من دول الحلفاء المنتصرة!! هي بريطانيا في برقة وأمريكا في شمال طرابلس وفرنسا في جنوب طرابلس (فزان) .. ولكن لأن التقسيم الثلاثي مفتعل فقد خرجت فرنسا من فزان مبكرا كدليل على تشكل ليبيا من جهتين.

7 ــ ضعف أو انعدام التيار الفيدرالي في فزان رغم أنه من المفترض طبقا لحسابات المصالح وحقيقة التهميش أن يكون أبناء هذه المنطقة أشد حماسا للفيدرالية والمحاصصة من نظرائهم في برقة .. وهذا يؤكد على شعورهم الجمعي  بأنهم جزء من إقليم طرابلس.

8 ــ حينما حدث الانقسام السياسي بعد 2012 متجليا في انقسام مؤسسات الدولة كان انقساما ثنائيا لا ثلاثيا .. وهذا الانقسام الثنائي ليس جديدا .. فقد كانت له سابقة تعود لبدايات المملكة تمثلت في تلك البدعة الدستورية التي جعلت لليبيا عاصمتين.

9 ــ قلق الحدود بين طرابلس وفزان وعدم وضوحها .. بحيث نجد بعض المناطق تتبع الإقليم الأول في فترة ما وتتبع الثاني في فترة أخرى مثال ذلك منطقة الجفرة .. وهذا يؤكد وحدة فزان وطرابلس (شمال طرابلس).

10 ــ التمايز الجهوي يكون ثنائيا غالبا : غرب وشرق في بعض البلدان .. وشمال وجنوب في بعضها الآخر.

11 ــ التقسيم الشعبي يتحدث عن غرابا وشراقا.

12 ــ ما يؤكد هذه الثنائية تموضع معظم الصراعات الأخرى جهويا مثال ذلك تموضع صراع الإخوان وخصومهم .. فقد تركز الطرف الأول في غرب ليبيا بينما تركز الطرف الثاني في شرقها .. كذلك بخصوص ما حدث عام 2011 فقد تركز أنصار القذافي في غرب ليبيا .. والرتل الذي يقوده جبران الورفلي الذي وصل بنغازي لم يكن به أحد من شرق ليبيا .. والجرافات التي دعمت المتطرفين في بنغازي جاءت من جهة واحدة (غرب ليبيا) .. وقد توزع النفوذ الخارجي في العهد الحالي وعهد المملكة جهويا (غرب وشرق) .. والوجود الإيطالي بعد (الاستقلال) كان في جهة واحدة (غرب ليبيا) .. والصراع بين السنوسية وخصومهم المحليين (أشهرهم رمضان السويحلي) فهو صراع بين جهتين .. وغير ذلك الكثير.

لا بيعة في عنق الليبي

 

لا بيعة في عنق الليبي

     بداية وللتمهيد لليبيا جديدة بالفعل يفضل العمل على التخلص من الأوهام المعرقلة وأهمها وهم الوريث الشرعي والدستور الشرعي.

     الشرعية نوعان : الأولى : شرعية قانونية يحوزها الحاكم أو ولي الأمر بالاستفتاء أو بالانتخابات أو بالمراسيم من نظام أعلى منه (قديما الولاة من الخليفة وحديثا حاليا في ليبيا المجلس الرئاسي مما يسمى بالمجتمع الدولي وإن كانت مشروطة) .. والثانية : شرعية شعبية تتجلى في مظاهر التأييد الشعبي .. والأسرتان اللتان تتنازعان الشرعية المزعومة في ليبيا الآن هما الأسرة السنوسية الفرع المهدوي وأسرة معمر القذافي.

       فيما يخص إدريس السنوسي فإن الكيفية التي نصب بها كأول ملك لليبيا لم تكن بالانتخاب بل بموافقة مجموعة من الأشخاص وصفوا أنفسهم بالأعيان والذين لم ينتخبوا بدورهم .. ومنهم من اختاره إدريس نفسه .. وتحدثوا باسم الشعب بدون تفويض منه .. وكانت هذه هي الشرعية القانونية وهي تشبه البيعة في الدول الإسلامية الأولى .. وقد سميت في بعض الوثائق كذلك .. ولا ننسى أن ذلك كان بضغط أو على الأقل توجيه من قوى خارجية .. وصفق له الناس وهتفوا له في بدايات حكمه .. وكانت هذه هي الشرعية الشعبية.

       قامت الدولة الليبية (المملكة) كما يقول بعض الليبيين تفاخرا بقرار من الأمم المتحدة ولكن ما قد يراه البعض مدعاة للتفاخر كان من جهة أخرى مدعاة للخجل .. ثم أن ملابسات قيام الدولة هذه وعلى هذه الكيفية أخذت تنخر في جسمها مع عوامل أخرى حتى أسقطتها .. وتمثلت العوامل الأخرى في وجود القواعد العسكرية الأجنبية التي أدخلت النظام في صدام مع الشعب ومع محيطه وجعلت ليبيا ميدانا لصراع القوى الخارجية المتنافسة .. ومنها ظهور جمال عبد الناصر .. وصراعات العائلة السنوسية بل عداواتها البينية .. والدور الذي كان يقوم به إبراهيم الشلحي وأبناؤه .. وانحصار ولاية العرش في الفرع المهدوي القليل العدد مقارنة بالفرع الشريفي..  وعدم وجود خلف للملك من صلبه وغيرها.. وأقدم هذه العوامل ما يتعلق منها بالمشاكل البينية على مستوى العائلة السنوسية.

      فقد تولى إدريس منصبه مثقلا بعداوة قديمة متجددة بينه وبين بعض أبناء عمومته من الفرع الشريفي من أهم وأول أسبابها إخلاله بالعهد أو الميثاق الذي أعطاه لأحمد الشريف بتولية ابنه العربي أحمد الشريف ولاية العهد وذلك في نهاية الحرب العالمية الأولى ونصب إدريس أخاه محمد الرضا بدلا منه وليا لعهد الإمارة .. وبعد توليه حكم ليبيا أعاد تنصيب أخيه محمد الرضا وليا للعهد ولكن لعرش المملكة هذه المرة .. وتصاعد هذا العداء حتى توج بقتل ناظر خاصته الملكية إبراهيم الشلحي عام 1954م على يد أحد الشريفيين.

        وبعد مقتل إبراهيم الشلحي بعام توفي محمد الرضا فولي ابنه الحسن محمد الرضا العهد .. وكان شابا استطاع بعض الشريفيين تحريضه على الملك فأخذ يسخر منه فكان أن تجاهله وإن تركه في منصبه .. وقبل وفاة أخيه بقليل تزوج مرة ثانية طمعا في أن يكون له وريث من صلبه .. ولكنه لم يرزق بالوريث المنشود .. فزهد إدريس مجبرا في الملك  .. وقرر أن يترك الليبيين لمصيرهم .. وأعلن استقالته عام 1964م بحجة اعتلال الصحة والتقدم في السن .. وإن طرحت بعض الصحف الغربية حينها تفسيرا آخر لتلك الاستقالة لا علاقة له لا بالزهد في الحكم ولا بالصحة .. بل فسرته بمناورة سياسية على علاقة بتصفية القواعد العسكرية الأجنبية في تفاصيل لا يتسع المقام لذكرها .. وبضغط من بعض القيادات وتحشيدها للناس دفع للعدول عن الاستقالة.

       وقد تصاعدت في تلك الفترة المظاهرات المعارضة وخاصة في بنغازي .. وتكررت سنويا إحياء لذكرى ضحاياها وتردد فيها هتاف : حكم إبليس ولا حكم إدريس .. وفي ذلك بداية لسحب الشرعية الشعبية منه .. أما الشرعية القانونية فقد تنازل عنها للمرة الثانية والأخيرة مختارا وبقرار نهائي حينما كتب خطاب استقالته بتاريخ 4/8/1969 وعهد به للشيخ عبد الحميد العبار رئيس مجلس الشيوخ يومها .. على أن يقدمه إلى البرلمان في 2/9/1969 .. وترك لأعضائه حرية تنصيب ولي العهد الحسن ملكا لليبيا أو عدمه .. وكانت صلاحية البرلمان قد انتهت قبل ذلك في مايو 1969 .. وقد داهم الوقت والقذافي أعضاء البرلمان المنتهي الصلاحية فلم يتمكنوا من الفصل في الموضوع.

      بل إن شهادات من معاصرين تفيد بأن انقلابا يقوده أحد قادة الجيش هو العقيد عبد العزيز الشلحي كان معدا بعلم الملك وعلم ولي عهده وموافقتهما للإطاحة بالنظام الملكي برمته.

      وهذا كله يسقط صفة صاحب الحق أو الوريث الشرعي في حكم ليبيا التي يسبغها البعض على المدعو محمد الحسن الرضا المقيم ببريطانيا .. إذ أن النظام الملكي أسقط نفسه وأسقط حق الفرع المهدوي في الحكم من خلال الترتيبات التي سبقت استيلاء معمر القذافي على السلطة بقليل .. أما الفرع الشريفي فقد أقصي عن السلطة أصلا بفعل المراسيم الملكية الصادرة عن الملك في السنوات الأولى من عمر المملكة.

       وهكذا حينما جاء معمر القذافي كانت ليبيا في فراغ سياسي حقيقي .. وصفق الناس له في البداية وخرجت الجموع الكبيرة بعفوية لتأييده وفي ذلك تأكيد لنقل الشرعية الشعبية من إدريس إلى القذافي.

      جاء القذافي وقد حاز الشرعية الشعبية إذن .. وصار يمثل سلطة الأمر الواقع وفق وسيلة الانقلاب السلمي الرائج استخدامها حينذاك كصيغة مرتجلة للتداول السلمي أو شبه السلمي على السلطة .. وعام 1977م تنازل مختارا عن السلطة للشعب وظل يؤكد على ذلك حتى نهاية عهده التي شهدت مظاهرات تحولت إلى حراك مسلح ضده وضد حاشيته ضحى فيه جزء لا بأس به من الشعب بأبنائه .. وفي ذلك سحب واضح للشرعية الشعبية منه وتأكد هذا السحب بالترحيب بالمرحلة الجديدة في بدايتها .. أما الشرعية القانونية إن وجدت فقد تخلى القذافي عنها منذ عام 1977م .. بالإضافة إلى ما يحوم حول الوسيلة التي استولى بها على الحكم من شبهات.

     وهكذا فليس لأي أسرة من الأسرتين ولا لغيرهما الإدعاء بما يسمى بالحق الشرعي في حكم ليبيا. 

    نأتي إلى الحديث عن الدستور الذي يدندن حول شرعيته كثيرا : (دستور 1951 ، دستور 1963).

     أولا : نحتاج تصحيح خطأ يبدو متعمدا يتمثل في القول بأن ما جرى عام 1963 عبارة عن تعديل دستوري .. إن المتأمل للصيغة الجديدة يجد نفسه إزاء دستور جديد .. فالتغيير كان جوهريا نقل الدولة من الشكل الفيدرالي إلى شكل الدولة الموحدة .. وثمة مواد ملغاة وقد ثبتت أرقامها وحذفت نصوصها .. (وما يفعل المرء بالأرقام وقد ضاعت نصوصها؟!) .. وثمة مواد مضافة .. وبإحصاء بسيط نلاحظ أن عدد المواد المحذوفة هو 36 مادة .. وبما أن عدد مواد دستور 1951 هو 213 مادة فمن المتوقع أن يكون عدد مواد دستور 1963 هو 213 ــ 36 = 177مادة .. ولكن عدد مواد دستور 1963 هو 186مادة .. إذن تم حذف 36 مادة وإضافة 9 مواد .. وهناك تعديلات جزئية جوهرية أخرى .. بالإضافة إلى ما جاء في القانون رقم 1 لسنة 1963 ذي العلاقة الذي لا نعرف عنه شيئا  .. وهكذا فمن المغالطة القول بأن الذي حدث عام 1963 مجرد تعديل بسيط وليس دستورا جديدا.

ثانيا : هذان الدستوران لم يقرا باستفتاء شعبي .. ولم تضعهما لجنة منتخبة خصيصا لهذا الغرض.

ثالثا : أما فيما يتعلق باستمرار شرعيتهما فقد سقطت بسقوط النظام الملكي ليس على يد القذافي بل على يد الملك نفسه .. فالدستوران ساقطان بهذه الترتيبات الدرامية والصادرة عن السلطة التي قامت باعتمادهما أصلا والمتمثلة في الملك المستقيل والبرلمان المنتهي الصلاحية والتي لم تفرز بديلها.

رابعا : في حالة الأخذ بأحدهما لا اعترافا بشرعيته إذ لا شرعية له بل كسلا عن صياغة دستور جديد فمن الصعوبة بمكان إزالة شبح الملك منه .. إن الجهد المبذول في ذلك يعادل بل يفوق الجهد الذي يبذل في صياغة دستور جديد .. كما أن أي لجنة تشكل على مستوى ليبيا لتعديل أي دستور سابق أو لصياغة دستور جديد سوف تواجه العرقلة ذاتها التي واجهتها لجنة الستين الحالية بفعل حدة المخاوف الجهوية .. والعرقلة ذاتها سوف تواجهها أي مسودة تطرح للاستفتاء قد تصدر عن هذه اللجنة.

 

معالجات ما قبل الدستور (2) مبادرة

 

معالجات ما قبل الدستور

(2)

مبادرة الخطوة الأولى : مقر السلطة للجهة ذات النصيب الأدنى من السلطة

 

 

توقيت المبادرة والمعني بها

     هذه المبادرة موجهة لليبيا ما بعد انتهاء حالة الحرب والدخول في حالة استقرار الدولة وتوحدها وقبل تبني أي صيغة دستورية وموجهة لكل لمن له علاقة بصنع القرار ..  وهي لا تمثل الحل الشامل والوحيد ولكنها تمثل الخطوة الضرورية الأولى لتصحيح ما يبدو أخطاء مطبعية.

     وحيث أن توقيت طرح المبادرة يكون في الفترة بين ظهور بوادر موثوقة لدخول البلاد في مرحلة الاستقرار من جانب واعتماد الدستور الدائم بالاستفتاء الشعبي من جانب آخر .. وحيث أن بوادر الاستقرار آخذة في الظهور كما يبدو ونأمل فإنه قد آن أوان طرحها .. أوان الطرح ليس بالضرورة أوان التنفيذ.

فرضيات المبادرة (التشخيص)

     المبادرة تقول بصدق الفرضيات الآتية كتشخيص مبدئي لواقع الأزمة في ليبيا :

     المستوى الجهوي (أي مستوى المخاوف الجهوية بين غرب ليبيا وشرقها) هو أهم مستويات الصراع وأخطرها وأجدرها من ثم بالمعالجة ومعظم الصراعات الأخرى اتخذت تموضعا جهويا.

     أغلب أعضاء البرلمان من الجهة الغربية (نسبة ممثلي شرق ليبيا أي برقة في مجلس النواب 30% ونسبة ممثليه في مجلس الشيوخ في حال وجوده 33%) .. وإذا تم التخلي عن المحاصصة الحالية فإن الرئاسة ومعظم أعضاء الحكومة من نصيب غرب ليبيا أيضا .. باختصار معظم السلطة من غرب ليبيا ومقر السلطة أي العاصمة في هذه الجهة أيضا ولا شيء لشرقها.

الفكرة العامة للمبادرة (العلاج)

     من يشارك مقدم المبادرة الاقتناع بصدق الفرضيات السابقة كتشخيص للأزمة يمكنه تخمين الفكرة العامة للمبادرة التي تقدم كخطوة أولى لعلاج لهذه الأزمة .. فحيث أن الصراع الجهوي هو أهم الصراعات في ليبيا وهو ثنائي .. وحيث يلاحظ استحواذ إحدى الجهتين على معظم السلطة ومقرها أي العاصمة فإن هذه الأخيرة ينبغي نقلها إلى الجهة ذات النصيب الأدنى من السلطة كتعويض عادل.

     بعبارة أخرى بما أن نصيب برقة من السلطة على هذه الدرجة من التدني فينبغي تعويضها بجعل مقر السلطة أي العاصمة بها إذا أردنا خلق حالة من التوازن والعدل والطمأنينة الجهوية قبل الشروع في الاستفتاء على أي صيغة دستورية.

مبررات تغيير العاصمة

    قد يفاجأ البعض وخاصة من أبناء العاصمة بمقترح نقلها ..  وقد يستغرب بعض أبناء إقليم طرابلس عموما المطالبة بنقلها إلى برقة .. هؤلاء عليهم الانتباه إلى أن لهذا المقترح مبررات كثيرة نستعرض بعضها فيما يلي :

1 ــ في الواقع إذا ما تجاوزنا الوضع الاستثنائي الحالي فإن غرب ليبيا لن يستأثر بالبرلمان (السلطة التشريعية) فحسب بل من المتوقع استحواذه على منصب رئيس الدولة والجزء الأكبر من باقي السلطة التنفيذية .. اختصارا غرب ليبيا سوف يستحوذ على معظم السلطة وليس من العدل أن يستحوذ على مقر السلطة أيضا.

2 ــ نقل العاصمة إلى برقة سوف يساهم في التخفيف من حدة الصراع الجهوي لوجود أغلب المسؤولين وهم من الجهة الغربية في شرق ليبيا.

3 ــ تغيير العاصمة ليس خرقا لأمر توقيفي مقدس وقد غيرت كثير من الدول في القرن الحالي والقرن الذي قبله عواصمها وبعضها غير العاصمة في هذه الفترة أكثر من مرة مثل باكستان وتركيا .. وهناك عواصم بنيت من الصفر مثل عواصم كازاخستان ومصر والبرازيل .. وقد تحولت العاصمة الليبية حديثا من عاصمتين إلى ثلاث عواصم ثم إلى عاصمة واحدة طرابلس ثم انتقلت لسرت لفترة.   

4 ــ لا سند دستوري يجعل من طرابلس عاصمة وحيدة في أي دستور معتمد باستفتاء الشعب .. حيث أن كل الدساتير والإعلانات الدستورية لم تعرض للاستفتاء.

5 ــ من مصلحة أهل طرابلس (المدينة) التخلص من عبء العاصمة بنقلها .. خاصة وأن قوى كثيرة من داخلها وخارجها تتكالب للسيطرة عليها .. نقل العاصمة سوف يفاجئ تلك القوى المحلية والدولية ويحبط مخططاتها .. إنه يشبه نقل الملك في لعبة الشطرنج بحركة (التبييت) المعروفة التي تفاجئ الخصم وتحبط خططه .. أي لنقم بتبييت العاصمة .. وليكن تبييتا طويلا!.

6 ــ المطالبة بنقل العاصمة إلى برقة تراعي القاعدة الفقهية : (لا ضرر ولا ضرار) : فلا خطر ولا خوف على غرب ليبيا سوا أكانت العاصمة به أم ببرقة .. إذ أن التفوق في البرلمان وباقي السلطة يحميه من إساءة استغلال العاصمة جهويا.

7 ــ شرق ليبيا أكثر تمثيلا لليبيا حيث يندر وجود قبيلة في طرابلس أو فزان لا يوجد جزء منها في برقة .. ولذلك فبرقة ليبيا مصغرة وهي على ذلك أحق بالعاصمة.

8 ــ ثمة ما يمكن تسميته بروح المكان .. فعلى سبيل المثال حينما كانت السلطة التشريعية بطرابلس صدر عنها قانون العزل السياسي والقرار رقم 7 .. وحينما صارت ببرقة صدر عنها قانون إلغاء العزل السياسي وقانون العفو العام .. ولعل هذه الروح الإيجابية تلقي بظلالها على العاصمة وعلى البلاد برمتها.

    أما بخصوص سرت التي يقترحها البعض كعاصمة بديلة فثمة أسباب تمنع من تنفيذ هذا المقترح .. منها :

1 ــ وقوع سرت على البحر ما يجعلها أقل أمنا .. على سبيل المثال نقلت تركيا عاصمتها من اسطنبول إلى أنقرة بسبب وقوع الأولى على الأطراف وعلى البحر تحديدا.

2 ــ نقلت العاصمة من قبل إلى سرت وأعادها لوبي المركزية والجهوية إلى طرابلس مرة أخرى وفي وجود معمر القذافي نفسه وعلى عكس رغبته .. والخشية قائمة من تكرر الأمر.

3 ــ نقل العاصمة إلى سرت ــ التي هي تاريخيا جزء من إقليم طرابلس ــ لا يحقق المستهدف من هذه المبادرة من حيث إعطاء العاصمة لشرق ليبيا تعويضا له على نصيبه المتدني من السلطة.

ما ينبغي مراعاته في الدستور

       بالإضافة إلى النص بمادة دستورية محصنة على العاصمة ببرقة ولا ينص على أي عاصمة سواها بأي صفة أو لقب من الألقاب عاصمة وحيدة بها كل السلطات والمؤسسات بدون استثناء .. فيكفي أن يراعى في الدستور المبادئ العامة الآتية :

1 ــ المعيار السكاني فيما يخص التمثيل البرلماني.

2 ــ تجنب المواد التي إنما وضعت إلا للمفاضلة الصريحة أو الضمنية بين الأقاليم أو للإضرار بأحدها.

3 ــ تجنب التعقيد بمعنى أن الأخذ على سبيل المثال بالغرفة الواحدة بالبرلمان أفضل من الأخذ بالغرفتين.

4 ــ تجنب الغريب والمتروك من الحلول الدستورية مثل توزيع المؤسسات جغرافيا.

5 ــ التأكيد ما أمكن على الوحدة الوطنية مثل جعل ليبيا في الانتخابات الرئاسية دائرة انتخابية واحدة.

6 ــ تجنب المحاصصة في المواقع المهمة.

7 ــ إرساء وتأكيد مبدأ المواطنة والاستحقاق والجدارة والآليات العادلة مثل الانتخاب والامتحان والقرعة وتكافؤ الفرص بين المواطنين والأخذ بالمعايير العلمية .. وتجريم الواسطة والمحسوبية والجهوية وإعطاء فرصة للطعون .. ومتابعة تطبيق ذلك قضائيا من حيث النظر في الطعون والتظلمات والفصل فيها.

نقاط تستحق التركيز والملاحظة

1 ــ مبادرة (مقر السلطة للجهة ذات النصيب الأدنى من السلطة) كما تم بيانه خطوة أولى وليست وحيدة .. ينبغي أن تسبق أي خطوات أخرى لحل الصراع الجهوي وغيره من الصراعات وتسبق وضع الدستور أيضا ولا يغني عنها أبدا لا تبني الفيدرالية ولا اللا مركزية أو توسيع صلاحيات الحكم المحلي ولا توزيع المؤسسات جغرافيا لأنها حلول تلفيقية في الغالب ومن السهل إلغاؤها حينما يقرر غرب ليبيا المهيمن ذلك لأنه يمتلك الآن (معظم السلطة ومقرها).

2 ــ هذه المبادرة قابلة للتعايش مع غيرها من المبادرات فهي لا تتعارض على سبيل المثال مع الفيدرالية  بشرط أن تكون الأسبقية لهذه المبادرة.

3 ــ هذه المبادرة لا تدعو إلى المحاصصة الإقليمية أو الجهوية في المواقع والفرص .. فهذا النوع من المحاصصة بالإضافة إلى أنه يورطنا في النموذج اللبناني من تركزها في عدد محدود من الأسر تحتكر تمثيل كل إقليم على حدة فأنها تخدم الأشخاص لا الشعب وقد تؤدي في خضم التكالب على شغل تلك المواقع إلى استخدام الكولسة والمال الفاسد واللعب على الجهوية الثلاثية بعدد الأقاليم وزيادة حدتها لاتخاذها مطية من أجل تحقيق مصالح البعض الشخصية وغير ذلك من الأساليب والوسائل القذرة .. كما قد تؤدي إلى إشعال الحروب القبلية والمناطقية في كل إقليم على حدة في خضم التكالب على الفوز بها.

4 ــ قبول غرب ليبيا بنقل العاصمة إلى برقة بداية مشكوك فيه بقوة لحدة الصراع الجهوي  لكن هذا التوقع لا ينبغي أن يشكل مانعا من طرح هذه المبادرة .. وبما أنها مقنعة ومنصفة في ذاتها فإن كل محاولة لرفضها سوف تكون محاولة مفضوحة لن تصمد أمام مؤيدي هذه المبادرة طويلا.

كيفية المطالبة بنقل العاصمة

     تكون المطالبة بوسائل عديدة منها إطلاق حراك على مستوى ليبيا يدعم ما جاء بهذه المبادرة على وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام يمكن تسميته بـ (حراك نقل العاصمة) .. كما تكون بطرحها على لجان المفاوضات والحوار.

      كما تكون بالمشاركة بكثافة في أي استفتاء على الدستور حسب القانون رقم (6) لسنة 2018 الصادر عن مجلس النواب .. وذلك بالتصويت بـ (لا) ما لم يسبقه نقل العاصمة إلى برقة تحت شعار : لا دستور قبل نقل العاصمة إلى برقة .. كما تكون بالتصويت لصالح المرشح للانتخابات الرئاسية أو البرلمانية الذي يتوسم فيه الصدق بنقل العاصمة إلى برقة .. فإذا نقلت العاصمة يمكن بعد ذلك قبول أية صيغة للدستور تراعي المبادئ التي أشير إليها سابقا.

معالجات ما قبل الدستور (1) الأخطاء المطبعية في المسألة الليبية

 

معالجات ما قبل الدستور

 

(1)

 

الأخطاء المطبعية في المسألة الليبية

 

 

أين الخلل؟ في النص أم في الواقع؟

     التلميذ النجيب الواثق من نفسه يحاول حل المسألة الرياضية وعينه على النتيجة النهائية المعطاة بالصفحات الأخيرة من الكتاب المدرسي .. يحاول مرارا وتكرارا لكن النتيجة التي يصل إليها في كل مرة لا تتفق وتلك المفترضة بنهاية الكتاب .. يساوره الشك في نفسه ويغازله الإحباط .. ولا يخطر بباله أبدا أن الخطأ يكمن في معطيات المسألة .. ثمة أخطاء مطبعية فيها طوحت به بعيدا عن الحل المفترض.

    في مثل هذا الموقف وقعت كما يبدو لجنة الدستور الحالية .. لقد اجتهد الليبيون في الخطوات الصحيحة لاختيارها وأهمها جعلها منتخبة ومستقلة وممثلة للأقاليم لثلاثة .. ولكن مع ظهور كل مسودة يصرخ بعض الليبيين كالمجانين : معيبة .. معيبة .. معيبة .. فأين الخلل؟ وهل ثمة أخطاء مطبعية في المسألة أو الكيان الليبي؟ وما هي؟

    المتابع الموضوعي لعمل لجنة الدستور يرجح بقوة أن العيب ليس فيها بل في الكيان الليبي المستهدف بالعثور له من قبل اللجنة على بدلة دستورية تليق به وتستر عورته .. إذ كما يبدو أن هذا الكيان يعاني عيوبا خلقية وعورات فظيعة تجعل العثور على البدلة المنشودة من الصعوبة بمكان.

    الدستور نص يفصل على واقع .. فإذا تعسرت عملية التفصيل فمن الحكمة توقع الخلل في كل من النص والواقع على السواء .. وإذا كان الخلل في الواقع صار من الأنسب الشروع في معالجات يمكن تسميتها بمعالجات ما قبل الدستور وهي خطوة بمثابة تصحيح الأخطاء المطبعية في المسألة قبل الشروع في حلها .. وإذا ما تمت هذه المعالجات بصورة صحيحة فسوف يكون من السهولة بمكان التوصل إلى الصيغة الدستورية المناسبة.

    كثيرة هي المؤشرات التي ترجح بقوة وجود الخلل في الكيان الليبي : فقد مرت ليبيا في القرون الخمسة الأخيرة بسبعة عهود سياسية مختلفة كل الاختلاف وهي على الترتيب : العهد العثماني الأول والعهد القره مانلي والعهد العثماني الثاني والعهد الإيطالي وعهد المملكة وعهد القذافي والعهد الحالي .. وفي كل هذه العهود المختلفة ظل الكيان الليبي كما يبدو في شبه موت سريري.

    وقد رأينا في هذا العقد الممتد من 2011 إلى 2021 إعادة تمثيل لتاريخ ليبيا في القرون الخمسة الأخيرة في فيلم أرجو أن يكون قصيرا .. فقد لخصت هذه القرون في عقد واحد .. لخص تاريخ سكت عن كثيره وكتب قليله وما كتب لم نقرأه جيدا .. أما هذه المرة فعلينا أن نكتب الملخص بنصه وشروحه ونقرأه بعناية من أجلنا ومن أجل الأجيال القادمة .. فالتاريخ معلم كثير المشاغل ودروسه مؤلمة ولا قدرة لنا على احتمال ملخص آخر ولا حاجة لأن يعيد التاريخ نفسه كعادته السمجة دائما.

     ويظل السؤال : ما العلة المزمنة التي يعانيها هذا الكيان الذي تداول تشخيصه وعلاجه هؤلاء الأطباء السبعة على مدى خمسة قرون عجاف بلا جدوى؟ حتى اضطر التاريخ لأن يعيد نفسه؟ .. علينا البحث عن الإجابات الصعبة والمحرجة إذ الأمر صعب ومحرج.

لعلها الجهوية

    البحث عن الإجابة يركز على الثابت التاريخي خلال هذا الزمن الطويل الأطول من كرعين الميت .. فقد يكون هذا الثابت هو الخطأ الطباعي أو المطبعي المسؤول عن استحالة التوصل إلى الحل.

    من أهم الثوابت التاريخية خلال هذه العهود السبعة العاصمة وانقسام ليبيا إلى ثلاثة أقاليم أحيانا وجهتين : (غرب وشرق) دائما .. بالنسبة لدور العاصمة سوف نتناوله لاحقا .. وأما بالنسبة للأقاليم الثلاثة فالمتأمل في تاريخ ليبيا يلاحظ أن ثلاثتها لم تكن دائمة دوام كل من العاصمة والجهوية .. وثمة دلائل كثيرة تؤكد على هامشية دور الأقاليم الثلاثة في المسألة الليبية .. أما الصراع الجهوي الثنائي فالدلائل على وجوده وحدته لا تخطئها النظرة العابرة ناهيك عن الفاحصة.

    وبالإضافة إلى أن الصراع في ليبيا جهوي بامتياز وعلى درجة كبيرة من الحدة .. فهو أيضا الصراع الحامل لغيره من الصراعات .. حيث تتخذ هذه الأخيرة عادة تموضعا جهويا .. من أمثلة ذلك صراع الإخوان وخصومهم .. إذ تركز الطرف الأول في غرب ليبيا بينما تركز الثاني في شرقها .. كذلك صراع النفوذ الخارجي في عهد المملكة والعهد الحالي حيث توزع بين الجهتين .. والوجود الإيطالي بعد الاستقلال! فقد عرف في جهة دون أخرى .. والأمثلة كثيرة على هذا التموضع الجهوي للصراعات الفرعية الطارئة.

     كما أن الصراع الجهوي في ليبيا ماضيا وحاضرا ومستقبلا ثنائي : (شرق وغرب) بغض النظر عن عدد الأقاليم التي توصف بالتاريخية .. واستقرار ليبيا وتوحد مؤسساتها لا يعني بالضرورة توقف الصراع الجهوي .. يعني فقط تبدل آلياته وأشكاله مع احتمال العودة للآليات والأشكال الراهنة.

     الصراعات الجهوية في البلدان التي تعاني منها ثنائية دائما : شرق وغرب أو شمال وجنوب .. وحتى على مستوى العالم نجد هذا التصنيف أيضا فهناك الشمال المتقدم  والجنوب المتخلف أو الغرب والشرق اللذان لا يمكن لهما أن يلتقيا كما يقول الشاعر الإنجليزي Rudyard Kipling :

"Oh, East is East, and West is West, and never the twain shall meet"

     جعل ليبيا بلادا لا شمال لها بل شرق وغرب وجنوب تزييف لا يصمد أمام التأمل العميق .. فكما أن ليبيا لا شمال لها فكذلك لا جنوب لها .. إذ أن الجنوب المتحدث عنه دائما هو جنوب طرابلس لا جنوب ليبيا.

    ثمة عامل يشكل تشويشا ويخلق انطباعا زائفا بأن الصراع الأهم في ليبيا ليس جهويا وهذا العامل هو كثرة الصراعات العرقية والمناطقية والقبلية في غرب ليبيا والدور المربك الذي تلعبه مصراتة غالبا ما يؤدي أحيانا لعقد ما يشبه التحالفات المؤقتة مع برقة (ما حدث في 2011) مثلا .. لكن هذا الأمر نادر الحدوث وإن حدث فلفترة قصيرة.

ولعلها العاصمة

     ما يؤكد الدور الذي تلعبه العاصمة في تعثر ليبيا نشوب خلاف كبير مبكر ومستمر حولها .. ففي لجنة الدستور الأولى وقع تنازع حول اختيار العاصمة وكان الحل الغريب والنادر الذي اختاره الملك إدريس وذلك بالقول بالعاصمتين .. وهي بدعة دستورية لا وجود لها في أي دستور آخر.

       من الدلائل أيضا إصرار معمر القذافي على انتقال العاصمة إلى سرت وتلكؤ الأمناء (الوزراء) وإرسال وكلائهم فقط ما دفع معمر للأمر بهدم مقر الحكومة في طرابلس .. ولكن كل المؤسسات عادت بعد فترة إلى طرابلس وفي وجود معمر نفسه.

      ومنها أيضا طرح قضية العاصمة مرة أخرى بعد 17 فبراير 2011 وذلك بتقديم خمسة تصورات لمعالجة الصراع الجهوي ..  أربعة منها تدور على العاصمة وإن لم يصرح بذلك بل قيل إنها لمعالجة المركزية .. وفي الواقع فإن المركزية ليست مشكلة في ذاتها .. فكثير من البلدان تتبناها ولا احتجاج ولا اعتراض عليها .. إنها مشكلة فقط حينما يكون هناك صراع جهوي حاد .. وعلى ذلك فالشكوى من المركزية في ليبيا دليل ضمني من أدلة كثيرة على وجود الصراع الجهوي وحدته ودليل على توظيف العاصمة جهويا.

     أما التصورات الأربعة فكانت على النحو الآتي :

1 ــ بدعة العاصمتين (تصور قديم جديد) .. أعيد طرح هذا التصور ضمنا من خلال المطالبة بالعودة لدستوري المملكة حيث المادة (188) الخاصة بالعاصمتين ، 2 ــ بدعة توزيع مؤسسات الدولة جغــرافيا ، 3 ــ الفيدرالية ، 4 ــ اللا مركــزية أو توسيع صلاحيات الحكم المحلي.

     أول ما يلاحظ على هذه المعالجات الأربع دورانها على العاصمة وإن لم يصرح بذلك : ففي المعالجة رقم (1) محاولة استنساخ العاصمة .. وفي رقم (2) محاولة تفتيتها .. وفي رقم (3) محاولة تقزيمها .. وفي رقم (4) محاولة التقليل من شأنها.

       وبالنسبة للبدعتين الدستوريتين : رقمي (1) ، (2) فيكفي لنقدهما وصفهما بالبدعة الدستورية حيث لا لسابقة ولا لاحقة حتى الآن لبدعة العاصمتين عالميا (المصدر أحد أعضاء لجنة الدستور الحالية) .. وهي بالإضافة إلى شذوذها الدستوري فإنها تمثل حلا تلفيقيا غير قابل للتطبيق .. والمطلع على أدبيات المملكة يجد الشكوى الدائمة من مسؤولي تلك الحقبة من تنقل مؤسسات الدولة العليا الدوري من عاصمة إلى أخرى.

      وقريب من بدعة العاصمتين في الشذوذ الدستوري بدعة توزيع المؤسسات جغرافيا حيث لم يؤخذ بها على الأشهر إلا في جنوب إفريقيا (المصدر السابق).

       أما المعالجة الخامسة فلا علاقة لها بالعاصمة ولكنها على علاقة قوية بالصراع الجهوي الثنائي المحور جهلا أو تزييفا إلى ثلاثي بعدد الأقاليم وهي المحاصصة في المواقع المهمة .. رأينا ذلك في تشكيل المجلس الرئاسي .. وفي تشكيل لجنتي الدستور القديمة والحالية .. وفي رئاسة كل من مجلس النواب والمؤتمر الوطني ونوابها .. وغير ذلك من الأمثلة .. وهذه المحاصصة على درجة كبيرة من الخطورة على مستقبل ليبيا ما لم نسرع بمعالجة الصراع الجهوي بطريقة أخرى آمنة وأقرب للعدل.

     والمعالجات الخمس تشترك في قابليتها للإلغاء من قبل السلطة التشريعية متى أرادت ذلك مثلما ألغيت الفيدرالية في عهد المملكة ..  ومن المعروف أن الأغلبية المهيمنة في مجلس النواب وفي مجلس الشيوخ إن وجد من نصيب الجهة الغربية وكذلك رئاسة الدولة ومعظم السلطة التنفيذية .. فالعاصمة ومعظم السلطة حاليا من نصيب جهة واحدة الأمر الذي يخل بالتوازن الجهوي المطلوب.

     هذا عن المشكلة الأهم التي تعرقل الوصول إلى صيغة دستورية مقنعة.

 

 

 

 

 

 

محتويات المدونة (الفهرس)

 بدون ترقيم ولكن ترتيبه في النشر يأتي بعد المقال رقم 42 محتويات المدونة (الفهرس)      ملاحظة : تاريخيا من الأقدم إلى الأحدث أنشأت ثلاث م...