الاثنين، 31 أغسطس 2015

تطوير التظاهر


يفضل التصفح من خلال فهرس المدونة

رابط الفهرس :

http://abdullahharunabdullah.blogspot.com/2024/07/blog-post.html

يسمح بإعادة نشر أي من محتويات المدونة بشرطين :

الشرط الأول : عدم التصرف في النص

الشرط الثاني : الإشارة للمصدر

عبد الله هارون عبد الله

تطوير التظاهر
تصادم المقولات
1 ــ "الديمقراطية تعني الاحتكام لصندوق الاقتراع"
2 ــ "حق التظاهر مكفول للمواطن"
3 ــ "الشعب مصدر السلطات"
       هذه المقولات وربما مقولات أخرى تروج كوصفات لحل مشكل أدوات التغيير في المجتمع والسلطة .. وهذه المقولات تبدو متضاربة أو ربما يشوبها سوء فهم .. والواقع المعاش يعكس هذا التضارب أو سوء الفهم .. فإذا أخذنا بالمقولة الأولى واحتكمنا لصندوق الاقتراع فلا يحق لنا الأخذ بالمقولة الثانية .. أي لا يحق لنا التظاهر ضد السلطة التي أفرزتها صناديق الاقتراع .. ولكن المدافعين عن حق التظاهر يستندون حسب زعمهم على المقولة الثالثة.
       هل هو تناقض أم سوء فهم؟ .. ماذا نعني بالمقولة : "الشعب مصدر السلطات"؟ فيبدو أن هذه المقولة هي المقولة المركزية؟ البعض يفهمها بأنها الاحتكام لصناديق الاقتراع فقط .. وآخرون يفهمونها بأنها أيضا اللجوء للتظاهر والاعتصام ويبدو من الاستقراء بالعين المجردة بأن الفريق الأخير يمثل الأغلبية أو يمثل الفريق الأعلى صوتا .. فقد توسع في اللجوء للتظاهر فيما يسمى بالربيع العربي فأسقطت أنظمة ودمرت أوطان وأقاليم عديدة وصار من الشائع اتهام تلك المظاهرات بأنها جزء من مؤامرة خارجية.
       لن نتناول المثالب الكثيرة والخطيرة التي تسم الانتخابات (المقولة الأولى) كأهم ملمح من ملامح الديمقراطية التقليدية بالتفصيل من كونها عرضة دائمة للتزوير وللشراء واقتصار الترشح فيها على الأغنياء والدور السيئ للأحزاب فيها والدور السيئ أيضا للمال السياسي وكونها لا تعبر دائما عن إرادة الشعب فقد تتدنى نسبة المشاركة ومع ذلك يؤخذ بنتائجها كما أنها قد تؤدي إلى اللجوء للعنف وربما إلى الحروب الأهلية .. بل سوف يقتصر الحديث على المقولة الثانية.
المظاهرة وسيلة تغيير أم تعبير؟
        ظل التظاهر مصدر قلق للسلطات في العصر الحديث وجرت محاولات عديدة من السلطات في المجتمعات المتقدمة والأقل تقدما وتلك التي تدعي العراقة الديمقراطية وتلك المتهمة بالاستبداد لمواجهة خطر التظاهر .. من بين تلك المحاولات كان القمع حيث رأينا في الألفية الثالثة كيف قمعت المظاهرات في فرنسا وبريطانيا وأمريكا وإيران وتركيا وغيرها .. وأمام التوسع في استخدام هذه الوسيلة وإصرار البعض على جعلها وسيلة للتغيير لا لمجرد التعبير تم اللجوء لسن القوانين للتحكم فيها .. فظهرت قوانين تمنع التظاهر وتجرمه ما لم يتحصل المتظاهرون على موافقة الشرطة وربما أحدث هذه القوانين قانون التظاهر في مصر المثير للجدل والذي يحاول به النظام المصري الجديد الذي جاء بوسيلة التظاهر ألا يشرب من الكأس نفسها التي سقاها لمرسي وذلك مأزق قديم جديد حيث يحلل المرء لنفسه ما يحرمه على الآخرين وهو مشابه لمأزق بعض السباطشة بتحليل التدخل الخارجي سابقا وتحريمه الآن!!.
      هنا لابد من التساؤل أولا : هل التظاهر يراد به أن يكون وسيلة تعبير أم وسيلة تغيير؟
      إذا أريد به مجرد وسيلة تعبير فليس ثمة جدوى منه وربما استعيض عنه بالاستفتاء واستطلاع الرأي وإذا أريد به وسيلة تغيير وهذا ما يبدو من الواقع المشاهد فقد نسف مقولة الاحتكام إلى صندوق وخصوصا إذا ما وضعنا مساوئ التظاهر في الاعتبار (سوف نتناول هذه المساوئ لاحقا)
ثانيا : هل من المنطقي أن يكون الأذن بالتظاهر ضد السلطة من الشرطة والشرطة جزء من السلطة؟ هل من المنطقي أن يسأل المواطن السلطة بأن تسمح له بالتظاهر ضدها؟ وهل يتوقع منها الموافقة؟
    للسلطة مبرراتها المعقولة التي تجعلها تتحكم في حق التظاهر.. ومنها :
1 ــ المظاهرات قد تكون وسيلة لا ديمقراطية حيث تخرج نسبة صغيرة من الشعب لتفرض رأيها على الأكثرية .. (رأينا هذا على سبيل المثال في ما سمي بالربيع العربي).
2 ــ قد تكون المظاهرة وسيلة لابتزاز السلطة من قبل أفراد يتمتعون بإمكانات إعلامية ومالية كبيرة  وقدرات متميزة على إثارة الشارع وتوجيهه للخروج ضد السلطة لأن هؤلاء الأفراد ربما استخدموا الجماهير أداة لابتزاز السلطة للظفر ببعض المكاسب الشخصية أو الفئوية.
3 ــ المظاهرات عرضة للشراء وللاختراق ضمن الصراعات بين القوى الداخلية وقد يتم توظيفها كأداة في أيدي الاستخبارات الأجنبية.
4 ــ الجماهير في المظاهرة قابلة للتضليل ومن ثم صفها تحت شعارات لا تعبر في الحقيقة عن مطالبها .. فالبيان الختامي للمظاهرة يصوغه غالبا القلة من الأفراد المهيمنين ولا يستشار فيه بقية الحاضرين .. بل قد يفاجأ البعض به ويعتبر موافقا على ما جاء فيه بمجرد أن ثبت وجوده بالساحة ساعة قراءة البيان.
5 ــ تخرج المظاهرات غالبا عن السيطرة وتؤدي من ثم إلى العنف وتهديد السلم الاجتماعي وربما وقعت بها أعمال عنف من قبل مندسين ونسبت ظلما إلى الشرطة.
6 ــ قد تستخدمها بعض أطراف السلطة في خضم الصراع الدائر بينها.
7 ــ المظاهرات لا تتقيد بالمكان .. فقد نرى تظاهرة في مدينة ما ويفهم من ذلك أن تلك المدينة معارضة للسلطة وتتبنى ما جاء في بيان المظاهرة بينما ربما كان المشاركون في تلك المظاهرة من أبناء المدينة قلة والأغلبية من مدن أخرى وربما من مواطني دول أخرى!! .. وقد تتحول إلى مجرد وسيلة للتسلية (ولكنها تسلية مزعجة للسلطات) فيجلب إليها حتى الأطفال.
8 ــ التظاهر حينما لا يكون وفق مواعيد منتظمة ومحددة سلفا فإنه قد يكون فجائيا وقد يغلب عليه التسرع والآنية وقد يعبر كثير من المشاركين عن ندمهم بعد حين ولكنه الندم الذي فات أوانه.
     هذه المبررات هي ذاتها مساوئ المظاهرات والتظاهر وهي صحيحة وهي هنا من وجهة نظر الشرطة ولكن ذلك لا يبرر تحكم الشرطة في التظاهر .. ولا يدفع مؤيد التظاهر قائلا : إنها كلمة حق يراد بها باطل .. فيكفي أنها كلمة حق بغض النظر عما يراد بها .. ويمكن أن يضاف إليها من وجهة نظر الناس :
9 ــ تخوفا من توظيف التظاهر لأغراض شخصية أو فئوية أو لأطراف خارجية وتخوفا من استغلالهم من قبل الأفراد المهيمنين فقد يحجم كثير من الناس عن المشاركة .. وهكذا نحرم من الفوائد الكثيرة التي يمكن أن تجنى من هذه الوسيلة إذا ما استخدمت بصورة صحيحة ونظيفة.
     قد لا يكون الحل بالسماح بالتظاهر كيفما اتفق ولا يكون أيضا بمنع التظاهر أو طلب الإذن فيه من الأجهزة الأمنية وهي جزء من السلطة المستهدفة غالبا من قبل المتظاهرين.. فما الحل؟
     عولج هذا الإشكال بوسائل أخرى مثل اللجوء للاستفتاء والاستطلاع وجمع التواقيع ولكن هذه الوسائل تجمع بين بعض مساوئ الانتخابات ومساوئ التظاهر .. فهما عرضة للتزوير وعرضة للتوجيه والإيحاء المضلل وقد تكون نسبة المشاركة متدنية ولكن كما يحدث في الانتخابات يؤخذ بها رغم ذلك.. وأحيانا يكون الاستفتاء وسيلة تعبير لا تغيير .. وسيلة استشارية غير ملزمة (رأينا هذا مؤخرا في اليونان فقد دعت الحكومة مطلع الشهر السابع من العام 2015 إلى استفتاء الشعب حول الإجراءات التقشفية التي يصر الاتحاد الأوروبي على تطبيقها في اليونان وقد عبرت النتيجة عن رفض المشاركين في الاستفتاء تلك الإجراءات ولكن البرلمان قبل بها فقبلت بها الحكومة وصار رأي الشعب في الاستفتاء استشاريا).
      حادثة اليونان هذه تطرح مفارقة من أهم وأخطر مفارقات الديمقراطية التقليدية أو الغربية .. حيث يصير مانح التفويض تابعا وخاضعا لحامل التفويض .. فقد رأينا البرلمان وهو المفوض من قبل الشعب اليوناني يتبنى ما عبر الشعب الذي اختاره عن معارضته ورفضه.
      ونعود إلى السؤال : ما الحل؟ مادام السماح بالتظاهر مطلقا أو منعه مطلقا أو التحكم فيه من ممثلي السلطة أو استبداله بالاستفتاء وما شابهه من الوسائل كلها ليست بالحلول الوجيهة؟  
الحل المقترح
     الحل المقترح يدعو للسماح بالتظاهر مطلقا وليكن وسيلة تغيير لا مجرد وسيلة تعبير .. ليكن التظاهر ملزما لا استشاريا ولكن بعد معالجة مساوئ التظاهر السابق سردها :
1 ــ ألا يكون التظاهر آنيا وفجائيا بل يكون في مواعيد محددة سلفا على مدار السنة.
2 ــ أن يلتزم بالمكان فيتظاهر في كل مكان أهله ولا يسمح بانتقال المتظاهرين من مدنهم وقراهم إلى مدن وقرى أخرى .. هذا يستلزم وجود تعريفات وبطاقات خاصة تحدد هوية الأشخاص وانتماءاتهم المكانية وغير ذلك من الإجراءات التنظيمية.
3 ــ أن يعبر بيان المظاهرة أو توصياتها وقراراتها عن رأي الحضور ولا يكون تعبيرا عن رأي قلة من الأفراد المهيمنين .. أي أن يضمن استشارتهم جميعا والوصول من ثم إلى صيغة توفيقية.
4 ــ لضمان اقتصار التظاهر في المكان الواحد على أهله من الراشدين والراشدات وليتاح للجميع المشاركة في النقاش يجب أن يكون في قاعات لائقة محترمة لا في ساحات مفتوحة يصرخ فيها الناس كالمجانين ويهيمن فيها ذوو الأصوات المرتفعة لا ذوو الحجج المقنعة.
5 ــ مادام يراد بالتظاهر أن يكون ملزما فينبغي كإجراء تحوطي ألا تنفذ التوصيات والقرارات فورا بل تعرض على مجالس خبرة موثوق بها تقول رأيها فيها وتعاد إلى المتظاهرين بعد فترة زمنية معقولة كل حسب مكانه وفي مواعيد محددة سلفا ليعاد فيها النظر.
6 ــ لمجالس الخبراء بالإضافة لإبداء الرأي والمشورة غير الملزمة في مطالب الناس (النقطة رقم 5) صلاحية اقتراح بعض المطالب التي ترى من المفيد تبنيها.
     أسمع القارئ الليبي يقول : كأنني التقيت بهذا الحل من قبل .. أقول نعم وأن أجرى عملية تجميل .. ولكن أيها القارئ دعك من هذا .. ابحث عن الجوهر .. ابحث عما ينفع الناس ودع عنك الزبد.
      أسمع القارئ الليبي يقول أيضا : الحديث الآن عن تطوير التظاهر في وجود دوي القنابل يعتبر ترفا فكريا.
      أقول : من المؤسف أنك أيها القارئ على حق.
      هناك تساؤلات أخرى تتعلق بالسلطة التنفيذية وكيفية اختيارها وما إذا كان ثمة ضرورة لوجود مجالس تشريعية بوجود هذه الصيغة المتطورة للتظاهر وتساؤلات عن كيفية اختيار مجالس الخبرة وغير ذلك .. وهذه الأسئلة ليس من الصعب الإجابة عليها ولكن ليس هاهنا مقامها .. فهنا يقتصر الحديث عن تطوير التظاهر فحسب .. وربما أتطرق لإجابة التساؤلات السابقة في سياق مبادرة تهجس في النفس لتصور النظام السياسي وشكل الدولة في ليبيا بالإضافة لتصور آخر يتعلق بمشكلة الحقوق والقصاص والمصالحة .. راجيا أن تحظى هذه المقالة بالنقاش الصريح الجاد والهادف.

20/8/2015


المقال رقم 11 : جدل القاتل والضحية


يفضل التصفح من خلال فهرس المدونة

رابط الفهرس :

http://abdullahharunabdullah.blogspot.com/2024/07/blog-post.html

يسمح بإعادة نشر أي من محتويات المدونة بشرطين :

الشرط الأول : عدم التصرف في النص

الشرط الثاني : الإشارة للمصدر

عبد الله هارون عبد الله

جَدَل القاتل و الضحية في التجربتين : السبترية و السبطشية
بين التباسين
      يعتقد المسلم جازما بدخول الشهيد المحتوم للجنة و التمتع بكل ما فيها و لكنه يعد من جعل الحي شهيدا (أي القاتل) مجرما و يطالب بالقصاص منه .. كما أن أقارب الشهيد (أولياء الدم) يصرون على ذلك بدلا من يتقدموا بشكر القاتل أو تجاهله على الأقل لأنه أعطى فقيدهم جواز المرور المؤكد إلى الجنة.
     أن موقف أولياء الدم و الشريعة الإسلامية هنا يشبه إلى حد ما أن تطالب بالسجن المؤبد مع الأشغال الشاقة لمن قام بإنقاذ حياتك.
     هذا عن موقف الشريعة و أولياء الدم فماذا عن صاحب الشأن؟ .. ترى ماذا يقول المرء لقاتله حينما يلتقيان على مشارف الحشر؟ .. أيقول له : شكرا؟
     صحيح أن شكر القاتل على خدماته الجليلة يوقعنا في التباس آخر لا يقل تعقيدا و غرابة عن الأول .. و للخروج من هذه الالتباسات المعقدة نقول : لعل لله حكمة لا نعلمها حينما أختار لنا الوقوع في الالتباس الأول لا الثاني.
مقاربة رياضية
     في الجدول المرفق تصور افتراضي نظري مبسط يستبعد مثلا أن يتقاتل السبتريان أو أن يتقاتل السبطشيان أو أن يقتل أحدهما المسالمين و المحايدين إلا خطأ .. أو أن يتقابل المدافعان من الفريقين .. و لكن واقعيا فالعنف في المرحلة السبطشية خاصة كان منفلتا و لا مبالغة إذا ما لون الجدول كله بلون واحد يمثل احتمال وقوع القتل الخطأ بالإضافة إلى احتمال وقوع القتل العمد .. و إذا ما اعتمدنا هذا التصور فنحن إذن أمام حوالي [576] فئة أو نوع من الضحايا المختلفين .. و الاختلاف هنا جاء من اختلاف وجهة النظر الخاصة لكل متأمل للقاتل موقفا أو دافعا و للضحية موقفا أو دافعا و للقتل ما إذا كان عمدا أم خطأ في كل واقعة قتل على حدة.
    أما كيفية حسابها فذلك بوضع حرفي خ ، ع أي (خطأ ، عمد) في كل مربع فيكون مجموع تكرارات الحرفين =عدد مربعات الصف × عدد مربعات العمود × عدد الحروف في كل مربع .. فنحصل بذلك على 16 × 18 × 2 = 576 فئة من وقائع القتل المختلفة .. أي [576] تأويلا محتملا لما يقصده الليبي بالشهيد.
     و هكذا تتضح لنا ضخامة المأزق المترتب على رفع الشعار : (دم الشهداء ما يمشيش هباء) الذي يرفع غالبا بروح ثأرية بدائية جدا ..إذ لهذا الشعار حوالي [576] تأويلا مختلفا .. مع ملاحظة تصنيف آخر تم تجاهله في الجدول للتبسيط يمكن أن يضاعف هذا الرقم : في ما يخص التجربة السبطشية و هو اختلاف تقييم الضحايا و القتلة قبل مقتل القذافي عنه بعد مقتله.. أما في المرحلة السبترية فتحديد القاتل و الضحية و نوع القتل أشد وضوحا و لكن ثمة تقييم تم تجاهله أيضا و هو اختلاف تقييم الضحايا و القتلة قبل (أصبح الصبح) .. أي خلال فترة العنف الثوري كما سماها القذافي نفسه .. أي مرحلة صعود منحنى الاحتقان عنه بعدها .. أي مرحلة هبوط ذلك المنحنى.
الشهادة في ليبيا دالة في الزمن     
     يبين الجدول المرفق (16) فئة في صف القتلة و (18) فئة في عمود الضحايا (الشهداء المحتملين) .. تتكرر فيهما بعض الفئات و يختلفان في البعض الآخر .. و قد صنفت الفئات حسب ثلاثة محددات هي الدافع (أي المبررات التي أقنع المرء بها نفسه لينضم إلى فئة معينة) .. و الموقف (محارب أي في حالة هجوم .. مدافع عن نفسه .. منضم إلى فئة معينة و لكنه مسالم .. محايد .. محايد اضطر للقتال دفاعا عن نفسه) .. و النية أو التظاهر (أي أن الانتماء للسباطشة أو للسباترة إما اقتناعا أو لتحقيق مآرب أخرى غير المآرب المعلنة .. " .... ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها، أو امرأة يتزوجها ...."(1) .. و هناك محدد رابع هو الاختيار أو الاضطرار حيث استخدمت صفة (مرغم) أو لم تستخدم.    
    و يمكن تقسيم المرحلة من 1/9/1969  حتى الآن إلى أربع مراحل فرعية لتبيان أن الشهادة عند الليبي دالة في الزمن و ليتأكد لنا كم هي ملتبسة في ليبيا لفظة شهيد هذه :
(أ) مرحلة ما قبل (أصبح الصبح) .. أي مرحلة العنف الثوري .. أي مرحلة صعود منحنى الاحتقان حتى بلغ أعلى مستوياته في 1988.
(ب) مرحلة ما بعد (أصبح الصبح) حتى 17/2/2011 : هبوط منحنى الاحتقان .. (انظر مقال 6 : الغرابيل المعلقة).
(ج) المرحلة من 17/2/2011 حتى مقتل القذافي.
(د) المرحلة ما بعد مقتل القذافي.
     و يمكن تصنيف القتلة و القتلى في المراحل الأربع حسب ما جاء في الجدول و ذلك حسب محددات الدافع و الموقف و النية و التظاهر و الاضطرار و الاختيار .. على النحو التالي :
1 ــ سبتري يحب القذافي مبادر بالحرب  (نجده في صف القتلة و في عمود الضحايا .. أي يمكن أن يكون قاتلا أو قتيلا أو قاتلا ثم قتيلا): تشمل هذه الفئة كل من دافع عن القذافي قديما أي قبل 2011 أو حديثا بعد هذا التاريخ بحمل السلاح أو بالتحريض على حمله حبا في القذافي شخصا أو فكرا أو نظاما أو خوفا من تهمة الخيانة إذا ما تخلي عن القذافي بعد العشرة الطويلة.
2 ــ سبتري يكره البديل مبادر بالحرب (نجده في صف القتلة و في عمود الضحايا): تشمل هذه الفئة من واجه السباطشة قديما أو حديثا بحمل السلاح أو بالتحريض على حمله حرصا على مكانة أو منفعة أو خوفا من استيلاء قوى أخرى لا يريدها على السلطة و البلاد (مثلا كرها للناتو بما يثيره في الذاكرة من عداء للغرب أو كرها للتيارات الإسلامية ... الخ) أو نكاية في بعض المناطق أو القبائل أو نكاية على مستوى الأقاليم .. (انظر المقال 10: ظلال و ملامح).  
3 ــ سبتري مرغم مبادر بالحرب (نجده في صف القتلة و في عمود الضحايا): تشمل هذه الفئة من أرغم أو أقحم (على اختلاف في المعنى) على مواجهة السباطشة قديما أو حديثا بحمل السلاح أو بالتحريض على حمله و هو لا يريد ذلك كرها في القذافي أو حبا في التغيير أو كرها في العنف .. و الأرغام أو الإقحام ربما جاء بسبب التورط مع النظام في أمور يخشى كشفها و يخشى من ثم العقاب  .. و تلتبس هذه الفئة مع فئة المحايد المضطر للقتال.
4 ــ سبتري يحب القذافي  مدافع عن نفسه (نجده في الصف و في العمود): هذه الفئة هي نفسها الفئة رقم (1) من حيث الدوافع و لكن الاختلاف في الموقف حيث أن الموقف هنا موقف دفاع عن النفس.
5 ــ سبتري يكره البديل مدافع عن نفسه (نجده في الصف و في العمود): هي نفسها الفئة رقم (2) من حيث الدوافع و لكن في موقف الدفاع عن النفس.
6 ــ سبتري مرغم مدافع عن نفسه (نجده في الصف و في العمود): هي نفسها الفئة رقم (3) من حيث الدوافع و لكن في موقف الدفاع عن النفس. 
7 ــ سبطشي يكره القذافي مبادر بالحرب (نجده في الصف و في العمود): تشمل هذه الفئة من واجه القذافي قديما .. أي قبل 2011 .. أو حديثا بحمل السلاح أو بالتحريض على حمله من الذين يكرهون القذافي شخصا أو فكرا أو نظاما من طلاب الثأر و من المتضررين من حكمه أو من الرافضين له و لحكمه ليس إلا. 
8 ــ سبطشي يحب البديل مبادر بالحرب (نجده في الصف و في العمود): تشمل كل من واجه القذافي قديما أو حديثا بحمل  السلاح أو بالتحريض على حمله حالما بحكم ليبيا و المنطقة من أصحاب الفكر الشمولي و المشاريع العابرة للقارات أو حبا في التغيير علما بأن هذه الفئة تفترق عند هذه النقطة إلى فئات جزئية عديدة حيث ليس هناك  تصور محدد للتغيير و لا للبديل يجمعهم بل أن تصوراتهم كانت متعارضة أحيانا .. ففي هذه الفئة حديثا مثلا أي في المرحلة السبطشية (بعد 2011) تجد الجهادي الذي يجهر بعدائه للصهاينة و الأمريكيين يعمل مع هنري ليفي الصهيوني العتيد و يقاتل تحت طائرات أمريكا و يقاتل بجانبه العلماني و الملحد .. و عد ذلك من قبل السباطشة في حينه دليل صحة و عافية!! و لكن بعد مقتل القذافي صار دليل مرض عضال .. ذلك لأن هذا الكوكتيل غير المتجانس كان يؤمن كما يبدو بالمقولة : الغاية تبرر الوسيلة.  
9 ــ سبطشي مرغم مبادر بالحرب (نجده في الصف و في العمود): تشمل كل من اضطر لمواجهة القذافي قديما و حديثا بحمل السلاح أو بالتحريض على حمله مرغما أو مقحما (على اختلاف في المعنى) و هو لا يريد ذلك حبا في القذافي أو خوفا من البديل أو خوفا من تهمة الخيانة أو كرها في العنف أو خوفا من العقوبة في حال الفشل في إسقاط النظام .. و تلتبس هذه الفئة مع فئة المحايد المرغم على القتال.
10 ــ سبطشي يكره القذافي مدافع عن نفسه (نجده في الصف و في العمود): هي نفسها الفئة رقم (7) من حيث الدوافع و لكن في موقف الدفاع عن النفس. 
11 ــ سبطشي يحب البديل مدافع عن  نفسه (نجده في الصف و في العمود): هي نفسها الفئة رقم (8) من حيث الدوافع و لكن في موقف الدفاع عن النفس.
12 ــ سبطشي مرغم مدافع عن نفسه  (نجده في الصف و في العمود): هي نفسها الفئة رقم (9) من حيث الدوافع و لكن في موقف الدفاع عن النفس.
13 ــ مــــقــــــــلــــد مبادر بالحرب (نجده في الصف و في العمود): كل من واجه القذافي قديما أو حديثا بحمل السلاح أو بالتحريض على حمله و سبطشيا (بعد 2011) مثلا تشمل من استفزتهم النكتة المعروفة المنحولة على الأرجح للتوانسة .. (انظر المقال 10: ظلال و ملامح).
14 ــ مقلد مدافع عن نفسه (نجده في الصف و في العمود) هي نفسها الفئة رقم (13) و لكن في موقف الدفاع عن النفس.
15 ــ انـــــتـــهــازي (وضع في صف القتلة فقط): تشمل اللصوص (الهلاتة) و المتطفلين على الحروب من لصوص الخردة و المنازل و المجرمين الفارين من السجون و تجار المخدرات و غيرهم .. و تشمل أيضا من الإعلاميين و المثقفين ركاب الموجة الباحثين عن الشهرة الرخيصة و الباحثين عن المغامرة أو التسلية و لو باللعب بالجماجم و بمستقبل الوطن .. و تشمل من يقومون بالاغتيال مقابل المال أو المنفعة الشخصية أو لمصلحة بعض المناطق أو القبائل .. و تشمل أيضا من العرب و الأجانب الطامحين للاستفادة من تهاوي النظام و البلاد لتحقيق مكاسب متنوعة و متعددة .. و لم يوضع الانتهازيون في عمود الضحايا رغم أن منهم من قتل لأنه لا خلاف على إخراجهم من قائمة الشهداء .. و نلاحظ شيئا من الالتباس أو التداخل بين الفئتين : المقلد و الانتهازي.
16 ــ مــــــــــنــــدس (وضع في صف القتلة فقط): تشمل كل من قتل و نسب القتل إلى غيره ليؤجج الحرب (قبل مقتل القذافي) و كل من فعل ذلك (بعد مقتله) خلال الصدام مع المليشيات بالإضافة إلى عمليات الاغتيال من قبل المخابرات المحلية و العالمية و المتشددين خصوصا الوافدين من الخارج و احتمال تورط أبناء بعض القبائل و المناطق في الاغتيالات لزعزعة استقرار بعض الأقاليم ثأرا أو لإزاحة المناطق و الأقاليم المنافسة من أمام مناطقهم .. و لم يوضعوا في عمود الضحايا رغم أن منهم من قتل لأنه لا خلاف على إخراجهم من قائمة الشهداء .. و يلاحظ بعض التداخل بين الفئتين : الانتهازي و المندس.
17 ــ سبتري مسالم (نجده في عمود الضحايا فقط): تشمل كل السباترة المسالمين من تسبتر حبا في القذافي أو خوفا من البديل أو لأية دوافع أخرى.
18 ــ سبطشي مسالم (نجده في عمود الضحايا فقط): تشمل كل السباطشة المسالمين من تسبطش لأية دافع من الدوافع المعروفة.
19 ــ مـــحـــايــد (نجده في عمود الضحايا فقط): تشمل المحايدين الرافضين لخيارات السباترة و السباطشة على السواء و كذلك بقية المحايدين على اختلاف دوافع الحياد لديهم.
20 ــ محايد أرغم على القتال (وضع في عمود الضحايا فقط): تشمل من لم يتسبتر و لم يتسبطش (نية) و اختار الحياد لأي دافع من الدوافع و لكنه وجد نفسه في موقف الدفاع عن نفسه .. و لم يوضع في صف القتلة رغم أنه قد وقع منه القتل لأنه إنما اضطر لذلك اضطرارا.
ملاحظات عامة :
1 ــ أنا مدين بالاعتذار الشديد لذوي ضحايا هذه الحرب و محبيهم .. فقد يبدو لهم في فكرة المقاربة الرياضية لموضوع الشهيد و الشهادة قدر من التهكم .. و لعل لسان حالهم يقول : كيف تتم مقاربة مصائبنا رياضيا بما في الرياضيات من صرامة و صدق جارح  و نحن قد اعتدنا أن نقارب مصائبنا باستلامنا العجيب لما ندعوه بالقدر و بامتثالنا الأعجب لما تمخضت عنه كوابيس العرافين و مزج كل ذلك بالقصائد و بالتفاؤل الساذج؟
     و مع أنني قد طلقت السخرية الطلاق الأسلوبي إلا إنني لا أنكر رفة الشارب حينما أرى مطلقتي تطل من الشرفة .. و لكن ليس هذا ما دفعني لهذه المقاربة .. بل إن مقاربتي لموضوع الشهيد و الشهادة بالحساب و الرسوم البيانية جاءت تعبيرا ربما جنونيا عما أحس به من المرارة.
      إذا كان القارئ يأخذ بالمبدأ النقدي : (موت المؤلف) حيث لا قيمة إلا لما يقوله النص .. فالنص لا تهكم فيه .. و يمكن حمل كل ما جاء به محمل الجد .. أما بالنسبة للانطباع الذي يمكن أن توحي به الفكرة نفسها فإني أكرر اعتذاري الشديد إذا كان هذا القارئ يصر على أنه لا توجد مقاربة أفضل من المقاربة المعتادة بخلطتها العجيبة.
2 ــ إنني هنا أحاول أن أخمن تقييم الله لمخرجات هذا الصراع أو التناحر مركزا على الضحايا أكثر من القتلة .. و أحاول أن أحافظ على حيادي فلا أخرج من عمود الشهداء و لا من صف القتلة إلا من أحس بوجود إجماع على إخراجه .. و حرصي هذا بدافع الموضوعية في إظهار كم هي شاسعة و مخيفة تلك الفجوة التي تتشعب بين الليبيين لتفصل بينهم ..  و من يحرص على الحياد و الموضوعية يعرض نفسه لهجوم مضاعف .. حيث تتفق كل الأطراف التي لا اتفاق بينها على سحقه.
     ينبغي الانتباه إلى أن المقاربة الرياضية قد أظهرت وجود 576 مفتاحا .. يدعي كل حامل لمفتاح منها أنه يمتلك المفتاح الخاص بأحدث قفل من أقفال الجنة أما بقية المفاتيح فيراها مفاتيح مزيفة أو لأقفال قد تم إلغاؤها .. و ذلك يظهر أن المشكلة لغوية بالدرجة الأولى .. و لا عجب .. فمعظم أزماتنا لغوية المنشأ.
     لا ننسى في هذا السياق المقاربة الدينية التي هي مقاربة لغوية في الأساس لأن النص الديني حمال ذو أوجه و معظم أوجهه لغوية بالطبع .. في هذه المقاربة سوف يبرز إلى الواجهة الحديث الشريف : "إذا اقتتل المسلمان فالقاتل و المقتول في النار" .. هذا الحديث يحسم الأمر تماما و يجعل من المقاربة الرياضية أثرا بعد عين .. و لكن هذا الحديث ليس نهاية القول .. فقد يواجه حتى من داخل مجاله ببعض التحفظات : من قائل بأنه لا ينطبق على الحالة أو قائل بأنه ضعيف أو قائل بأنه منسوخ لوجود نصوص من القرآن أو السنة لا تتسق معه.
3 ــ لم تحدد نهاية المرحلة السبطشية (في أعلى الجدول المرفق و في هذا المقال) رغم تشعب الصراع بعد ما يسمى بعمليتي الكرامة و فجر ليبيا ما يعطي انطباعا بأن هذا المقال متأخر عن الحاضر .. أي أنه مجرد مقياس زلازل يخبرك بشدة الزلزال فيما أنت تعاين آثاره.
      في الواقع هذا صحيح .. فمقالات هذه المجموعة متخلفة عن الحاضر .. أي أنها ليست مواكبة لما يحدث الآن .. و لكنني أزعم بأنها ليست متأخرة عن المستقبل!!!.. و عموما فالمرحلة السبطشية مستمرة عرفيا حتى يتوقف الاحتفال بذكرى 17 فبراير و الاحتفال بتحرير هذه المنطقة أو تلك .. و من المتوقع أنه لن تمضي سنوات حتى يتحقق هذا و قد مال الرأي العام شيئا فشيئا للقول بأن ما حدث و يحدث حرب أهلية أو فتنة أكثر من كونه ثورة.
4 ــ يمكن أن ينتمي المرء لأكثر من فئة في آن .. فقد يجمع السبتري مثلا بين حب القذافي و كره البديل فيكون منتميا إلى الفئتين (1 ، 2) في آن .. أو أن يجمع بين كره القذافي و كره بديله المحتمل (قبل مقتله) و بديله الواقع (بعد مقتله) فينتمي بذلك للفئتين (2 ، 7) .. معا و هذا الكاره للخيارين يمكن وصفه بالمحايد الرافض أو الثالث اللا رمادي .. و يمكن أن ينتقل المرء من فئة إلى أخرى و هؤلاء هم المتحولون.
5 ــ عد سبطشيا من العرب و الأجانب كل من قاتل في صف السباطشة أو عبر عن تعاطفه معهم .. و عد سبتريا من العرب و الأجانب كل من قاتل في صف السباترة أو عبر عن تعاطفه معهم.
6 ــ نسبة العرب و الأجانب على الضفة السبطشية أكبر من نسبتهم على الضفة السبترية .. فالقطريون و الإماراتيون و الناتو سباطشة بلا شك .. بينما السباترة العرب و الأجانب يراوح وجودهم بين الاحتمال و الإشاعة.
7 ــ يعتبر الانتهازي من السباطشة و لكنه ليس صريح السبطشة و كذلك المندس : " ...... إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر"(2).
8 ــ ينظر غلاة السباطشة للمنشقين و هم سباطشة أيضا نظرة دونية .. و لذلك يقولون عنهم : "يصلون معنا و لا يصلون بنا" ، و يقولون أيضا : "عفوا الانشقاق صك توبة و ليس صك ثقة" .. وهكذا ينطبق على السباطشة قوله تعالى : "تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى". الحشر14
9 ــ من الملاحظ أثناء توصيف الفئات حدوث الالتباس و التداخل بين بعضها .. و التباس الانتهازي مع المقلد من جهة و مع المندس من جهة أخرى على سبيل المثال لا يثير الدهشة .. فكل من يستغل اندفاع الجموع لخدمة أجندته أو قناعاته متهم بالانتهازية .. و كل انتهازي قد يلجأ لأساليب المندسين القذرة.
10 ــ بالتأمل يمكن اعتبار التقليد المحرك الأهم للصراع السياسي في ليبيا في التجربتين السبترية و السبطشية على الأقل .. كما يلاحظ التأثير الكبير للعامل المكاني المشوب بالعامل الاجتماعي  .. (انظر المقال 10: ظلال و ملامح).
أمثلة توضيحية :
     الأمثلة من 1 إلى 4 من الفترة السبترية و استخدم فيها المصطلحان : السباطشة و السباترة بأثر رجعي.
1 ــ أين يوضع ضباط الجيش الذين حاولوا الانقلاب على القذافي في بداية سبعينيات القرن الماضي و تم إعدامهم؟
    هم من السباطشة و أقرب الفئات التي ينتمون إليها فئة السبطشي المحارب (كاره للقذافي أو محب للبديل أو الدافعان معا) أو فئة المقلدين المبهورين بهالة المجد التي جللت أو تجلل الانقلابيين الناجحين مثل جمال عبد الناصر و معمر القذافي نفسه و قد يكون من بينهم بعض الانتهازيين و خاصة من ذوي التوجه الجهوي أو طمعا في جلب منفعة شخصية .. و قد يكون من بينهم من لفقت له التهمة و هو برئ منها فهو من السباطشة المسالمين أو من المحايدين .. و نجدهم في عمود الضحايا من لم يكن منهم انتهازيا .. و يمكن وضعهم في صف القتلة إن كانت لديهم نية باستعمال العنف لتحقيق مآربهم .. و قاتلهم المباشر معمر القذافي كبير السباترة و أدواته و قاتلهم غير المباشر من كشف أمرهم و هو مصطفى الخروبي حسبما كان متداولا و هو من السباترة أيضا .. و ربما فعل ذلك حبا في القذافي أو كرها في البديل أو بانتهازية على خلفية جهوية حيث أن معظم أولئك الضباط ليسوا من الجهة التي ينتمي إليها الخروبي .. أو بانتهازية نفعية محافظة على مكانة .. أو بكل هذه الدوافع مجتمعة .. و قتلهم عمد .
2 ــ أين يوضع قتلى الجيش الليبي في تشاد؟
    هم خليط من السباترة المحاربين و المرغمين و المحايدين المضطرين للقتال و السباطشة الذين يكتمون سبطشتهم .. و منهم من يوضع في الصف و العمود معا و منهم من يوضع في العمود فقط لأنه إنما اضطر للقتال اضطرارا .. هذا بمنظور الليبي أما بمنظور التشادي فجميعهم قتلة لا مكان لهم في عمود الضحايا .. عمود الشهداء المحتملين.
3 ــ أين توضع ضحايا عملية باب العزيزية؟
    هذه العملية وقعت في العقد الثامن من القرن العشرين قبل (أصبح الصبح) .. أي في فترة صعود منحنى الاحتقان و موقع منفذيها القتلى في صف القتلة و عمود الضحايا أما انتماؤهم فعلى الأرجح للفئتين : (7 ، 8) و نوع قتلهم قتل عمد أما قاتلهم فهو من الفئات رقم (1 ، 2 ، 4 ، 5).
4 ــ أين يوضع قتلى غارة ريغان على ليبيا؟
    هذه الغارة وقعت في العقد الثامن من القرن العشرين قبل (أصبح الصبح) و ضحاياها خليط من السباترة و من السباطشة المسالمين و المحايدين و قاتلهم من السباطشة الأجانب و سباطشة الخارج من الليبيين المحرضين عليها.
5 ــ أين يوضع حمد أمير قطر و برنار هنري ليفي؟
    مكانهما في صف القتلة فقط و هما من السباطشة و أقرب الفئات إليهما فئة الانتهازي.
6 ــ أين يوضع قتلى الكتائب المحاصرة (كتيبة الفضيل مثلا)؟
   نجدهم في صف القتلة (بتحفظ) و في عمود الضحايا و نوع قتلهم خطأ أو عمد و قاتلهم من فئات السباطشة المحاربين بالإضافة لفئتي الانتهازي و المندس .. وقتلى الكتائب ينظر إليهم السباطشة باعتبارهم سباترة بل هم خليط : فمنهم السبتري بنوعيه (المحب و الكاره) و السبطشي بنوعيه (المحب و الكاره) و منهم المحايد المرغم على القتال أي الذي ينتمي إلى الفئة رقم (20) .. و لكنهم متحدون في الموقف .. فقد كانوا في موقف الدفاع عن النفس.
7 ــ أين يوضع المهدي زيو؟
    هو من السباطشة المحاربين (كاره أو محب أو الدافعان معا أو من المقلدين) .. قد نجده في عمود الضحايا (الشهداء) مع مراعاة أن الإسلام يحرم الانتحار عموما .. و نجده أيضا في صف القتلة إن ترتب على ما قام به وقوع قتلى بصورة مباشرة أو غير مباشرة بأن سهل بعمله لآخرين عملية القتل عن قصد منه .. و قاتله المهدي زيو نفسه .. و قتله عمد (انتحار).
8 ــ أين يوضع عبد الفتاح يونس؟
     نجده في صف القتلة و في عمود الضحايا و هو من السباطشة و أقرب الفئات لعبد الفتاح يونس الفئة رقم (9) سبطشي مرغم أو مقحم مبادر بالحرب .. و نوع القتل قتل عمد .. و قاتله محتمل الوجود في فئات السباطشة المحاربين بالإضافة لفئتي الانتهازي و المندس حسب قائمة المتهمين و ما هو متداول  .. و عبد الفتاح على الأرجح مقحم و كان تدخله في البداية بدافع إنساني وطني و قد نجح في إنهاء مذبحة عبثية ناتجة عن مواجهة بين جموع معبأة ضلت طريقها فانتهى بها مسارها إلى المعسكر بدلا من الساحة و بين عسكريين يخشون عواقب الفشل في إسقاط النظام و ليس أمامهم إلا القتال دفاعا عن النفس و قد وجدوا أنفسهم محاصرين من هذه الجموع الهائجة و غير المتجانسة و لا محددة الهوية و التي لا تقودها قيادة معينة و المحشوة بالمندسين و هي على استعداد لقتل من يفتح أبواب المعسكر أمامها .. ربما انتقل عبد الفتاح يونس بعد ذلك إلى الفئة رقم (7) أو رقم (8).
9 ــ أين يوضع أبو بكر يونس؟
     نجده في صف القتلة و في عمود الضحايا و هو من السباترة المحاربين و ربما حين موته كان من السباترة المدافعين عن أنفسهم و قتله عمد و قاتله من السباطشة المحاربين ليبيين أو أجانب.
10 ــ أين يوضع قتلى بني وليد إثر القرار رقم 7؟
     هم خليط من كل فئات عمود الشهداء المحتملين .. و لكن يغلب عليهم موقف الاضطرار للقتال أو موقف المسالمة .. و قاتلوهم خليط من كل فئات صف القتلة باستثناء فئات السباترة .. و قتلهم عمد.
11 ــ أين يوضع عبد السلام المسماري؟
      نجده في عمود الضحايا .. و هو حسب مواقفه المعلنة من السباطشة بنوعيهم (المحب و الكاره) أو من المقلدين .. و نجده في صف القتلة أيضا إذا كان محرضا على اقتتال الليبيين مفاخرا به ممجدا له أي كان من السباطشة المحاربين و إن لم يفعل فهو سبطشي مسالم .. و قتله عمد .. و قاتله محتمل الوجود في فئات السباطشة المحاربين بالإضافة لفئتي المندس و الانتهازي و خاصة الليبي ذي التوجه الجهوي أو القاتل بثمن أو الانتهازي الليبي أو الأجنبي من ذوي التوجهات الأيديولوجية العابرة للقارات أو من الاستخبارات المحلية أو الأجنبية .. و ربما يتوقع البعض أن قاتله من السباترة.
12 ــ أين يوضع عبدالله هارون عبدالله؟
       لم يمجد اقتتال الليبيين و قد حذر منه قبل وقوعه .. و لم يحتفل به .. و لم يغطس أصبعه في حبر الخديعة في المرات الثلاث (انظر مقال 4 : الغرابيل الخمسة) .. و لم يقسم أمهات القتلى إلى أمهات شهداء و أمهات الذاهبين إلى الجحيم .. و لذلك فلا مكان له في صف القتلة .. و هو ليس في عمود الضحايا بالمعنى الحرفي و إن كان مثل جل الليبيين قد تضرر مما حدث .. و هكذا فأقرب الفئات إليه الفئة الناتجة من تقاطع الفئتين المسالمتين : (فئة الكارهين للبديل و الكارهين للواقع) أي المحايد الرافض أو الثالث اللا رمادي .. و الله أعلم!!!!.
خريف 2014
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1، 2) إشارة لحديثين شريفين معروفين :
الأول : عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "الأعمال بالنية، ولامرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها، أو امرأة يتزوجها، فهجرته إلى ما هاجر إليه".
    ورد هذا الحديث في صحيح البخاري بصيغ متقاربة سبع مرات على الأقل.
الثاني : "........ ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا بلال، قم فأذِّن: لا يدخل الجنة إلا مؤمن، وإن الله ليؤيِّد هذا الدين بالرجل الفاجر".
    وردت هذه العبارة بصيغ متقاربة في صحيح البخاري ثلاث مرات على الأقل من حادثة انتحار أحد المسلمين الذين أبلوا بلاء حسنا في فتح خيبر و لكنه لم يصبر على جراحه .. و قد أخبر الرسول  صلى الله عليه وسلم بدخول هذا الرجل النار قبل أن ينقل إليه خبر انتحاره.
     و بين الحديثين توافق و تكامل على ما يبدو فكأنهما يقولان : سواء أكان خروجك في سبيل الله  أم في سبيل الدنيا و سواء أكنت مؤمنا أم لا فإن ذلك يصب في مصلحة الإسلام ما دمت قد خرجت على أية حال .. و هذا ما ينطبق على التجربة السبطشية و على السباطشة باختلاف أطيافهم .. فمهما كان الهدف أو الرؤية التي خرج من أجلها السبطشي حتى و إن خرج (للهلت) فقد ساهم بخروجه في إسقاط القذافي! ، !! ، !!! ، ........


المقال رقم 10 : ظلال وملامح

 

يفضل التصفح من خلال فهرس المدونة

رابط الفهرس :

http://abdullahharunabdullah.blogspot.com/2024/07/blog-post.html

يسمح بإعادة نشر أي من محتويات المدونة بشرطين :

الشرط الأول : عدم التصرف في النص

الشرط الثاني : الإشارة للمصدر

عبد الله هارون عبد الله

ظلال و ملامح(*)
لابد من النظر إلى الخلف
      من الأمور المهمة لفهم الصراع (أقصد بالصراع تداعيات التجربة السبطشية) في ليبيا دراسة تأثير المكان (الجغرافيا) و الزمان (التاريخ) و غيرهما من المؤثرات فيه .. و كل هذه المحاولات لفهم محركات الصراع من أجل البحث عن أفضل الحلول الممكنة للمأزق الذي تمر به البلاد .. فبدون فهم محركات الصراع و آلياته و أولوياته و كيف بدأ لا يمكن الوصول للحل المنشود إذ لابد من فهم المسألة أولا قبل الشروع في حلها.. و الذين يطالبون بعدم النظر إلى الخلف و يطالبون بالنظر إلى المستقبل فقط هؤلاء يتعاملون مع صراع بهذه الخطورة كما لو أنه لعبة على الموبايل يمكنهم إيقافها متى أحسوا بالفشل أو الملل و الشروع في لعبة جديدة.
      تجدر الإشارة إلى أن هذه المجموعة من المقالات لم تركز كثيرا على دور الخارج رغم أهمية هذا الدور سلبا و إيجابا و ما له من بعد جغرافي و تاريخي و أبعاده الأخرى و اشتباكه الكيميائي معها ربما لأولوية المحركات الداخلية في تعقيد الصراع و حله .. أو لأن الدور الخارجي يظل دائما مجرد عامل مساعد .. أو ربما باعتباره واقعا مفروغا منه فقد تم التعامل معه كما يتعامل مع العوامل الثابتة في التجربة المعملية .. حيث يتم تجاهلها .. أو لندرة المعلومة حوله ما يجعله من أنباء الغيب .. أو لكل هذه المبررات و لغيرها.
فيد باك الفساد (1)
       من العوامل الأخرى التي تحظى بأهمية قصوى بالإضافة للعاملين التاريخي و الجغرافي العامل الاقتصادي .. حيث رأينا الدور الكبير الذي لعبه المال المتراكم لدى البعض نتيجة للفساد الاقتصادي في عهد المملكة في استفزاز القذافي ذي القابلية العالية جدا للاستفزاز ما دفعه لاتخاذ قرارات خاطئة (مجنونة) ساهمت في ازدياد الاحتقان و دفعه ذلك بدوره لمزيد من الأخطاء ما دفع لمزيد من الاحتقان في حالة من العلاقة الجدلية المتصاعدة .. و استمر ذلك حتى (أصبح الصبح) حيث انخفضت تلك القابلية كثيرا.
      و رأينا الدور الكبير أيضا الذي لعبه المال الناتج من فساد الحقبة السبترية في دعم السباطشة في البداية .. ثم و بعد مقتل القذافي ساهم جزء من هذا المال في دعم بقايا السباترة في الخارج و الداخل .. و نرى ما تلعبه هذه الأموال المجتمعة بالإضافة لما تجمع لدى أمراء الحرب من أموال من الداخل و الخارج في الصراع الدائر الآن و الذي (أي الصراع) يعد الدافع الاقتصادي من أهم دوافعه .. ذلك ما يمكن تسميته بالفيد باك أو التغذية المرتدة للفساد.
المنطق في التاريخ
      يبدو التاريخ مملا أو عابثا أحيانا و لكن ربما وقع منه التكرار استجابة لحتميات معينة ترتبط بالمكان و بعوامل أخرى .. و هكذا رأى البعض أن ثمة عقلا أو منطقا ما يحكم التاريخ و من ثم يمكن التنبوء بسلوكه .. و في ضوء هذا يرى أنصار الرؤية القدرية للتاريخ أن فكرة المكان المبارك دائما و المكان الملعون دائما فكرة يمكن قبولها .. و نظرة إلى تاريخ ليبيا و ما إذا كان يتمتع بسلوك نمطي و مقارنة ما حدث في عام 2011 و ما حدث بعده بالماضي يمكن أن تلقي بمزيد من الأضواء على ظلال الماضي التي يلقيها على الحاضر و ربما المستقبل أيضا.
      ما يحدث في ليبيا الآن منه ما سبق وقوعه في التاريخ الليبي مثل التقليد و الحروب الأهلية و الاستعانة بالأجنبي بما يترتب على ذلك من مخاطر جسيمة على مستقبل الوطن و أمنه القومي .. و منه ما وقع في مكان آخر مع شعوب أخرى في هذه الحقبة أو في حقب سابقة .. و المثال الواضح على الحالة الأخيرة أن ما تشهده منطقة الشرق الأوسط من صراعات ذات طابع ديني قد شهدت أوروبا مثله في ما عرف بالحروب الدينية .. و هكذا فنحن نكرر أخطاء أسلافنا و نكرر أخطاء غيرنا أيضا .. و مع أن سقوطنا في الحفر القديمة أو الشهيرة دليل غباء فاضح لكنه على مستوى التجربة الإنسانية كثير الحدوث للأسف.
ملامح التجربة السبطشية المكررة
     أهم الملامح التي وسمت التجربة السبطشية التي يمكن أن نجد لها سوابق تاريخية في تاريخ ليبيا : العنف المفرط .. الاستعانة بالخارج .. العلاقة الشائكة بين معارضي الداخل و الخارج .. التقليد .. الأثر الجهوي و القبلي في الصراع أي بشيء من التبسيط (الأثر الجغرافي التاريخي المشتبك بالاجتماعي).  
فيما يتعلق بملمح العنف المفرط :
      كشفت التجربة السبطشية عن كم هائل من الحقد كان كامنا في النفوس .. فرأينا أن الليبي لا يكتفي بقتل أخيه الليبي أي نفيه جسديا من هذه الحياة الفانية أي نفيه من الجغرافيا و يمعن في تلطيخ سمعته لنفيه من التاريخ بل يلاحقه في الحياة الخالدة ليتأكد من نفيه من الجنة .. ليس هذا فحسب بل يصر على إيداعه في جهنم و بئس القرار! .. و لا ينتبه أو لا يريد أن ينتبه إلى أن هذا البائس قد نال بالقتل قصاصه و عقوبته إن كان قد ارتكب جريمة القتل يوما ما و ليس ثمة ما يمنع دخوله الجنة ما لم يكن (موقوفا) على ذمة قضية أخرى!!.. كما أن تقرير المصير الأبدي من صلاحيات الله الخاصة و الأصيلة.
     و بدراسة التاريخ فقد كان لهذه الظاهرة سوابق تاريخية في أقاليم ليبيا المختلفة و في تاريخ العرب الذي يعتبر التاريخ ليبي تفريعا منه .. و في ضوء هذه النزعة الثأرية البدائية يمكن فهم الهتاف : (دم الشهداء ما يمشيش هباء) المرفوع من أطراف الصراع جميعها.
و فيما يتعلق بملمح الاستعانة بالخارج :
     لم يكن الاستنجاد بالناتو و ساركوزي و حمد قطر و غيرهم بدعا من القول و الفعل فقد اعتاد الليبي أن يستدعي الأجنبي لنجدته و غالبا ما يتورط : فليبيا الوطن الوحيد الذي دخله العثمانيون برغبة أهله و بناء على طلبهم (قصة استنجاد وفد تاجوراء بسليم الأول في استانبول لتخليص طرابلس من حكم فرسان مالطا) .. و آخر ولاية عربية يتخلون عنها و قد تركوها لمصيرها أمام الغزو الإيطالي .. و لذلك فتسميتها بالقزونة في هذه المجموعة من المقالات ليست من فراغ  .. صحيح أن البعض يشكك في قصة وفد تاجوراء هذه مثل محمد بازامه و الطاهر الزاوي رغم أنها ذكرت من ابن غلبون و الأنصاري(2) و هما أهم من أرخ لتلك الحقبة .. و ليبيا البلاد العربية الوحيدة التي استعانت بالأجنبي لنيل استقلالها (ثمة من يراه ميزة و ثمة من يراه مطعنا) .. و ربما كامتداد لذلك و كتداع له و بنوع من العرفان بالجميل فليبيا البلاد العربية الأولى التي سمحت بإقامة قواعد أجنبية على أرضها بعد استقلالها .. بالأحرى بعد الحرب العالمية الثانية و انحسار حقبة الاستعمار الصريح و المباشر نظريا على الأقل .. و (الثورة) الليبية من بين (الثورات) العربية ــ التي نجحت في إسقاط النظام ــ الوحيدة التي استعانت بالخارج فأصابها ذلك في مقتل إذ من أهم الفروق بين الثورة و غيرها من أنواع الحراك المشابهة الأخرى أن الثورات دائما و أبدا صناعة محلية خالصة.
و فيما يتعلق بملمح المعارضة من الخارج :
    فإن الليبي تاريخيا بين العرب الأكثر معارضة من الخارج و الأكثر استعانة به .. و ذلك يؤدي لارتهان القرار الوطني للخارج بسبب إحساس معارضي الأمس بالعرفان بالجميل للأفراد الأجانب و البلدان الأجنبية و بسبب الانكشاف للخارج و الضعف أمامه.
و فيما يتعلق بملمح العلاقة بين معارضي الداخل و الخارج :
     من السوابق التاريخية يلاحظ توافق و انسجام بين معارضة الداخل و الخارج قبل استيلائهما على السلطة (شهر العسل) و لكن بعد ذلك تسود علاقة من النفور المتبادل المعلن أو الخفي بينهما .. بعد قيام المملكة على سبيل المثال حدث هذا .. و تقدم شخصية عبدالله القويري الأديب المعروف نموذجا لذلك .. و الذي قضى جل عمره في المهجر المصري ثم عاد إلى ليبيا بعد قيام المملكة و عانى كثيرا من نظرة الناس إليه باعتباره غريبا.
      و في هذه الحقبة التي نشهدها الآن يلاحظ هذا النفور المتبادل و الخفي غالبا بين ليبي الداخل و ليبي الخارج الذين لقبهم القذافي و السباترة بالكلاب الضالة و يلقبون الآن من البعض بجماعة دبل شفرة (من يحمل منهم جنسيتين) أو المازقرو أو المازقري : (نوع من الأغنام المستوردة) .. حيث ينظر الليبي في الداخل لليبي القادم من الخارج نظرة شك في قدرته على فهم المجتمع الليبي و ريبة في ولائه .. خاصة و أن منهم من يحمل جنسيات أخرى بالإضافة للجنسية الليبية بما يعنيه ذلك من احتمال تنازع الولاءات .. و ينظر الأخير للأول نظرة شك أيضا و لكن في قدرته على التطور و هو يعتبره نتاج حقبة من التجهيل و القمع .. و قد ساهم سباطشة الداخل بقوة في تكوين هذا الانطباع عنهم بمجاراة سباطشة الخارج (إثناء شهر العسل) في المبالغة في الطعن في الحقبة السبترية و إظهارها بأنها كانت خواء في خواء .. و بذلك ارتد سهمهم عليهم (أي على سباطشة الداخل).
     إن المرء حينما يطعن في حقبة قد عاشها إنما يطعن دون أن يدري في جزء أصيل من ذاته .. و هذا المأزق هو ما عبرت عنه في مقال سابق : (مقال 7 : أدوات تنغيص ليبية) بالكوكتيل من النوستالجيا و البراغماتية بالنسبة للطاعن و المادح على السواء.
     و إذا طال المقام بالمعارضة السبترية في الخارج فسوف تعاني الموقف نفسه في حال عودتها إلى الوطن : من الشك في ولائها و من حالة العرفان بالجميل للمهجر.
فيما يتعلق بملمح التقليد
      بالتأمل يمكن اعتبار التقليد المحرك الأهم للصراع السياسي في ليبيا في التجربتين السبترية و السبطشية على الأقل .. فالليبي مقلد و غالبا ما يسيء التقليد .. و دائما تتسابق القبائل و الأفراد و المدن لركوب الموجة بصرف النظر عن الحاجة لركوبها و عن التأكد ما إذا كان التوقيت مناسبا أم لا في نوع من المزايدة أو المفاخرة الخطرة .. و من دلائل هذا النزوع للتسابق أن التجربة السبطشية كان موعد انطلاقها المعلن (العرفي) 17/2/2011 و لكنها انطلقت قبل الموعد بيومين بنغازيا و يوم بيضاويا .. و لا ننسى تلك الألقاب السبترية : مدينة البيان الأول .. الشرارة الأولى .. النقاط الخمس ... الخ .. و تلك الخصومة بين المدن السبطشية حول براءة أول شهيد سقط .. و موجة الأغاني التي يحاول كتابها العدل بين المدن و المناطق و هو مثل العدل بين النساء لن يستطيعوه و لو حرصوا .. و هي موجة تذكر برحلة نغم التي لم تكتفي بالتغني بالمدن بل تغنت بالأحياء أيضا : "الصابري عرجون الفل .. الصابري عمره ما ذل"!! .. و أخشى أن هذا البيت قد ساهم بدرجة ما في تعثر تسوية الصراع في هذا الحي تحديدا!.
       و في سياق التقليد و الطبيعة المتسرعة للشخصية الليبية يمكن فهم كيف استفزت الليبيين (السباطشة) النكتة الليبية على الأرجح المنحولة للتوانسة التي تقول : (واطوا روسكم يا ليبيين نين نشوفوا الرجالة) و هي نكتة على الأرجح من صنع فتان ليبي محترف لا يعبأ بقوله تعالى : {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ{18} ق .. و بما يمليه الضمير الحي و الخوف على مستقبل الوطن و عدم المغامرة به .. و من المقلدين أيضا أولئك السباطشة مثلا الذين انضموا للحرب تقليدا لآخرين من جيرانهم و أصدقائهم و تأثرا بالتعبئة الإعلامية من قبل القنوات السبطشية الليبية و العربية .
ظلال التاريخ و الجغرافيا
     بدراسة التأثير الكبير للعامل المكاني المشوب بالعامل الاجتماعي في الصراع السياسي في ليبيا ..  فأنه من اللافت تباين المواقف على مستوى الولايات في بداية التجربة السبطشية كما لو أن كل ولاية وحدة متجانسة .. فرأينا خروج برقة كوحدة متجانسة عن سيطرة القذافي في مدة وجيزة و غلبة التريث أو الانتظار على فزان و كان جل أهل ولاية طرابلس باستثناء بؤر قليلة مناهضا لما حدث في البداية على الأقل (المظاهرات المليونية و الرتل و تأخر شباب العاصمة في إنجاز الليلة الحاسمة و غير ذلك من المؤشرات).
     و لم يكن هذا التباين على مستوى الولايات مما يثير الدهشة للمطلع على الشأن الليبي .. ففي الحقبة الملكية و ما سبقها مثلا كان للحركة السنوسية انتشارها الواسع في برقة بينما لم يكن لها وجود يذكر في طرابلس .. و في الحقبة السبطشية فإن معظم السباترة (محب القذافي أو الكاره لبديله أو المتضرر من رحيله)  من طرابلس و معظم السباطشة من برقة .. كما لم يعد خافيا أن معظم السباترة و خاصة أبناء المناطق المنكل بها بعد مقتل القذافي تحمل برقة و مصراتة المسئولية الأدبية عما حدث ما يعني ضمنا بأنهم لا يعتبرون مصراتة جزءا من ولاية طرابلس .. و ما يهدد بتحول الصراع السياسي الأيديولوجي إلى صراع اجتماعي أهلي بخلفية جهوية  .. ما يجعل من الحكمة تبني سياسة طي الصفحات و عدم الاحتفال بالذكريات المؤلمة .. و هنا ربما كان تبني الفيدرالية و إن مرحليا من الأدوات المساعدة لعلاج الشروخ الاجتماعية و ضمان عدم تفاقمها.
      و بينما كان طرد القواعد الأجنبية المنتشرة في الولايات الثلاث مطلبا شعبيا بامتياز فإنه من العجيب أن طرد الطليان لم يكن مطروحا البتة .. ربما لأن تلك الجالية المدللة من بقايا الفاشيست موجودة بجزء من ولاية طرابلس فقط.
      و حتى بالنظر لآخر تجليات الصراع فثمة تباين أيضا .. إذ يمكن بشيء من التبسيط القول أن الصراع الحالي في برقة أيديولوجي مطعم بالقبلية و الصراع في طرابلس قبلي مطعم بالأيديولوجيا.
      و هناك ظاهرة اجتماعية يحاول البعض إنكارها أو اتهام القذافي بابتكارها بينما نجد العهد الملكي يعترف بوجودها في وثائقه الرسمية .. و هي بالتأكيد ليست من ابتكاراته بل أنها قديمة قدم المجتمع .. حيث نجد في الدوائر الانتخابية المحددة بالقانون رقم 7 لسنة 1964 و في دوائر العاصمة تحديدا ذكر بعض القبائل و قرودها!! و في دوائر الزاوية ذكر بعض القبائل و رعيتها .. و أحيانا (بلفظة مهذبة) : و أصحابها(3) .. و في برقة نظائر لذلك و إن لم ينص عليها في الوثائق الرسمية .. و في فزان كذلك .. ربما ليس على مستوى الألفاظ بل على مستوى الممارسة.
      إنها ظاهرة يمكن وصفها بالأحفورة أو المستحاثة الاجتماعية التي تبين وجود أرستقراطية بدائية أو طبقية ما في المجتمع الليبي نتج عنها حالة من التمييز العرقي يجعل من بعض القبائل قبائل نبيلة و البعض الآخر قبائل تابعة و ملحقة .. و من المحتمل أن هذا التمييز العرقي قد ألقى بظلاله على الصراع أيضا.
      هذا بنظرة عامة .. و بالتقاط بعض التفاصيل الجزئية .. يلاحظ تشابه السلوك السياسي بين بعض المدن في برقة على سبيل المثال حيث التزمت في الحقبة الإيطالية (سلوك المهادنة و التعايش في الغالب) و في الحقبتين : الملكية و السبترية (سلوك المشاغبة) .. و إذا سلمنا بالطرح المروج له و القائل بأن الحقبة الملكية و الحقبة السبترية على طرفي نقيض فلا مفر من التساؤل : لماذا حافظت هذه المدن على سلوكها المشاغب في هاتين الحقبتين المختلفتين حد التناقض؟ .. و بدراسة التركيبة الاجتماعية لهذه المدن يلاحظ تشابهها في التركيبة الاجتماعية و اختلافها نوعا ما عن بقية مدن برقة ما يدفع لاتهام العامل الاجتماعي أكثر من غيره من العوامل .. و تأثير العامل الاجتماعي في طرابلس و فزان أشد وضوحا لا يحتاج لضرب الأمثلة.
      و  في السياق ذاته هناك فئة من الليبيين و هم أبناء القبائل المتهمة بالمهادنة أو التخلف عن الجهاد ضد إيطاليا رأيناهم يبالغون في الحماس للحرب السبطشية كأنما أرادوا بذلك إعادة الاعتبار لقبائلهم .. و هي حالة تظهر التأثير التاريخي في الصراع السياسي حيث يلقي الماضي بظلاله على الحاضر .. و تكررت هذه الظاهرة فيما يعرف إعلاميا بمعركة الكرامة .. فهناك مناطق معينة متهمة بتواضع مشاركتها في الحرب السبطشية رأيناها أشد حماسا من غيرها لهذه المعركة .. و هذه الظاهرة القبلية أو المناطقية أشد بروزا في برقة .. أما في طرابلس فثمة ظاهرة قبلية أخرى تتمثل في إحجام قبائل معروفة بتحفظها على القذافي و نظامه إحجامها عن الانضمام إلى السباطشة لأن قبائل أخرى سبقتها .. لما بين هذه المناطق أو القبائل من ثارات أو ضغائن .. و هنا يلقي الماضي بظلاله على الحاضر أيضا.
    هذا و لا ننسى تلك المرافعة الممتدة من بداية الحرب السبطشية حتى مقتل القذافي و التي أنكر بها المثقفون السباطشة باستماتة وجود أية بنية قبلية في ليبيا أو التقليل من أهميتها .. و الصدق يستلزم الاعتراف بوجود هذه البنية و قوتها و الاعتراف بأن لها جانبين : جانبا إيجابيا لم يستغل للأسف (انظر مقال 2 : آه لو أن الحكمة ليبية)  و جانبا سلبيا يفعل فعله الآن.
     المثقف شاهد .. و لا ينبغي للشاهد أن يكذب أهله .. عليه أن يواجههم بما يحبون و أيضا بما لا يحبون شرط تحري الصدق و البعد قدر المستطاع عن التهكم .. و كم أخشى أن أولئك المثقفين كانوا شهود زور.
15/1/2015
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) بعض ما جاء في هذا المقال مأخوذ من المقال (جدل القاتل و الضحية) .. وضع هنا و أشير إليه فقط في مكانه الأول.
(1)التغذية المرتدة أو الفيد باك (FEEDBACK) : مصطلح مجاله الأول علم الإلكترونيات .. و يعني عملية يعود بها جزء من خرج الدائرة الإلكترونية إليها مرة أخرى كدخل لتقوية الخرج النهائي أو لتعديل التردد.
(2) كتاب تاريخ ليبيا في العصر الحديث ــ تأليف ن . إ . بروشين ــ ترجمة عماد حاتم ــ منشورات مركز جهاد الليبيين للدراسات التاريخية ــ ط أولى 1991 ــ ص 26 ، 27
(3) كتاب موسوعة التشريع الليبي ــ منشورات دار المعارف ــ 1965  ص 90 ، 91

محتويات المدونة (الفهرس)

 بدون ترقيم ولكن ترتيبه في النشر يأتي بعد المقال رقم 42 محتويات المدونة (الفهرس)      ملاحظة : تاريخيا من الأقدم إلى الأحدث أنشأت ثلاث م...