الاثنين، 31 أغسطس 2015

المقال رقم 11 : جدل القاتل والضحية

جَدَل القاتل و الضحية في التجربتين : السبترية و السبطشية
بين التباسين
      يعتقد المسلم جازما بدخول الشهيد المحتوم للجنة و التمتع بكل ما فيها و لكنه يعد من جعل الحي شهيدا (أي القاتل) مجرما و يطالب بالقصاص منه .. كما أن أقارب الشهيد (أولياء الدم) يصرون على ذلك بدلا من يتقدموا بشكر القاتل أو تجاهله على الأقل لأنه أعطى فقيدهم جواز المرور المؤكد إلى الجنة.
     أن موقف أولياء الدم و الشريعة الإسلامية هنا يشبه إلى حد ما أن تطالب بالسجن المؤبد مع الأشغال الشاقة لمن قام بإنقاذ حياتك.
     هذا عن موقف الشريعة و أولياء الدم فماذا عن صاحب الشأن؟ .. ترى ماذا يقول المرء لقاتله حينما يلتقيان على مشارف الحشر؟ .. أيقول له : شكرا؟
     صحيح أن شكر القاتل على خدماته الجليلة يوقعنا في التباس آخر لا يقل تعقيدا و غرابة عن الأول .. و للخروج من هذه الالتباسات المعقدة نقول : لعل لله حكمة لا نعلمها حينما أختار لنا الوقوع في الالتباس الأول لا الثاني.
مقاربة رياضية
     في الجدول المرفق تصور افتراضي نظري مبسط يستبعد مثلا أن يتقاتل السبتريان أو أن يتقاتل السبطشيان أو أن يقتل أحدهما المسالمين و المحايدين إلا خطأ .. أو أن يتقابل المدافعان من الفريقين .. و لكن واقعيا فالعنف في المرحلة السبطشية خاصة كان منفلتا و لا مبالغة إذا ما لون الجدول كله بلون واحد يمثل احتمال وقوع القتل الخطأ بالإضافة إلى احتمال وقوع القتل العمد .. و إذا ما اعتمدنا هذا التصور فنحن إذن أمام حوالي [576] فئة أو نوع من الضحايا المختلفين .. و الاختلاف هنا جاء من اختلاف وجهة النظر الخاصة لكل متأمل للقاتل موقفا أو دافعا و للضحية موقفا أو دافعا و للقتل ما إذا كان عمدا أم خطأ في كل واقعة قتل على حدة.
    أما كيفية حسابها فذلك بوضع حرفي خ ، ع أي (خطأ ، عمد) في كل مربع فيكون مجموع تكرارات الحرفين =عدد مربعات الصف × عدد مربعات العمود × عدد الحروف في كل مربع .. فنحصل بذلك على 16 × 18 × 2 = 576 فئة من وقائع القتل المختلفة .. أي [576] تأويلا محتملا لما يقصده الليبي بالشهيد.
     و هكذا تتضح لنا ضخامة المأزق المترتب على رفع الشعار : (دم الشهداء ما يمشيش هباء) الذي يرفع غالبا بروح ثأرية بدائية جدا ..إذ لهذا الشعار حوالي [576] تأويلا مختلفا .. مع ملاحظة تصنيف آخر تم تجاهله في الجدول للتبسيط يمكن أن يضاعف هذا الرقم : في ما يخص التجربة السبطشية و هو اختلاف تقييم الضحايا و القتلة قبل مقتل القذافي عنه بعد مقتله.. أما في المرحلة السبترية فتحديد القاتل و الضحية و نوع القتل أشد وضوحا و لكن ثمة تقييم تم تجاهله أيضا و هو اختلاف تقييم الضحايا و القتلة قبل (أصبح الصبح) .. أي خلال فترة العنف الثوري كما سماها القذافي نفسه .. أي مرحلة صعود منحنى الاحتقان عنه بعدها .. أي مرحلة هبوط ذلك المنحنى.
الشهادة في ليبيا دالة في الزمن     
     يبين الجدول المرفق (16) فئة في صف القتلة و (18) فئة في عمود الضحايا (الشهداء المحتملين) .. تتكرر فيهما بعض الفئات و يختلفان في البعض الآخر .. و قد صنفت الفئات حسب ثلاثة محددات هي الدافع (أي المبررات التي أقنع المرء بها نفسه لينضم إلى فئة معينة) .. و الموقف (محارب أي في حالة هجوم .. مدافع عن نفسه .. منضم إلى فئة معينة و لكنه مسالم .. محايد .. محايد اضطر للقتال دفاعا عن نفسه) .. و النية أو التظاهر (أي أن الانتماء للسباطشة أو للسباترة إما اقتناعا أو لتحقيق مآرب أخرى غير المآرب المعلنة .. " .... ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها، أو امرأة يتزوجها ...."(1) .. و هناك محدد رابع هو الاختيار أو الاضطرار حيث استخدمت صفة (مرغم) أو لم تستخدم.    
    و يمكن تقسيم المرحلة من 1/9/1969  حتى الآن إلى أربع مراحل فرعية لتبيان أن الشهادة عند الليبي دالة في الزمن و ليتأكد لنا كم هي ملتبسة في ليبيا لفظة شهيد هذه :
(أ) مرحلة ما قبل (أصبح الصبح) .. أي مرحلة العنف الثوري .. أي مرحلة صعود منحنى الاحتقان حتى بلغ أعلى مستوياته في 1988.
(ب) مرحلة ما بعد (أصبح الصبح) حتى 17/2/2011 : هبوط منحنى الاحتقان .. (انظر مقال 6 : الغرابيل المعلقة).
(ج) المرحلة من 17/2/2011 حتى مقتل القذافي.
(د) المرحلة ما بعد مقتل القذافي.
     و يمكن تصنيف القتلة و القتلى في المراحل الأربع حسب ما جاء في الجدول و ذلك حسب محددات الدافع و الموقف و النية و التظاهر و الاضطرار و الاختيار .. على النحو التالي :
1 ــ سبتري يحب القذافي مبادر بالحرب  (نجده في صف القتلة و في عمود الضحايا .. أي يمكن أن يكون قاتلا أو قتيلا أو قاتلا ثم قتيلا): تشمل هذه الفئة كل من دافع عن القذافي قديما أي قبل 2011 أو حديثا بعد هذا التاريخ بحمل السلاح أو بالتحريض على حمله حبا في القذافي شخصا أو فكرا أو نظاما أو خوفا من تهمة الخيانة إذا ما تخلي عن القذافي بعد العشرة الطويلة.
2 ــ سبتري يكره البديل مبادر بالحرب (نجده في صف القتلة و في عمود الضحايا): تشمل هذه الفئة من واجه السباطشة قديما أو حديثا بحمل السلاح أو بالتحريض على حمله حرصا على مكانة أو منفعة أو خوفا من استيلاء قوى أخرى لا يريدها على السلطة و البلاد (مثلا كرها للناتو بما يثيره في الذاكرة من عداء للغرب أو كرها للتيارات الإسلامية ... الخ) أو نكاية في بعض المناطق أو القبائل أو نكاية على مستوى الأقاليم .. (انظر المقال 10: ظلال و ملامح).  
3 ــ سبتري مرغم مبادر بالحرب (نجده في صف القتلة و في عمود الضحايا): تشمل هذه الفئة من أرغم أو أقحم (على اختلاف في المعنى) على مواجهة السباطشة قديما أو حديثا بحمل السلاح أو بالتحريض على حمله و هو لا يريد ذلك كرها في القذافي أو حبا في التغيير أو كرها في العنف .. و الأرغام أو الإقحام ربما جاء بسبب التورط مع النظام في أمور يخشى كشفها و يخشى من ثم العقاب  .. و تلتبس هذه الفئة مع فئة المحايد المضطر للقتال.
4 ــ سبتري يحب القذافي  مدافع عن نفسه (نجده في الصف و في العمود): هذه الفئة هي نفسها الفئة رقم (1) من حيث الدوافع و لكن الاختلاف في الموقف حيث أن الموقف هنا موقف دفاع عن النفس.
5 ــ سبتري يكره البديل مدافع عن نفسه (نجده في الصف و في العمود): هي نفسها الفئة رقم (2) من حيث الدوافع و لكن في موقف الدفاع عن النفس.
6 ــ سبتري مرغم مدافع عن نفسه (نجده في الصف و في العمود): هي نفسها الفئة رقم (3) من حيث الدوافع و لكن في موقف الدفاع عن النفس. 
7 ــ سبطشي يكره القذافي مبادر بالحرب (نجده في الصف و في العمود): تشمل هذه الفئة من واجه القذافي قديما .. أي قبل 2011 .. أو حديثا بحمل السلاح أو بالتحريض على حمله من الذين يكرهون القذافي شخصا أو فكرا أو نظاما من طلاب الثأر و من المتضررين من حكمه أو من الرافضين له و لحكمه ليس إلا. 
8 ــ سبطشي يحب البديل مبادر بالحرب (نجده في الصف و في العمود): تشمل كل من واجه القذافي قديما أو حديثا بحمل  السلاح أو بالتحريض على حمله حالما بحكم ليبيا و المنطقة من أصحاب الفكر الشمولي و المشاريع العابرة للقارات أو حبا في التغيير علما بأن هذه الفئة تفترق عند هذه النقطة إلى فئات جزئية عديدة حيث ليس هناك  تصور محدد للتغيير و لا للبديل يجمعهم بل أن تصوراتهم كانت متعارضة أحيانا .. ففي هذه الفئة حديثا مثلا أي في المرحلة السبطشية (بعد 2011) تجد الجهادي الذي يجهر بعدائه للصهاينة و الأمريكيين يعمل مع هنري ليفي الصهيوني العتيد و يقاتل تحت طائرات أمريكا و يقاتل بجانبه العلماني و الملحد .. و عد ذلك من قبل السباطشة في حينه دليل صحة و عافية!! و لكن بعد مقتل القذافي صار دليل مرض عضال .. ذلك لأن هذا الكوكتيل غير المتجانس كان يؤمن كما يبدو بالمقولة : الغاية تبرر الوسيلة.  
9 ــ سبطشي مرغم مبادر بالحرب (نجده في الصف و في العمود): تشمل كل من اضطر لمواجهة القذافي قديما و حديثا بحمل السلاح أو بالتحريض على حمله مرغما أو مقحما (على اختلاف في المعنى) و هو لا يريد ذلك حبا في القذافي أو خوفا من البديل أو خوفا من تهمة الخيانة أو كرها في العنف أو خوفا من العقوبة في حال الفشل في إسقاط النظام .. و تلتبس هذه الفئة مع فئة المحايد المرغم على القتال.
10 ــ سبطشي يكره القذافي مدافع عن نفسه (نجده في الصف و في العمود): هي نفسها الفئة رقم (7) من حيث الدوافع و لكن في موقف الدفاع عن النفس. 
11 ــ سبطشي يحب البديل مدافع عن  نفسه (نجده في الصف و في العمود): هي نفسها الفئة رقم (8) من حيث الدوافع و لكن في موقف الدفاع عن النفس.
12 ــ سبطشي مرغم مدافع عن نفسه  (نجده في الصف و في العمود): هي نفسها الفئة رقم (9) من حيث الدوافع و لكن في موقف الدفاع عن النفس.
13 ــ مــــقــــــــلــــد مبادر بالحرب (نجده في الصف و في العمود): كل من واجه القذافي قديما أو حديثا بحمل السلاح أو بالتحريض على حمله و سبطشيا (بعد 2011) مثلا تشمل من استفزتهم النكتة المعروفة المنحولة على الأرجح للتوانسة .. (انظر المقال 10: ظلال و ملامح).
14 ــ مقلد مدافع عن نفسه (نجده في الصف و في العمود) هي نفسها الفئة رقم (13) و لكن في موقف الدفاع عن النفس.
15 ــ انـــــتـــهــازي (وضع في صف القتلة فقط): تشمل اللصوص (الهلاتة) و المتطفلين على الحروب من لصوص الخردة و المنازل و المجرمين الفارين من السجون و تجار المخدرات و غيرهم .. و تشمل أيضا من الإعلاميين و المثقفين ركاب الموجة الباحثين عن الشهرة الرخيصة و الباحثين عن المغامرة أو التسلية و لو باللعب بالجماجم و بمستقبل الوطن .. و تشمل من يقومون بالاغتيال مقابل المال أو المنفعة الشخصية أو لمصلحة بعض المناطق أو القبائل .. و تشمل أيضا من العرب و الأجانب الطامحين للاستفادة من تهاوي النظام و البلاد لتحقيق مكاسب متنوعة و متعددة .. و لم يوضع الانتهازيون في عمود الضحايا رغم أن منهم من قتل لأنه لا خلاف على إخراجهم من قائمة الشهداء .. و نلاحظ شيئا من الالتباس أو التداخل بين الفئتين : المقلد و الانتهازي.
16 ــ مــــــــــنــــدس (وضع في صف القتلة فقط): تشمل كل من قتل و نسب القتل إلى غيره ليؤجج الحرب (قبل مقتل القذافي) و كل من فعل ذلك (بعد مقتله) خلال الصدام مع المليشيات بالإضافة إلى عمليات الاغتيال من قبل المخابرات المحلية و العالمية و المتشددين خصوصا الوافدين من الخارج و احتمال تورط أبناء بعض القبائل و المناطق في الاغتيالات لزعزعة استقرار بعض الأقاليم ثأرا أو لإزاحة المناطق و الأقاليم المنافسة من أمام مناطقهم .. و لم يوضعوا في عمود الضحايا رغم أن منهم من قتل لأنه لا خلاف على إخراجهم من قائمة الشهداء .. و يلاحظ بعض التداخل بين الفئتين : الانتهازي و المندس.
17 ــ سبتري مسالم (نجده في عمود الضحايا فقط): تشمل كل السباترة المسالمين من تسبتر حبا في القذافي أو خوفا من البديل أو لأية دوافع أخرى.
18 ــ سبطشي مسالم (نجده في عمود الضحايا فقط): تشمل كل السباطشة المسالمين من تسبطش لأية دافع من الدوافع المعروفة.
19 ــ مـــحـــايــد (نجده في عمود الضحايا فقط): تشمل المحايدين الرافضين لخيارات السباترة و السباطشة على السواء و كذلك بقية المحايدين على اختلاف دوافع الحياد لديهم.
20 ــ محايد أرغم على القتال (وضع في عمود الضحايا فقط): تشمل من لم يتسبتر و لم يتسبطش (نية) و اختار الحياد لأي دافع من الدوافع و لكنه وجد نفسه في موقف الدفاع عن نفسه .. و لم يوضع في صف القتلة رغم أنه قد وقع منه القتل لأنه إنما اضطر لذلك اضطرارا.
ملاحظات عامة :
1 ــ أنا مدين بالاعتذار الشديد لذوي ضحايا هذه الحرب و محبيهم .. فقد يبدو لهم في فكرة المقاربة الرياضية لموضوع الشهيد و الشهادة قدر من التهكم .. و لعل لسان حالهم يقول : كيف تتم مقاربة مصائبنا رياضيا بما في الرياضيات من صرامة و صدق جارح  و نحن قد اعتدنا أن نقارب مصائبنا باستلامنا العجيب لما ندعوه بالقدر و بامتثالنا الأعجب لما تمخضت عنه كوابيس العرافين و مزج كل ذلك بالقصائد و بالتفاؤل الساذج؟
     و مع أنني قد طلقت السخرية الطلاق الأسلوبي إلا إنني لا أنكر رفة الشارب حينما أرى مطلقتي تطل من الشرفة .. و لكن ليس هذا ما دفعني لهذه المقاربة .. بل إن مقاربتي لموضوع الشهيد و الشهادة بالحساب و الرسوم البيانية جاءت تعبيرا ربما جنونيا عما أحس به من المرارة.
      إذا كان القارئ يأخذ بالمبدأ النقدي : (موت المؤلف) حيث لا قيمة إلا لما يقوله النص .. فالنص لا تهكم فيه .. و يمكن حمل كل ما جاء به محمل الجد .. أما بالنسبة للانطباع الذي يمكن أن توحي به الفكرة نفسها فإني أكرر اعتذاري الشديد إذا كان هذا القارئ يصر على أنه لا توجد مقاربة أفضل من المقاربة المعتادة بخلطتها العجيبة.
2 ــ إنني هنا أحاول أن أخمن تقييم الله لمخرجات هذا الصراع أو التناحر مركزا على الضحايا أكثر من القتلة .. و أحاول أن أحافظ على حيادي فلا أخرج من عمود الشهداء و لا من صف القتلة إلا من أحس بوجود إجماع على إخراجه .. و حرصي هذا بدافع الموضوعية في إظهار كم هي شاسعة و مخيفة تلك الفجوة التي تتشعب بين الليبيين لتفصل بينهم ..  و من يحرص على الحياد و الموضوعية يعرض نفسه لهجوم مضاعف .. حيث تتفق كل الأطراف التي لا اتفاق بينها على سحقه.
     ينبغي الانتباه إلى أن المقاربة الرياضية قد أظهرت وجود 576 مفتاحا .. يدعي كل حامل لمفتاح منها أنه يمتلك المفتاح الخاص بأحدث قفل من أقفال الجنة أما بقية المفاتيح فيراها مفاتيح مزيفة أو لأقفال قد تم إلغاؤها .. و ذلك يظهر أن المشكلة لغوية بالدرجة الأولى .. و لا عجب .. فمعظم أزماتنا لغوية المنشأ.
     لا ننسى في هذا السياق المقاربة الدينية التي هي مقاربة لغوية في الأساس لأن النص الديني حمال ذو أوجه و معظم أوجهه لغوية بالطبع .. في هذه المقاربة سوف يبرز إلى الواجهة الحديث الشريف : "إذا اقتتل المسلمان فالقاتل و المقتول في النار" .. هذا الحديث يحسم الأمر تماما و يجعل من المقاربة الرياضية أثرا بعد عين .. و لكن هذا الحديث ليس نهاية القول .. فقد يواجه حتى من داخل مجاله ببعض التحفظات : من قائل بأنه لا ينطبق على الحالة أو قائل بأنه ضعيف أو قائل بأنه منسوخ لوجود نصوص من القرآن أو السنة لا تتسق معه.
3 ــ لم تحدد نهاية المرحلة السبطشية (في أعلى الجدول المرفق و في هذا المقال) رغم تشعب الصراع بعد ما يسمى بعمليتي الكرامة و فجر ليبيا ما يعطي انطباعا بأن هذا المقال متأخر عن الحاضر .. أي أنه مجرد مقياس زلازل يخبرك بشدة الزلزال فيما أنت تعاين آثاره.
      في الواقع هذا صحيح .. فمقالات هذه المجموعة متخلفة عن الحاضر .. أي أنها ليست مواكبة لما يحدث الآن .. و لكنني أزعم بأنها ليست متأخرة عن المستقبل!!!.. و عموما فالمرحلة السبطشية مستمرة عرفيا حتى يتوقف الاحتفال بذكرى 17 فبراير و الاحتفال بتحرير هذه المنطقة أو تلك .. و من المتوقع أنه لن تمضي سنوات حتى يتحقق هذا و قد مال الرأي العام شيئا فشيئا للقول بأن ما حدث و يحدث حرب أهلية أو فتنة أكثر من كونه ثورة.
4 ــ يمكن أن ينتمي المرء لأكثر من فئة في آن .. فقد يجمع السبتري مثلا بين حب القذافي و كره البديل فيكون منتميا إلى الفئتين (1 ، 2) في آن .. أو أن يجمع بين كره القذافي و كره بديله المحتمل (قبل مقتله) و بديله الواقع (بعد مقتله) فينتمي بذلك للفئتين (2 ، 7) .. معا و هذا الكاره للخيارين يمكن وصفه بالمحايد الرافض أو الثالث اللا رمادي .. و يمكن أن ينتقل المرء من فئة إلى أخرى و هؤلاء هم المتحولون.
5 ــ عد سبطشيا من العرب و الأجانب كل من قاتل في صف السباطشة أو عبر عن تعاطفه معهم .. و عد سبتريا من العرب و الأجانب كل من قاتل في صف السباترة أو عبر عن تعاطفه معهم.
6 ــ نسبة العرب و الأجانب على الضفة السبطشية أكبر من نسبتهم على الضفة السبترية .. فالقطريون و الإماراتيون و الناتو سباطشة بلا شك .. بينما السباترة العرب و الأجانب يراوح وجودهم بين الاحتمال و الإشاعة.
7 ــ يعتبر الانتهازي من السباطشة و لكنه ليس صريح السبطشة و كذلك المندس : " ...... إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر"(2).
8 ــ ينظر غلاة السباطشة للمنشقين و هم سباطشة أيضا نظرة دونية .. و لذلك يقولون عنهم : "يصلون معنا و لا يصلون بنا" ، و يقولون أيضا : "عفوا الانشقاق صك توبة و ليس صك ثقة" .. وهكذا ينطبق على السباطشة قوله تعالى : "تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى". الحشر14
9 ــ من الملاحظ أثناء توصيف الفئات حدوث الالتباس و التداخل بين بعضها .. و التباس الانتهازي مع المقلد من جهة و مع المندس من جهة أخرى على سبيل المثال لا يثير الدهشة .. فكل من يستغل اندفاع الجموع لخدمة أجندته أو قناعاته متهم بالانتهازية .. و كل انتهازي قد يلجأ لأساليب المندسين القذرة.
10 ــ بالتأمل يمكن اعتبار التقليد المحرك الأهم للصراع السياسي في ليبيا في التجربتين السبترية و السبطشية على الأقل .. كما يلاحظ التأثير الكبير للعامل المكاني المشوب بالعامل الاجتماعي  .. (انظر المقال 10: ظلال و ملامح).
أمثلة توضيحية :
     الأمثلة من 1 إلى 4 من الفترة السبترية و استخدم فيها المصطلحان : السباطشة و السباترة بأثر رجعي.
1 ــ أين يوضع ضباط الجيش الذين حاولوا الانقلاب على القذافي في بداية سبعينيات القرن الماضي و تم إعدامهم؟
    هم من السباطشة و أقرب الفئات التي ينتمون إليها فئة السبطشي المحارب (كاره للقذافي أو محب للبديل أو الدافعان معا) أو فئة المقلدين المبهورين بهالة المجد التي جللت أو تجلل الانقلابيين الناجحين مثل جمال عبد الناصر و معمر القذافي نفسه و قد يكون من بينهم بعض الانتهازيين و خاصة من ذوي التوجه الجهوي أو طمعا في جلب منفعة شخصية .. و قد يكون من بينهم من لفقت له التهمة و هو برئ منها فهو من السباطشة المسالمين أو من المحايدين .. و نجدهم في عمود الضحايا من لم يكن منهم انتهازيا .. و يمكن وضعهم في صف القتلة إن كانت لديهم نية باستعمال العنف لتحقيق مآربهم .. و قاتلهم المباشر معمر القذافي كبير السباترة و أدواته و قاتلهم غير المباشر من كشف أمرهم و هو مصطفى الخروبي حسبما كان متداولا و هو من السباترة أيضا .. و ربما فعل ذلك حبا في القذافي أو كرها في البديل أو بانتهازية على خلفية جهوية حيث أن معظم أولئك الضباط ليسوا من الجهة التي ينتمي إليها الخروبي .. أو بانتهازية نفعية محافظة على مكانة .. أو بكل هذه الدوافع مجتمعة .. و قتلهم عمد .
2 ــ أين يوضع قتلى الجيش الليبي في تشاد؟
    هم خليط من السباترة المحاربين و المرغمين و المحايدين المضطرين للقتال و السباطشة الذين يكتمون سبطشتهم .. و منهم من يوضع في الصف و العمود معا و منهم من يوضع في العمود فقط لأنه إنما اضطر للقتال اضطرارا .. هذا بمنظور الليبي أما بمنظور التشادي فجميعهم قتلة لا مكان لهم في عمود الضحايا .. عمود الشهداء المحتملين.
3 ــ أين توضع ضحايا عملية باب العزيزية؟
    هذه العملية وقعت في العقد الثامن من القرن العشرين قبل (أصبح الصبح) .. أي في فترة صعود منحنى الاحتقان و موقع منفذيها القتلى في صف القتلة و عمود الضحايا أما انتماؤهم فعلى الأرجح للفئتين : (7 ، 8) و نوع قتلهم قتل عمد أما قاتلهم فهو من الفئات رقم (1 ، 2 ، 4 ، 5).
4 ــ أين يوضع قتلى غارة ريغان على ليبيا؟
    هذه الغارة وقعت في العقد الثامن من القرن العشرين قبل (أصبح الصبح) و ضحاياها خليط من السباترة و من السباطشة المسالمين و المحايدين و قاتلهم من السباطشة الأجانب و سباطشة الخارج من الليبيين المحرضين عليها.
5 ــ أين يوضع حمد أمير قطر و برنار هنري ليفي؟
    مكانهما في صف القتلة فقط و هما من السباطشة و أقرب الفئات إليهما فئة الانتهازي.
6 ــ أين يوضع قتلى الكتائب المحاصرة (كتيبة الفضيل مثلا)؟
   نجدهم في صف القتلة (بتحفظ) و في عمود الضحايا و نوع قتلهم خطأ أو عمد و قاتلهم من فئات السباطشة المحاربين بالإضافة لفئتي الانتهازي و المندس .. وقتلى الكتائب ينظر إليهم السباطشة باعتبارهم سباترة بل هم خليط : فمنهم السبتري بنوعيه (المحب و الكاره) و السبطشي بنوعيه (المحب و الكاره) و منهم المحايد المرغم على القتال أي الذي ينتمي إلى الفئة رقم (20) .. و لكنهم متحدون في الموقف .. فقد كانوا في موقف الدفاع عن النفس.
7 ــ أين يوضع المهدي زيو؟
    هو من السباطشة المحاربين (كاره أو محب أو الدافعان معا أو من المقلدين) .. قد نجده في عمود الضحايا (الشهداء) مع مراعاة أن الإسلام يحرم الانتحار عموما .. و نجده أيضا في صف القتلة إن ترتب على ما قام به وقوع قتلى بصورة مباشرة أو غير مباشرة بأن سهل بعمله لآخرين عملية القتل عن قصد منه .. و قاتله المهدي زيو نفسه .. و قتله عمد (انتحار).
8 ــ أين يوضع عبد الفتاح يونس؟
     نجده في صف القتلة و في عمود الضحايا و هو من السباطشة و أقرب الفئات لعبد الفتاح يونس الفئة رقم (9) سبطشي مرغم أو مقحم مبادر بالحرب .. و نوع القتل قتل عمد .. و قاتله محتمل الوجود في فئات السباطشة المحاربين بالإضافة لفئتي الانتهازي و المندس حسب قائمة المتهمين و ما هو متداول  .. و عبد الفتاح على الأرجح مقحم و كان تدخله في البداية بدافع إنساني وطني و قد نجح في إنهاء مذبحة عبثية ناتجة عن مواجهة بين جموع معبأة ضلت طريقها فانتهى بها مسارها إلى المعسكر بدلا من الساحة و بين عسكريين يخشون عواقب الفشل في إسقاط النظام و ليس أمامهم إلا القتال دفاعا عن النفس و قد وجدوا أنفسهم محاصرين من هذه الجموع الهائجة و غير المتجانسة و لا محددة الهوية و التي لا تقودها قيادة معينة و المحشوة بالمندسين و هي على استعداد لقتل من يفتح أبواب المعسكر أمامها .. ربما انتقل عبد الفتاح يونس بعد ذلك إلى الفئة رقم (7) أو رقم (8).
9 ــ أين يوضع أبو بكر يونس؟
     نجده في صف القتلة و في عمود الضحايا و هو من السباترة المحاربين و ربما حين موته كان من السباترة المدافعين عن أنفسهم و قتله عمد و قاتله من السباطشة المحاربين ليبيين أو أجانب.
10 ــ أين يوضع قتلى بني وليد إثر القرار رقم 7؟
     هم خليط من كل فئات عمود الشهداء المحتملين .. و لكن يغلب عليهم موقف الاضطرار للقتال أو موقف المسالمة .. و قاتلوهم خليط من كل فئات صف القتلة باستثناء فئات السباترة .. و قتلهم عمد.
11 ــ أين يوضع عبد السلام المسماري؟
      نجده في عمود الضحايا .. و هو حسب مواقفه المعلنة من السباطشة بنوعيهم (المحب و الكاره) أو من المقلدين .. و نجده في صف القتلة أيضا إذا كان محرضا على اقتتال الليبيين مفاخرا به ممجدا له أي كان من السباطشة المحاربين و إن لم يفعل فهو سبطشي مسالم .. و قتله عمد .. و قاتله محتمل الوجود في فئات السباطشة المحاربين بالإضافة لفئتي المندس و الانتهازي و خاصة الليبي ذي التوجه الجهوي أو القاتل بثمن أو الانتهازي الليبي أو الأجنبي من ذوي التوجهات الأيديولوجية العابرة للقارات أو من الاستخبارات المحلية أو الأجنبية .. و ربما يتوقع البعض أن قاتله من السباترة.
12 ــ أين يوضع عبدالله هارون عبدالله؟
       لم يمجد اقتتال الليبيين و قد حذر منه قبل وقوعه .. و لم يحتفل به .. و لم يغطس أصبعه في حبر الخديعة في المرات الثلاث (انظر مقال 4 : الغرابيل الخمسة) .. و لم يقسم أمهات القتلى إلى أمهات شهداء و أمهات الذاهبين إلى الجحيم .. و لذلك فلا مكان له في صف القتلة .. و هو ليس في عمود الضحايا بالمعنى الحرفي و إن كان مثل جل الليبيين قد تضرر مما حدث .. و هكذا فأقرب الفئات إليه الفئة الناتجة من تقاطع الفئتين المسالمتين : (فئة الكارهين للبديل و الكارهين للواقع) أي المحايد الرافض أو الثالث اللا رمادي .. و الله أعلم!!!!.
خريف 2014
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1، 2) إشارة لحديثين شريفين معروفين :
الأول : عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "الأعمال بالنية، ولامرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها، أو امرأة يتزوجها، فهجرته إلى ما هاجر إليه".
    ورد هذا الحديث في صحيح البخاري بصيغ متقاربة سبع مرات على الأقل.
الثاني : "........ ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا بلال، قم فأذِّن: لا يدخل الجنة إلا مؤمن، وإن الله ليؤيِّد هذا الدين بالرجل الفاجر".
    وردت هذه العبارة بصيغ متقاربة في صحيح البخاري ثلاث مرات على الأقل من حادثة انتحار أحد المسلمين الذين أبلوا بلاء حسنا في فتح خيبر و لكنه لم يصبر على جراحه .. و قد أخبر الرسول  صلى الله عليه وسلم بدخول هذا الرجل النار قبل أن ينقل إليه خبر انتحاره.
     و بين الحديثين توافق و تكامل على ما يبدو فكأنهما يقولان : سواء أكان خروجك في سبيل الله  أم في سبيل الدنيا و سواء أكنت مؤمنا أم لا فإن ذلك يصب في مصلحة الإسلام ما دمت قد خرجت على أية حال .. و هذا ما ينطبق على التجربة السبطشية و على السباطشة باختلاف أطيافهم .. فمهما كان الهدف أو الرؤية التي خرج من أجلها السبطشي حتى و إن خرج (للهلت) فقد ساهم بخروجه في إسقاط القذافي! ، !! ، !!! ، ........


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

محتويات المدونة (الفهرس)

 بدون ترقيم ولكن ترتيبه في النشر يأتي بعد المقال رقم 42 محتويات المدونة (الفهرس)      ملاحظة : تاريخيا من الأقدم إلى الأحدث أنشأت ثلاث م...