الاثنين، 31 أغسطس 2015

المقال رقم 2 : آه لو أن الحكمة ليبية

آه لو أن الحكمة ليبية!
   
كل ما يفرض بالقوة مشكوك في شرعيته .. مشكوك في ديمومته
و صارت العويدات أشجارا
       ما يسمى بالحل اليمني و الذي استغرق شهورا للوصول إليه و تطبيقه كان بالإمكان أن يسمى الحل الليبي لو أن الحكمة ليبية .. ولكن الحكمة يمانية كما جاء في الحديث الشريف للأسف.
       في 28/5/2011 نشرت في إحدى الصحف المحلية مقالا بعنوان : (رؤوس أقلام) تساءلت فيه : هل هذا السيناريو الذي اتخذته التجربة الليبية هو السيناريو الوحيد الممكن أم هو أفضل السيناريوهات الممكنة؟ .. و انتقدت بعض ممارسات السباطشة (لم يكن هذا المصطلح قد خطر ببالي حينذاك) .. و حذرت من اقتحام المدن من قبل كتائب من مدن أخرى .. و طرحت في نهاية المقال رؤية مبسطة للحل بالعودة إلى المسار السلمي بعد أن حقق تدخل الناتو التوازن المطلوب للتفاوض .. لأن الحرب في أحد تعريفاتها هي وسيلة (وسيلة و ليست غاية) لجلب الخصم إلى طاولة المفاوضات .. كانت رؤية تشبه ما عرف فيما بعد بالحل اليمني.
       و قامت قيامة القراء السباطشة .. و اتهموني بالتشويش على المعركة .. و كتب أحدهم ردا تحت عنوان : (موش وقت تلقيط اعويدات) .. و هكذا أخذت العيدان في التساقط و رويت بالدموع و الدماء فنمت لها جذور تضرب عميقا في تربة الوطن و انطلقت لها غصون و أفرع تلقي بظلالها على سمائه حتى صار من شبه المستحيل التقاطها.
       لعل من أهم ملامح التجربة السبطشية غياب الإحساس بالمسئولية .. و تلك علامة غياب الحكمة و دليل على ضعف الواعز الوطني المتمثل في الخوف على الوطن و المواطن قبل الإقدام على اتخاذ قرار مثل قرار تغيير النظام في ليبيا بالعنف المنفلت من أية ضوابط .. و العتب كبير جدا على سباطشة الخارج الذين عاشوا لفترة طويلة في مجتمعات تؤمن بالاحتجاج السلمي و قيم حقوق الإنسان و الذين حازوا أعلى الدرجات العلمية .. مع إمكانية الظهور الآمن على المنابر الإعلامية بعكس سباطشة الداخل .. فكان من المتوقع منهم أن يحذروا الشباب من الانسياق للعنف و تبني منهج القاعدة لا أن يباركوا هذه المذبحة.


ثلاثة أخطاء سبطشية
       و بالعودة للتساؤل مرة أخرى عن السيناريو السبطشي .. و هو تساؤل مشروع و ضروري و له من الجدوى الشيء الكثير في الحاضر و المستقبل .. يمكنني القول بأن السباطشة قد اختاروا أو انساقوا إلى أسوأ السيناريوهات الممكنة من ثلاث نواح :
       الخطأ الأول من ناحية البداية .. فقد كان بالإمكان البحث عن بدايات أخرى و تجريبها على الأقل .. مثل ممارسة الاحتجاج السلمي على طريقة الثورات التونسية و المصرية و اليمنية بالإضافة إلى الإضرابات .. و قد يكون ذلك مصحوبا بجهد تفاوضي لتفتيت كتلة النظام بتحييد القذافي شخصيا و إخراجه من الصراع مثلما حدث في اليمن .. و إذا وقعت بعض الضحايا فكان المطلوب الصبر مثلما صبر المصريون و اليمنيون و التوانسة.
      الخطأ الثاني من ناحية الاستمرار .. فلم يكن مبررا الاستمرار في العنف بهذه الصورة حتى بعد أن حقق تدخل الناتو التوازن المطلوب للدخول في التفاوض .. إن هستيريا الدم التي تلبست السباطشة لم يكن لها من تسويغ حتى إذا غفرنا لهم الانسياق إلى العنف في البداية .. هذه الهستريا بلغت مستوى قياسيا وصل لدرجة قصف المدن و قتل الأسر في بيوتها .. و مازالت هذه الهستريا الدموية إلى الآن و قد رأينا آخر تجلياتها في قصف بني وليد للمرة الثانية بعد عام على مقتل القذافي.
      الخطأ الثالث من ناحية الاحتفال بما حدث .. فبما أن ما حدث هو اقتتال داخلي .. أي حرب أهلية .. فدواء صفحة الحرب الأهلية الطي .. هل احتفل العراقيون بيوم إعدام صدام أو يوم (تحرير) بغداد أو سقوطها؟ .. و أوجه الشبه بين التجربتين العراقية و السبطشية كثيرة؟ .. و لكن ما نراه من السباطشة هو الاحتفال بمراحل هذه الحرب الأهلية .. و المفارقة أنهم يدعون في أثناء الاحتفال إلى المصالحة .. و المفارقة الثانية أنهم يرفعون شعار : لا مصالحة قبل القصاص .. و هي كلها مفارقات تليق بالتجربة السبطشية بامتياز.
     و بعقد مقارنة بين سلوك الفريقين فإن السباطشة قد فاقوا السباترة كثيرا في انتهاكات حقوق الإنسان .. مما يدفع لطرح سؤال مشروع آخر : تغيير هذه بداياته هل ينجح حقا في إقامة دولة العدل و الديمقراطية و الكرامة؟ .. أم لابد لتحقيق ذلك من الثورة على السباطشة أنفسهم؟ أو انتقادهم بشدة على الأقل؟ .. انتقادا يبدأ بأخطائهم الأولى؟
مؤشرات نجاح السيناريو اليمني
       ثمة مؤشرات ترجح بقوة نجاح السيناريو اليمني أو أي سيناريو مشابه في ليبيا لو كانت الحكمة ليبية :
المؤشر الأول : مستمد من موقف النظام الذي لم يتخذ أية استعدادات جدية لمواجهة المظاهرات في ليبيا رغم أن موعد التظاهر لم يكن مفاجئا فقد حدد منذ بدايات الثورة التونسية (أو بعد هروب بن علي على الأقل) .. و دعوات إسقاطه من قبل سباطشة الخارج كانت معلنة منذ ذلك التاريخ و ربما قبله .. و انتقال عدوى ما حدث في مصر و تونس إلى ليبيا كان متوقعا بقوة .. و إحدى القراءات (ليست القراء الوحيدة) لهذا الموقف أن النظام و خاصة رأسه لم يكن كما يبدو مباليا بالتمسك بالسلطة و كان على استعداد للتخلي عنها في حال إعطائه ضمانات محلية و خارجية جدية لحمايته من مصير صدام و مبارك.
المؤشر الثاني من كتاب شلقم : (أشخاص حول القذافي) .. حيث يتضح لمن يقرأ هذا الكتاب أنه لم يكن مستبعدا أن يقدم معمر القذافي تنازلات مؤلمة بالنسبة له و لكنها قد تنقذ البلاد من العنف و مضاعفاته التي نراها الآن .. فقد كان القذافي حسب شلقم يستمع لبعض المحيطين به و أولهم شلقم و أنه يأخذ بما يرونه .. و إن تخليه عن السلاح النووي الذي به يحمي نظامه من الغرب لو نجح في امتلاكه بالفعل .. و قبوله بأن يضع يده في يد الملك فهد في قضية لوكربي رغم كرهه الشديد له .. كلها تنازلات أشد إيلاما من تركه العمل السياسي الذي قد يكون لفترة زمنية محدودة و قد يكون انحناء مؤقتا للعاصفة .. و لو أن شلقم بحث لمعمر بالتنسيق مع الأطراف الدولية و المحلية الأخرى عن مخرج بأقل الخسائر يحفظ دماء الليبيين و بلادهم بدلا من تلك الدموع التي سكبها في مجلس الأمن لعد شلقم منقذا حقيقيا .. و القول بأن ذلك قد يستغرق وقتا طويلا يرد عليه بالقول : و هل كان السيناريو السبطشي سريع المفعول و النتائج؟ .. إن تداعياته السلبية قد تستغرق وقتا أطول بكثير بالإضافة إلى مخاطرها الجسيمة.
المؤشر الثالث جاء من كشف التجربة السبطشية عن قوة العامل القبلي و عن قبلية المجتمع الليبي بدرجة فاقت التوقعات .. ما يجعل المجتمع الليبي أشد شبها بالمجتمع اليمني من المجتمعين المصري و التونسي .. و لهذا فالحل اليمني مؤهل للنجاح في ليبيا.
المؤشر الرابع : كان من المتوقع أن يمثل هذا العامل القبلي عاجلا أو آجلا صمام أمان ضد القبضة الأمنية و القمع من كتائب القذافي التي كانت في الأصل كتائب قبلية جهوية .. و لو حافظ الشباب على سلمية احتجاجهم مع وجود وسائل الضغط الأخرى التي أشرت إليها سابقا لأحرج العاملُ القبلي الأجهزةَ الأمنية المحلية (داخل كل منطقة على حدة) و تلك التي تجلب من خارجها .. ناهيك عمن يستعين بالمرتزقة إن وجد .. فالوسائل السلمية المحمية بالعوامل الاجتماعية مثل العامل القبلي .. أي التي تمثل فيها القبيلة مثلا قوة ردع لها مفعول السحر .. و هذا سر الوصفة السحرية التي اكتشفها اليمنيون بحكمتهم المشهودة.  
المؤشر الخامس : مجلس الأمن و جامعة الدول العربية و ساركوزي و أمير قطر هذا بالنسبة للأجانب و شلقم و عبد الفتاح يونس و مصطفى عبد الجليل و الطيارون الليبيون الذين لم ينفذوا أمر القذافي بالقصف هذا بالنسبة لليبيين .. كل هؤلاء قد تعاطفوا مع السباطشة في الداخل و هم مسلحون بكل الأسلحة بما فيها الدبابات و الطائرات فإن كان تعاطفهم لوجه الإنسانية و قد تعاطفوا مع حركة مسلحة أفلا يتوقع أن يكون تعاطفهم أكبر و أسرع فيما لو كانت تلك الحركة سلمية؟


  10/11/2012

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

محتويات المدونة (الفهرس)

 بدون ترقيم ولكن ترتيبه في النشر يأتي بعد المقال رقم 42 محتويات المدونة (الفهرس)      ملاحظة : تاريخيا من الأقدم إلى الأحدث أنشأت ثلاث م...