ظلال و ملامح(*)
لابد من النظر إلى الخلف
من الأمور المهمة لفهم الصراع (أقصد
بالصراع تداعيات التجربة السبطشية) في ليبيا دراسة تأثير المكان (الجغرافيا) و
الزمان (التاريخ) و غيرهما من المؤثرات فيه .. و كل هذه المحاولات لفهم محركات
الصراع من أجل البحث عن أفضل الحلول الممكنة للمأزق الذي تمر به البلاد .. فبدون
فهم محركات الصراع و آلياته و أولوياته و كيف بدأ لا يمكن الوصول للحل المنشود إذ
لابد من فهم المسألة أولا قبل الشروع في حلها.. و الذين يطالبون بعدم النظر إلى الخلف و يطالبون بالنظر إلى
المستقبل فقط هؤلاء يتعاملون مع صراع بهذه الخطورة كما لو أنه لعبة على الموبايل
يمكنهم إيقافها متى أحسوا بالفشل أو الملل و الشروع في لعبة جديدة.
تجدر الإشارة إلى أن هذه المجموعة من
المقالات لم تركز كثيرا على دور الخارج رغم
أهمية
هذا الدور سلبا و إيجابا و ما له من بعد جغرافي و تاريخي و أبعاده الأخرى و
اشتباكه الكيميائي معها ربما لأولوية المحركات الداخلية في تعقيد الصراع و حله ..
أو لأن الدور الخارجي يظل دائما مجرد عامل مساعد .. أو ربما باعتباره واقعا مفروغا
منه فقد تم التعامل معه كما يتعامل مع العوامل الثابتة في التجربة المعملية .. حيث
يتم تجاهلها .. أو لندرة المعلومة حوله ما يجعله من أنباء الغيب .. أو لكل هذه
المبررات و لغيرها.
فيد باك الفساد (1)
من العوامل الأخرى التي تحظى بأهمية قصوى
بالإضافة للعاملين التاريخي و الجغرافي العامل الاقتصادي .. حيث رأينا الدور
الكبير الذي لعبه المال المتراكم لدى البعض نتيجة للفساد الاقتصادي في عهد المملكة
في استفزاز القذافي ذي القابلية العالية جدا للاستفزاز ما دفعه لاتخاذ قرارات
خاطئة (مجنونة) ساهمت في ازدياد الاحتقان و دفعه ذلك بدوره لمزيد من الأخطاء ما
دفع لمزيد من الاحتقان في حالة من العلاقة الجدلية المتصاعدة .. و استمر ذلك حتى
(أصبح الصبح) حيث انخفضت تلك القابلية كثيرا.
و رأينا الدور الكبير أيضا الذي لعبه المال
الناتج من فساد الحقبة السبترية في دعم السباطشة في البداية .. ثم و بعد مقتل
القذافي ساهم جزء من هذا المال في دعم بقايا السباترة في الخارج و الداخل .. و نرى
ما تلعبه هذه الأموال المجتمعة بالإضافة لما تجمع لدى أمراء الحرب من أموال من
الداخل و الخارج في الصراع الدائر الآن و الذي (أي الصراع) يعد الدافع الاقتصادي
من أهم دوافعه .. ذلك ما يمكن تسميته بالفيد باك أو التغذية المرتدة للفساد.
المنطق في التاريخ
يبدو التاريخ مملا أو عابثا أحيانا و لكن
ربما وقع منه التكرار استجابة لحتميات معينة ترتبط بالمكان و بعوامل أخرى .. و
هكذا رأى البعض أن ثمة عقلا أو منطقا ما يحكم التاريخ و من ثم يمكن التنبوء بسلوكه
.. و في ضوء هذا يرى أنصار الرؤية القدرية للتاريخ أن فكرة المكان المبارك دائما و
المكان الملعون دائما فكرة يمكن قبولها .. و نظرة إلى تاريخ ليبيا و ما إذا كان
يتمتع بسلوك نمطي و مقارنة ما حدث في عام 2011 و ما حدث بعده بالماضي يمكن أن تلقي
بمزيد من الأضواء على ظلال الماضي التي يلقيها على الحاضر و ربما المستقبل أيضا.
ما يحدث في ليبيا الآن منه ما سبق وقوعه في
التاريخ الليبي مثل التقليد و الحروب الأهلية و الاستعانة بالأجنبي بما يترتب على
ذلك من مخاطر جسيمة على مستقبل الوطن و أمنه القومي .. و منه ما وقع في مكان آخر
مع شعوب أخرى في هذه الحقبة أو في حقب سابقة .. و المثال الواضح على الحالة
الأخيرة أن ما تشهده منطقة الشرق الأوسط من صراعات ذات طابع ديني قد شهدت أوروبا
مثله في ما عرف بالحروب الدينية .. و هكذا فنحن نكرر أخطاء أسلافنا و نكرر أخطاء
غيرنا أيضا .. و مع أن سقوطنا في الحفر القديمة أو الشهيرة دليل غباء فاضح لكنه
على مستوى التجربة الإنسانية كثير الحدوث للأسف.
ملامح التجربة السبطشية المكررة
أهم الملامح التي وسمت التجربة السبطشية
التي يمكن أن نجد لها سوابق تاريخية في تاريخ ليبيا : العنف المفرط .. الاستعانة
بالخارج .. العلاقة الشائكة بين معارضي الداخل و الخارج .. التقليد .. الأثر
الجهوي و القبلي في الصراع أي بشيء من التبسيط (الأثر الجغرافي التاريخي المشتبك
بالاجتماعي).
فيما يتعلق بملمح العنف المفرط :
كشفت التجربة السبطشية عن كم هائل من الحقد
كان كامنا في النفوس .. فرأينا أن الليبي لا يكتفي بقتل أخيه الليبي أي نفيه جسديا
من هذه الحياة الفانية أي نفيه من الجغرافيا و يمعن في تلطيخ سمعته لنفيه من
التاريخ بل يلاحقه في الحياة الخالدة ليتأكد من نفيه من الجنة .. ليس هذا فحسب بل
يصر على إيداعه في جهنم و بئس القرار! .. و لا ينتبه أو لا يريد أن ينتبه إلى أن
هذا البائس قد نال بالقتل قصاصه و عقوبته إن كان قد ارتكب جريمة القتل يوما ما و
ليس ثمة ما يمنع دخوله الجنة ما لم يكن (موقوفا) على ذمة قضية أخرى!!.. كما أن
تقرير المصير الأبدي من صلاحيات الله الخاصة و الأصيلة.
و بدراسة التاريخ فقد كان لهذه الظاهرة
سوابق تاريخية في أقاليم ليبيا المختلفة و في تاريخ العرب الذي يعتبر التاريخ ليبي
تفريعا منه .. و في ضوء هذه النزعة الثأرية البدائية يمكن فهم الهتاف : (دم
الشهداء ما يمشيش هباء) المرفوع من أطراف الصراع جميعها.
و فيما يتعلق بملمح الاستعانة بالخارج :
لم يكن الاستنجاد بالناتو و ساركوزي و حمد
قطر و غيرهم بدعا من القول و الفعل فقد اعتاد الليبي أن يستدعي الأجنبي لنجدته و غالبا ما يتورط :
فليبيا الوطن الوحيد الذي دخله العثمانيون برغبة أهله و بناء على طلبهم (قصة
استنجاد وفد تاجوراء بسليم الأول في استانبول لتخليص طرابلس من حكم فرسان مالطا)
.. و آخر ولاية عربية يتخلون عنها و قد تركوها لمصيرها أمام الغزو الإيطالي .. و
لذلك فتسميتها بالقزونة في هذه المجموعة من المقالات ليست من فراغ .. صحيح أن البعض يشكك في قصة وفد تاجوراء هذه
مثل محمد بازامه و الطاهر الزاوي رغم أنها ذكرت من ابن غلبون و الأنصاري(2) و هما
أهم من أرخ لتلك الحقبة .. و ليبيا البلاد العربية الوحيدة التي استعانت بالأجنبي
لنيل استقلالها (ثمة من يراه ميزة و ثمة من يراه مطعنا) .. و ربما كامتداد لذلك و
كتداع له و بنوع من العرفان بالجميل فليبيا البلاد العربية الأولى التي سمحت
بإقامة قواعد أجنبية على أرضها بعد استقلالها .. بالأحرى بعد الحرب العالمية
الثانية و انحسار حقبة الاستعمار الصريح و المباشر نظريا على الأقل .. و (الثورة)
الليبية من بين (الثورات) العربية ــ التي نجحت في إسقاط النظام ــ الوحيدة التي
استعانت بالخارج فأصابها ذلك في مقتل إذ من أهم الفروق بين الثورة و غيرها من
أنواع الحراك المشابهة الأخرى أن الثورات دائما و أبدا صناعة محلية خالصة.
و فيما يتعلق بملمح المعارضة من الخارج :
فإن الليبي تاريخيا بين العرب الأكثر معارضة
من الخارج و الأكثر استعانة به .. و ذلك يؤدي لارتهان القرار الوطني للخارج بسبب
إحساس معارضي الأمس بالعرفان بالجميل للأفراد الأجانب و البلدان الأجنبية و بسبب
الانكشاف للخارج و الضعف أمامه.
و فيما يتعلق بملمح العلاقة بين معارضي الداخل و الخارج :
من السوابق التاريخية يلاحظ توافق و انسجام
بين معارضة الداخل و الخارج قبل استيلائهما على السلطة (شهر العسل) و لكن بعد ذلك
تسود علاقة من النفور المتبادل المعلن أو الخفي بينهما .. بعد قيام المملكة على
سبيل المثال حدث هذا .. و تقدم شخصية عبدالله القويري الأديب المعروف نموذجا لذلك
.. و الذي قضى جل عمره في المهجر المصري ثم عاد إلى ليبيا بعد قيام المملكة و عانى
كثيرا من نظرة الناس إليه باعتباره غريبا.
و في هذه الحقبة التي نشهدها الآن يلاحظ
هذا النفور المتبادل و الخفي غالبا بين ليبي الداخل و ليبي الخارج الذين لقبهم
القذافي و السباترة بالكلاب الضالة و يلقبون الآن من البعض بجماعة دبل شفرة (من
يحمل منهم جنسيتين) أو المازقرو أو المازقري : (نوع من الأغنام المستوردة) .. حيث
ينظر الليبي في الداخل لليبي القادم من الخارج نظرة شك في قدرته على فهم المجتمع
الليبي و ريبة في ولائه .. خاصة و أن منهم من يحمل جنسيات أخرى بالإضافة للجنسية
الليبية بما يعنيه ذلك من احتمال تنازع الولاءات .. و ينظر الأخير للأول نظرة شك
أيضا و لكن في قدرته على التطور و هو يعتبره نتاج حقبة من التجهيل و القمع .. و قد
ساهم سباطشة الداخل بقوة في تكوين هذا الانطباع عنهم بمجاراة سباطشة الخارج (إثناء
شهر العسل) في المبالغة في الطعن في الحقبة السبترية و إظهارها بأنها كانت خواء في
خواء .. و بذلك ارتد سهمهم عليهم (أي على سباطشة الداخل).
إن المرء حينما يطعن في حقبة قد عاشها إنما يطعن دون أن يدري في جزء أصيل
من ذاته .. و هذا المأزق هو ما عبرت عنه في مقال سابق : (مقال 7 : أدوات
تنغيص ليبية) بالكوكتيل من النوستالجيا و البراغماتية بالنسبة للطاعن و المادح على
السواء.
و إذا طال المقام بالمعارضة السبترية في
الخارج فسوف تعاني الموقف نفسه في حال عودتها إلى الوطن : من الشك في ولائها و من
حالة العرفان بالجميل للمهجر.
فيما يتعلق بملمح التقليد
بالتأمل يمكن اعتبار التقليد المحرك الأهم
للصراع السياسي في ليبيا في التجربتين السبترية و السبطشية على الأقل .. فالليبي
مقلد و غالبا ما يسيء التقليد .. و دائما تتسابق القبائل و الأفراد و المدن لركوب
الموجة بصرف النظر عن الحاجة لركوبها و عن التأكد ما إذا كان التوقيت مناسبا أم لا
في نوع من المزايدة أو المفاخرة الخطرة .. و من دلائل هذا النزوع للتسابق أن
التجربة السبطشية كان موعد انطلاقها المعلن (العرفي) 17/2/2011 و لكنها انطلقت قبل
الموعد بيومين بنغازيا و يوم بيضاويا .. و لا ننسى تلك الألقاب السبترية : مدينة
البيان الأول .. الشرارة الأولى .. النقاط الخمس ... الخ .. و تلك الخصومة بين المدن السبطشية
حول براءة أول شهيد سقط .. و موجة الأغاني التي يحاول كتابها العدل بين المدن و
المناطق و هو مثل العدل بين النساء لن يستطيعوه و لو حرصوا .. و هي موجة
تذكر برحلة نغم التي لم تكتفي بالتغني بالمدن بل تغنت بالأحياء أيضا :
"الصابري عرجون الفل .. الصابري عمره ما ذل"!! .. و أخشى أن هذا البيت
قد ساهم بدرجة ما في تعثر تسوية الصراع في هذا الحي تحديدا!.
و في سياق التقليد و الطبيعة المتسرعة
للشخصية الليبية يمكن فهم كيف استفزت الليبيين (السباطشة) النكتة الليبية على الأرجح
المنحولة للتوانسة التي تقول : (واطوا روسكم يا ليبيين نين نشوفوا الرجالة) و هي
نكتة على الأرجح من صنع فتان ليبي محترف لا يعبأ بقوله تعالى : {مَا يَلْفِظُ مِن
قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ{18} ق .. و بما يمليه الضمير الحي و الخوف
على مستقبل الوطن و عدم المغامرة به .. و من المقلدين أيضا أولئك السباطشة مثلا
الذين انضموا للحرب تقليدا لآخرين من جيرانهم و أصدقائهم و تأثرا بالتعبئة
الإعلامية من قبل القنوات السبطشية الليبية و العربية .
ظلال التاريخ و الجغرافيا
بدراسة التأثير الكبير للعامل المكاني المشوب
بالعامل الاجتماعي في الصراع السياسي في ليبيا ..
فأنه من اللافت تباين المواقف على مستوى الولايات في بداية التجربة
السبطشية كما لو أن كل ولاية وحدة متجانسة .. فرأينا خروج برقة كوحدة متجانسة عن
سيطرة القذافي في مدة وجيزة و غلبة التريث أو الانتظار على فزان و كان جل أهل
ولاية طرابلس باستثناء بؤر قليلة مناهضا لما حدث في البداية على الأقل (المظاهرات
المليونية و الرتل و تأخر شباب العاصمة في إنجاز الليلة الحاسمة و غير ذلك من
المؤشرات).
و لم يكن هذا التباين على مستوى الولايات
مما يثير الدهشة للمطلع على الشأن الليبي .. ففي الحقبة الملكية و ما سبقها مثلا
كان للحركة السنوسية انتشارها الواسع في برقة بينما لم يكن لها وجود يذكر في
طرابلس .. و في الحقبة السبطشية فإن معظم السباترة (محب القذافي أو الكاره لبديله
أو المتضرر من رحيله) من طرابلس و معظم
السباطشة من برقة .. كما لم يعد خافيا أن معظم السباترة و خاصة أبناء المناطق
المنكل بها بعد مقتل القذافي تحمل برقة و مصراتة المسئولية الأدبية عما حدث ما
يعني ضمنا بأنهم لا يعتبرون مصراتة جزءا من ولاية طرابلس .. و ما يهدد بتحول
الصراع السياسي الأيديولوجي إلى صراع اجتماعي أهلي بخلفية جهوية .. ما يجعل من الحكمة تبني سياسة طي الصفحات و
عدم الاحتفال بالذكريات المؤلمة .. و هنا ربما كان تبني الفيدرالية و إن مرحليا من
الأدوات المساعدة لعلاج الشروخ الاجتماعية و ضمان عدم تفاقمها.
و بينما كان طرد القواعد الأجنبية المنتشرة
في الولايات الثلاث مطلبا شعبيا بامتياز فإنه من العجيب أن طرد الطليان لم يكن
مطروحا البتة .. ربما لأن تلك الجالية المدللة من بقايا الفاشيست موجودة بجزء من
ولاية طرابلس فقط.
و حتى بالنظر لآخر تجليات الصراع فثمة تباين أيضا .. إذ
يمكن بشيء من التبسيط القول أن الصراع الحالي في برقة أيديولوجي مطعم بالقبلية و
الصراع في طرابلس قبلي مطعم بالأيديولوجيا.
و هناك ظاهرة اجتماعية يحاول البعض إنكارها
أو اتهام القذافي بابتكارها بينما نجد العهد الملكي يعترف بوجودها في وثائقه
الرسمية .. و هي بالتأكيد ليست من ابتكاراته بل أنها قديمة قدم المجتمع .. حيث نجد
في الدوائر الانتخابية المحددة بالقانون رقم 7 لسنة 1964 و في دوائر العاصمة
تحديدا ذكر بعض القبائل و قرودها!! و في دوائر الزاوية ذكر بعض القبائل و رعيتها
.. و أحيانا (بلفظة مهذبة) : و أصحابها(3) .. و في برقة نظائر لذلك و إن لم ينص
عليها في الوثائق الرسمية .. و في فزان كذلك .. ربما ليس على مستوى الألفاظ بل على
مستوى الممارسة.
إنها ظاهرة يمكن وصفها بالأحفورة أو
المستحاثة الاجتماعية التي تبين وجود أرستقراطية بدائية أو طبقية ما في المجتمع
الليبي نتج عنها حالة من التمييز العرقي يجعل من بعض القبائل قبائل نبيلة و البعض
الآخر قبائل تابعة و ملحقة .. و من المحتمل أن هذا التمييز العرقي قد ألقى بظلاله
على الصراع أيضا.
هذا بنظرة عامة .. و
بالتقاط بعض التفاصيل الجزئية .. يلاحظ تشابه السلوك السياسي بين بعض المدن في
برقة على سبيل المثال حيث التزمت في الحقبة الإيطالية (سلوك المهادنة و التعايش في
الغالب) و في الحقبتين : الملكية و السبترية (سلوك المشاغبة) .. و إذا سلمنا
بالطرح المروج له و القائل بأن الحقبة الملكية و الحقبة السبترية على طرفي نقيض
فلا مفر من التساؤل : لماذا حافظت هذه المدن على سلوكها المشاغب في هاتين الحقبتين
المختلفتين حد التناقض؟ .. و بدراسة التركيبة الاجتماعية لهذه المدن يلاحظ تشابهها
في التركيبة الاجتماعية و اختلافها نوعا ما عن بقية مدن برقة ما يدفع لاتهام
العامل الاجتماعي أكثر من غيره من العوامل .. و تأثير العامل الاجتماعي في طرابلس
و فزان أشد وضوحا لا يحتاج لضرب الأمثلة.
و في السياق ذاته هناك فئة من الليبيين و هم أبناء
القبائل المتهمة بالمهادنة أو التخلف عن الجهاد ضد إيطاليا رأيناهم يبالغون في
الحماس للحرب السبطشية كأنما أرادوا بذلك إعادة الاعتبار لقبائلهم .. و هي حالة
تظهر التأثير التاريخي في الصراع السياسي حيث يلقي الماضي بظلاله على الحاضر .. و
تكررت هذه الظاهرة فيما يعرف إعلاميا بمعركة الكرامة .. فهناك مناطق معينة متهمة
بتواضع مشاركتها في الحرب السبطشية رأيناها أشد حماسا من غيرها لهذه المعركة .. و
هذه الظاهرة القبلية أو المناطقية أشد بروزا في برقة .. أما في طرابلس فثمة ظاهرة
قبلية أخرى تتمثل في إحجام قبائل معروفة بتحفظها على القذافي و نظامه إحجامها عن الانضمام
إلى السباطشة لأن قبائل أخرى سبقتها .. لما بين هذه المناطق أو القبائل من ثارات
أو ضغائن .. و هنا يلقي الماضي بظلاله على الحاضر أيضا.
هذا و لا ننسى تلك المرافعة الممتدة من بداية الحرب السبطشية حتى مقتل
القذافي و التي أنكر بها المثقفون السباطشة باستماتة وجود أية بنية قبلية في ليبيا
أو التقليل من أهميتها .. و الصدق يستلزم الاعتراف بوجود هذه البنية و قوتها و
الاعتراف بأن لها جانبين : جانبا إيجابيا لم يستغل للأسف (انظر مقال 2 : آه لو أن
الحكمة ليبية) و جانبا سلبيا يفعل فعله
الآن.
المثقف شاهد .. و لا ينبغي للشاهد أن يكذب
أهله .. عليه أن يواجههم بما يحبون و أيضا بما لا يحبون شرط تحري الصدق و البعد
قدر المستطاع عن التهكم .. و كم أخشى أن أولئك المثقفين كانوا شهود زور.
15/1/2015
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) بعض ما جاء في هذا المقال مأخوذ من المقال (جدل القاتل و الضحية) ..
وضع هنا و أشير إليه فقط في مكانه الأول.
(1)التغذية المرتدة أو الفيد باك (FEEDBACK) : مصطلح مجاله الأول علم
الإلكترونيات .. و يعني عملية يعود بها جزء من خرج الدائرة الإلكترونية إليها مرة
أخرى كدخل لتقوية الخرج النهائي أو لتعديل التردد.
(2) كتاب تاريخ
ليبيا في العصر الحديث ــ تأليف ن . إ . بروشين ــ ترجمة عماد حاتم ــ منشورات
مركز جهاد الليبيين للدراسات التاريخية ــ ط أولى 1991 ــ ص 26 ، 27
(3) كتاب موسوعة التشريع الليبي ــ منشورات دار المعارف ــ 1965 ص 90 ، 91
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق