الاثنين، 31 أغسطس 2015

سلسلة من المقالات : المقال الافتتاحي : ميلاد مصطلح

ميلاد مصطلح

       هناك حالات متعددة لولادة ألفاظ أو مصطلحات جديدة أو تحميل لفظة قديمة معنى جديدا .. و فيما يلي بعض من هذه الحالات :
        حالة أولى : إبداع المصطلح أو اللفظة إبداعا خالصا (من عدم) و مثاله ما ذكرته بعض كتب التراث حول ولادة لفظة (زقفيلم) و قصتها :
       كان أبو علقمة النحوي مولعا بغريب اللغة و مهجورها .. و كان له  غلام يخدمه .. فأراد أبو علقمة الدخول في بعض حوائجه فقال للغلام : يا غلام أصقعت العتاريف؟ .. فأجابه الغلام : زقفيلم .. سأل أبو علقمة الغلام : وما زقفيلم؟ .. قال الغلام : وما معنى صقعت العتاريف؟ .. قال أبو علقمة : سألتك : أصاحت الديوك؟ .. قال الغلام : وأنا أجبتك بأنها لم تصح.
        حالة ثانية : الاختيار عشوائيا من بين عدة ألفاظ و التصرف في اللفظة المختارة و مثاله قصة مصطلح أو لفظة (الدادائية) : كانت الدادائية حركة متذمرة متبرمة من أوضاع أوروبا في الربع الأول من القرن العشرين .. و قد جاء اسمها هذا (وفق إحدى الروايات) من تحكيم القاموس تحكيما عشوائيا انسجاما مع عشوائية واقع الغرب حينذاك .. فوقع مؤسسوها على لفظة (دادا) و منها اشتقوا اسم حركتهم.
       و قد كان فقهاء النجوع يحكمون الكتاب أو القرآن تحكيما عشوائيا كما فعل الدادائيون و لكن بدافع مختلف و بروح مختلفة لاختيار اسم المولود.
        حالة ثالثة : اشتقاق اللفظة من اسم شخص أو مكان أو تاريخ أو مذهب .. الخ و مثاله قصة لفظة (حنفية) : فعندما أدخلت خدمة توصيل المياه إلى المنازل بواسطة المواسير في القاهرة .. رأى الفقهاء فيها تهديدا لمهنة السقايين فحرموا الوضوء بمياهها .. و لكن بعض فقهاء المذهب الحنفي أباحوا ذلك فسمي صنبور المياه لذلك بالحنفية .. مع ملاحظة أن (الحنفية) موجودة من قبل و لكن حملت معنى آخر.  
         حالة رابعة : تحميل لفظة موجودة أصلا معنى جديدا  .. و تعتبر تعميما للحالة الثالثة .. و هذا كثير .. مثاله لفظة الهاتف .. و على مستوى العامية الليبية اتخاذ لفظة (صقع) معنى الصعوبة بالإضافة إلى معناها الأصلي : البرد الشديد.
        في المقابل قد ترفض اللفظة و يروج لعدة كلمات شارحة لتحل محلها .. و هذا توجه معاكس للرغبة اللغوية الأصيلة في التبسيط و الاختصار .. و من أمثلته رفض كلمة (تاكسي) على عهد السباترة و الترويج  لعبارة (سيارة ركوبة عامة) لتحل محلها .. و عربيا رفض كلمة (ساندويتش) و محاولة بعض مجامع اللغة العربية الترويج لعبارة (شاطر و مشطور و ما بينهما طازج) لتحل محلها .. و هي محاولة لم يكتب لها النجاح.  
       هذه المقدمة أسوقها بين يدي المصطلحين الجديدين : السباترة و السباطشة :
         لقد أردت تناول ما حدث و يحدث في ليبيا بموضوعية .. فواجهتني صعوبة التعبير عن فئتين تمثلان تجربتين في التغيير .. و هما مدار الحديث الآن في ليبيا .. و لكن يعبر عنهما بلغة منحازة و معقدة .. كنت أريد مصطلحا يتوفر فيه شرطان فنيان على الأقل : الحيادية و الاختصار (أي يعبر عن كلام كثير بكلمة واحدة محايدة) لوصف هؤلاء و أولئك .. و رأيت في الاشتقاق أو بالأحرى النحت من تاريخ بداية كل تجربة  وسيلة معقولة للعثور على المصطلح المنشود (أي ما يشبه تقريبا الحالة الثالثة) .. و النسبة للتاريخ لا تحمل مدحا و لا ذما .. و هكذا جاءت لفظتا : سباطشة و سباترة و ما يشتق منهما .. فما المقصود بالسباطشة و السباترة؟
        السَّباطِشَة و السَّباتِرَة (على وزن بلاطِجَة) .. الأولى : جمع سَبْطَشِي .. نسبة أو نحتا من سبعطاش .. و أعني بها من شارك أو أيد أو يؤيد أو يتظاهر بتأييد التجربة الليبية في التغيير التي بدأت في 17 فبراير 2011 .. و الثانية : جمع سَبْتَرِي .. نسبة أو نحتا من سبتمبر .. و أعني بها من شارك أو أيد أو يؤيد أو يتظاهر بتأييد التجربة الليبية في التغيير التي بدأت في 1 سبتمبر 1969 .
ملاحظة : فضلت اللجوء إلى كلمتي (تجربة ، تغيير) حرصا على الحياد .. فالتجربة تحتمل الخطأ و الصواب .. و التغيير قد يكون للأسوأ أو للأفضل .. كما أن اللجوء إلى مصطلحي (سباطشة ، سباترة) و ما يشتق منهما جاء أيضا احترازا من الوقوع في التقسيم السبطشي الثنائي الخادع للمجتمع بين ثوار و أزلام فقط .. أي أبيض و أسود .. و هو تقسيم مستنسخ عن التقسيم السبتري الثنائي القديم : ثوار و أعداء ثورة الفاتح العظيم .. و التقسيم السبطشي يغفل كسابقه بقصد أو بدونه الكتلة المتحفظة على الفريقين كليهما .. أي اللون الثالث اللا رمادي .. و ربما كتلا أو ألوانا أخرى من طيف الوطن متعدد الألوان. 

28/11/2012

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

محتويات المدونة (الفهرس)

 بدون ترقيم ولكن ترتيبه في النشر يأتي بعد المقال رقم 42 محتويات المدونة (الفهرس)      ملاحظة : تاريخيا من الأقدم إلى الأحدث أنشأت ثلاث م...