ميلاد
مصطلح
هناك حالات متعددة لولادة ألفاظ أو
مصطلحات جديدة أو تحميل لفظة قديمة معنى جديدا .. و فيما يلي بعض من هذه الحالات :
حالة أولى : إبداع المصطلح أو اللفظة
إبداعا خالصا (من عدم) و مثاله ما ذكرته بعض كتب التراث حول ولادة لفظة (زقفيلم) و
قصتها :
كان أبو علقمة النحوي مولعا بغريب اللغة و
مهجورها .. و كان له غلام يخدمه .. فأراد
أبو علقمة الدخول في بعض حوائجه فقال للغلام : يا غلام أصقعت العتاريف؟ .. فأجابه
الغلام : زقفيلم .. سأل أبو علقمة الغلام : وما زقفيلم؟ .. قال الغلام : وما معنى
صقعت العتاريف؟ .. قال أبو علقمة : سألتك : أصاحت الديوك؟ .. قال الغلام : وأنا أجبتك
بأنها لم تصح.
حالة ثانية : الاختيار عشوائيا من بين
عدة ألفاظ و التصرف في اللفظة المختارة و مثاله قصة مصطلح أو لفظة (الدادائية) :
كانت الدادائية حركة متذمرة متبرمة من أوضاع أوروبا في الربع الأول من القرن
العشرين .. و قد جاء اسمها هذا (وفق إحدى الروايات) من تحكيم القاموس تحكيما
عشوائيا انسجاما مع عشوائية واقع الغرب حينذاك .. فوقع مؤسسوها على لفظة (دادا) و
منها اشتقوا اسم حركتهم.
و قد كان فقهاء النجوع يحكمون الكتاب أو
القرآن تحكيما عشوائيا كما فعل الدادائيون و لكن بدافع مختلف و بروح مختلفة
لاختيار اسم المولود.
حالة ثالثة : اشتقاق اللفظة من اسم شخص
أو مكان أو تاريخ أو مذهب .. الخ و مثاله قصة لفظة (حنفية) : فعندما أدخلت خدمة
توصيل المياه إلى المنازل بواسطة المواسير في القاهرة .. رأى الفقهاء فيها تهديدا
لمهنة السقايين فحرموا الوضوء بمياهها .. و لكن بعض فقهاء المذهب الحنفي أباحوا
ذلك فسمي صنبور المياه لذلك بالحنفية .. مع ملاحظة أن (الحنفية) موجودة من قبل و
لكن حملت معنى آخر.
حالة رابعة : تحميل لفظة موجودة أصلا
معنى جديدا .. و تعتبر تعميما للحالة
الثالثة .. و هذا كثير .. مثاله لفظة الهاتف .. و على مستوى العامية الليبية اتخاذ
لفظة (صقع) معنى الصعوبة بالإضافة إلى معناها الأصلي : البرد الشديد.
في المقابل قد ترفض اللفظة و يروج لعدة
كلمات شارحة لتحل محلها .. و هذا توجه معاكس للرغبة اللغوية الأصيلة في التبسيط و
الاختصار .. و من أمثلته رفض كلمة (تاكسي) على عهد السباترة و الترويج لعبارة (سيارة ركوبة عامة) لتحل محلها .. و
عربيا رفض كلمة (ساندويتش) و محاولة بعض مجامع اللغة العربية الترويج لعبارة (شاطر
و مشطور و ما بينهما طازج) لتحل محلها .. و هي محاولة لم يكتب لها النجاح.
هذه المقدمة أسوقها بين يدي المصطلحين
الجديدين : السباترة و السباطشة :
لقد أردت تناول ما حدث و يحدث في ليبيا بموضوعية
.. فواجهتني صعوبة التعبير عن فئتين تمثلان تجربتين في التغيير .. و هما مدار
الحديث الآن في ليبيا .. و لكن يعبر عنهما بلغة منحازة و معقدة .. كنت أريد مصطلحا
يتوفر فيه شرطان فنيان على الأقل : الحيادية و الاختصار (أي يعبر عن كلام كثير
بكلمة واحدة محايدة) لوصف هؤلاء و أولئك .. و رأيت في الاشتقاق أو بالأحرى النحت
من تاريخ بداية كل تجربة وسيلة معقولة
للعثور على المصطلح المنشود (أي ما يشبه تقريبا الحالة الثالثة) .. و النسبة للتاريخ
لا تحمل مدحا و لا ذما .. و هكذا جاءت لفظتا : سباطشة و سباترة و ما يشتق منهما ..
فما المقصود بالسباطشة و السباترة؟
السَّباطِشَة و السَّباتِرَة (على وزن
بلاطِجَة) .. الأولى : جمع سَبْطَشِي .. نسبة أو نحتا من سبعطاش .. و أعني بها من
شارك أو أيد أو يؤيد أو يتظاهر بتأييد التجربة الليبية في التغيير التي بدأت في 17
فبراير 2011 .. و الثانية : جمع سَبْتَرِي .. نسبة أو نحتا من سبتمبر .. و أعني
بها من شارك أو أيد أو يؤيد أو يتظاهر بتأييد التجربة الليبية في التغيير التي
بدأت في 1 سبتمبر 1969 .
ملاحظة : فضلت اللجوء إلى كلمتي (تجربة ، تغيير) حرصا على الحياد ..
فالتجربة تحتمل الخطأ و الصواب .. و التغيير قد يكون للأسوأ أو للأفضل .. كما أن
اللجوء إلى مصطلحي (سباطشة ، سباترة) و ما يشتق منهما جاء أيضا احترازا من الوقوع
في التقسيم السبطشي الثنائي الخادع للمجتمع بين ثوار و أزلام فقط .. أي أبيض و
أسود .. و هو تقسيم مستنسخ عن التقسيم السبتري الثنائي القديم : ثوار و أعداء ثورة
الفاتح العظيم .. و التقسيم السبطشي يغفل كسابقه بقصد أو بدونه الكتلة المتحفظة
على الفريقين كليهما .. أي اللون الثالث اللا رمادي .. و ربما كتلا أو ألوانا أخرى
من طيف الوطن متعدد الألوان.
28/11/2012
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق