سريال
الليبي
كل ما يفرض بالقوة مشكوك في شرعيته
.. مشكوك في ديمومته
1 ــ "الشعب
يريد إسقاط النظام" .. و لكن الذين رفعوا هذا الشعار يقولون في موضع آخر
بأنهم كانوا يعرفون من البداية بأنه لم يكن ثمة نظام في ليبيا لإسقاطه .. فما الذي
حدث إذن؟
2 ــ "معمر
القذافي كافر يقوم بقتل شعب المليون حافظ" .. تأمل : الكافر كان يشجع على حفظ
القرآن .. قد يرد من أوتي القدرة على كشف ما في القلوب بالقول إنما كان يقوم بذلك
نفاقا.
3 ــ "معمر
القذافي أفسد التعليم فصار لدينا جيل من الجهلة" .. ينسى السبطشي كلامه هذا
فيمتدح في مقام آخر الشباب الذين أنهوا حكم القذافي .. و بالربط بين وصف الجيل
بالجاهل و بأنه أسقط القذافي تكون المحصلة : أن القذافي أسقطه الجهلة .. ليس هذا
كلامي بل كلام السباطشة للأسف .. المفارقة التي لا تستغرب من سريال الليبي أو من
السريالية الليبية أن القذافي قد وقع في المأزق ذاته حينما أنكر أية انجازات للعهد
الملكي في كل المجالات بما فيها التعليم و نسي أنه هو و رفاقه نتاج لذاك العهد.
4 ــ "لا
تفاوض قبل الرحيل" .. شعار رفعه السباطشة و هو يطلب النتيجة قبل توفر السبب
.. إذ التفاوض يكون حول الرحيل .. و الشعار يطلب الرحيل أولا ثم التفاوض حوله.
5 ــ "لا
مصالحة قبل القصاص" .. شعار سبطشي آخر .. و لا أدري ما قيمة المصالحة إذا تم
تنفيذ القصاص .. أقتلك أولا ثم أسامحك .. ينسجم معه و يؤكد على سريالية الشخصية
الليبية أو بالأحرى الشخصية السبطشية أن السباطشة ينادون بالمصالحة و يحتفلون
بالتحرير .. أي الدعوة إلى المصالحة و النسيان مع عدم طي صفحة ما حدث.
6 ــ "معمر
القذافي كان عميلا للغرب و هو الذي جاء به للسلطة" .. و لكن مروجي هذا
الاتهام لا يجدون غضاضة في الاستعانة بالغرب للحلول مكانه.
7 ــ يقتتل
السباطشة و السباترة فتسقط في ثمانية أشهر عشرات الآلاف من القتلى و عشرات الآلاف
من الجرحى من الطرفين .. ثم تجدهم يلهجون جميعا في أثناء المذبحة بالوحدة الوطنية
و اللحمة الوطنية كخطين أحمرين .. و يستمر الاقتتال إلى الآن و مع ذلك يتهم
الفيدراليون بأنهم يشكلون خطرا على هذين الخطين .. السؤال : أحدثت هذه المذبحة في
وجود الوحدة الوطنية و اللحمة الوطنية حقا؟
8 ــ يطعن السبطشي
في هذه الأعداد الكبيرة من كتائب من يسمون أنفسهم بالثوار بالقول : لو كنا بهذه
الكثرة لما احتاج القذافي إلا ليوم أو يومين لإسقاطه.
و لكنه في مقام آخر و وفق حسابات مغايرة
يقول : إن ثورة 17 فبراير قد تمتعت بالإجماع الوطني منذ البداية فلم يكن مع
القذافي أحد .. و لكي تكتمل المفارقة يتم إخفاء مكان دفن القذافي ربما بالدافع
نفسه الذي تم به إخفاء جثة أسامة بن لادن .. ربما في اعتراف ضمني بوجود شعبية ما
للاثنين .. إذ لا خشية من معرفة مكان دفن القذافي إن كان الليبيون مجمعين على
كراهيته و مجمعين على التجربة السبطشية بالفعل .. لم يخفِ العراقيون قبر صدام
حسين.
9 ــ ثورة التكبير
(كما يسميها أنصارها) تتخلى عن نشيد التكبير (الله أكبر).
10 ــ يطعن السباطشة في نسب القذافي بأن أمه يهودية و أنه
عميل لإسرائيل ... الخ و في المقابل اتضح من كتاب برنار - هنري ليفي أن الثورة
الليبية هي ثورة ليفي بامتياز الذي لا يخفي حرصه في كل ما يفعل على مصالح إسرائيل
.. و لقد أغضبه اتهام القذافي بأن أمه يهودية و قال إن ذلك الاتهام مبني على إشاعة
كما برأ القذافي من تهمة العمالة لإسرائيل بل أكد بأنه ظل طوال حياته بمثابة العدو
الأخطر بالنسبة لها .. فتأمل - يرحمك الله - هذا المأزق.
11 ــ ينتقد
السباطشة نجومية القذافي و في الوقت نفسه ينتقدون خلو الساحة الآن من أية شخصية
ذات كاريزما يمكن أن تحقق إجماعا وطنيا حولها .. أي ينتقدون النجوم و يبحثون عنهم.
12 ــ يحذر الكثير
من السباطشة من إسقاط النظام الجديد متمثلا في الحكومة و المؤتمر خوفا من الفوضى و
كأن البلاد في منأ عنها الآن! .. و يفاخرون في الوقت نفسه بإسقاط نظام القذافي رغم
تحذيرات كثيرة مما يترتب عن إسقاطه من فوضى .. بل يسخرون إلى الآن من تلك
التحذيرات كما لو أنه قد ثبت بطلانها.
13 ــ استخدم السباطشة العنف ضد سلطة محددة معترف بها دوليا
بمؤسسات أمنية رسمية خاضعة و مسئولة أمام القانون المحلي و الدولي و يستخدمون الآن
التظاهر السلمي أمام مليشيات لا تخضع لأي قانون .. العنف في غير محله و السلم في
غير محله أيضا.
14
ــ رفع السباطشة كلهم أو جلهم علم المملكة باعتباره علم الاستقلال و احتفلوا
بالرابع و العشرين من ديسمبر باعتباره عيد الاستقلال .. و لم يروا في وجود القواعد
الأجنبية و بقايا الفاشيست في ليبيا في عهد المملكة طعنا في الاستقلال و في
المقابل تهاجم نسبة كبيرة منهم قطر لسماحها بوجود قواعد أمريكية على أراضيها ..
تجدر الإشارة إلى أن ليبيا أول بلد عربي يسمح بوجود قواعد أجنبية على أراضيه بعد
(استقلاله).
يمكن الخروج من هذا التناقض
في الخطاب بأحد أمرين : إما بالقول بأن ما حدث في الرابع و العشرين من ديسمبر كان
بداية تأسيس و ليس استقلالا (ينصح به recommended!!) أو بالقول بأن وجود
القواعد لا يطعن في الاستقلال .. قد يختار البعض هذا الاختيار بالقول بأن ثمة
قواعد أجنبية في اليابان .. و الرد : ثمة فرق شاسع بين أن تسمح اليابان بوجود
قاعدة أمريكية و هي الدولة الند (الاقتصادي و الصناعي على الأقل) لأمريكا و بين أن
تسمح ليبيا (ليبيا الخمسينيات) و هي لا حول لها و لا قوة على اتقاء شرور الكبار ..
و رب قائل يقول : لقد سمح بوجود قواعد في ليبيا حينها لاحتياج البلاد للمال .. و
الرد : فلم لم تفعل بقية الدول العربية الأخرى مثل ليبيا و قد كانت تعاني ظروفا
اقتصادية مشابهة؟
هذه بعض التناقضات في الخطاب .. و انعدام
الاتساق في الخطاب يترتب عليه حتما انعدام الاتساق في الممارسة .. لذا علينا أن
نحسم التناقض على مستوى التفكير و الخطاب قبل حسمه على مستوى الواقع.
05/10/2012
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق