تداعيات
البيت الأول
كل ما يفرض بالقوة مشكوك في شرعيته
.. مشكوك في ديمومته
في القصيدة العمودية لا يسأل الشاعر
إلا عن البيت الأول .. أما ما يتلوه من أبيات فهي تداعيات بصورة أو بأخرى له ..
فإذا سئل الشاعر : لم كان البيت الثاني بهذه الصياغة؟ فإنه سوف يجيب : كان
ذلك التزاما بالمحددات الخمسة : القافية و
الوزن و الروي و الموضوع و زاوية التناول (أي ما يمكن تسميته بالاضطرار الشعري و
ليس الضرورة الشعرية) .. و بتقدم الشاعر في قصيدته تتقلص مساحة الاختيار أمامه
بفعل التزامه بالمحددات الخمسة سالفة الذكر التي جاء بها البيت الأول و بفعل
اشتباك المعاني الذي يؤدي إليه التداعي .. و شيئا فشيئا قد يتورط في الركاكة و
النظم.
فما البيت الأول في التجربة السبطشية؟ ..
تمثل البيت الأول في تحول السباطشة سريعا إلى العنف بحجة عنف السلطة .. أو لعله
تمثل في نجاح القذافي في استدراجهم إلى العنف .. و ما جاء بعد ذلك من سفك متبادل
للدماء بين السباطشة و السباترة امتد أذاه إلى الآخرين أيضا .. و دمار و اقتتال
بين أبناء الوطن الواحد .. و شروخ و حساسيات قبلية و مناطقية .. و استعانة بالخارج
.. و انتشار للسلاح و تناسل المليشيات .. و وجود نازحين داخل الوطن و مهاجرين
خارجه .. و انتهاكات متكررة لحقوق الإنسان .. و انفلات أمني .. و استباحة الوطن
برا و بحرا و سماء .. الخ كلها أخطاء متدحرجة أو أبيات تالية لهذا الاستهلال
العنيف.
هذا لا ينبغي أن يفهم منه أن يتوقف الشعراء
عن قرض الشعر .. و لا أن يتوقف الناس عن الثورة و عن البحث عن حياة أفضل .. و لكن
عليهم أن يحسنوا اختيار البداية .. لأن البداية سوف تلقي بظلالها حتما على جل
القصيدة/ الثورة.
أليس على من يتصدى للتغيير أن يستشعر
المسئولية تجاه شعبه و وطنه و أن يكون واثقا من أيلولة التغيير إلى حياة أفضل أو
على الأقل أن يكون متأكدا من خلو الأمر من أي قدر من المقامرة (كالاحتجاج السلمي
مثلا)؟ .. و سواء أنجحت المقامرة أو فشلت فإن الاعتراض على مبدأ المقامرة بمصير
الشعوب ذاته.
و إذا ما أسيئت البداية فلن تنجح إجابة
الشاعر المبتدئ التبريرية المألوفة التي تحيلنا على الاضطرار الشعري في جعلنا
نلتمس العذر له .. كما لن تنجح إجابة المثقفين السباطشة على سبيل المثال التي تقول
بأن كل هذه السلبيات تداعيات طبيعية للثورة العنيفة إلا في جعلنا نكره الطبيعة
و ما يشتق منها .. فلسان حالهم هنا لسان من يغتصب ابنتك ثم يقول لك : (إذا
ظهرت عليها أعراض الحمل فلا تستغرب و لا تنزعج فذلك من التداعيات الطبيعية لعملية
الاغتصاب).
إنه عذر أقبح
من ذنب و محاولة لإلهاء الضحية ببحث النتائج تغطية على أسبابها .. و زيادة على ذلك
يقول لك حينما تصرخ محتجا على ما فعله بابنتك : (هذه وجهة نظرك .. نحترمها التزاما
منا بالديمقراطية و حرية التعبير .. و لكن لن تغير من الأمر شيئا) .. و ليس هذا
فحسب بل يدعوك للمشاركة في الاحتفال بالذكرى السنوية لحادثة الاغتصاب .. و لا ينسى
أن يتمنى في أجواء الاحتفال البهيجة أن تنجح مساعي المصالحة.
التجربة السبطشية و قد شذت عن الثورتين
التونسية و المصرية السابقتين عليها و الثورة اليمنية
المتزامنة معها .. فتخلت عن اعتماد الاحتجاج السلمي المقنع و ذي الفعالية المجربة
و مأمونة النتائج و تبنت منهج تنظيم القاعدة المهجور في التغيير باستخدام العنف قد
أساءت بذلك صياغة البيت الأول .. و القول بأن العبرة بالنتائج يعادل القول بأن
الغاية تبرر الوسيلة .. تلك المقولة سيئة الصيت التي تطعن أخلاقية الثورة في مقتل.
نقد البيت الأول في التجربة السبطشية
(الذي أرجو أن يكون في محله و ليس تجنيا أو مبالغة) ليس نقدا لحدث في الماضي فحسب
بل له من الأهمية في المستقبل الشيء الكثير .. فقد يدفع هذا النقد السباطشة
للتواضع و عدم المبالغة في التغني بما حدث .. و قد يمنعهم من الانفراد بالساحة ..
و هما أمران سوف يساهمان في معالجة الجروح و الشروخ المجتمعية الناجمة عن هذه
التجربة الدموية .. أي يوقف هذا الاحتفال بعرس الدم و يعجل من ثم بالمصالحة .. و
نقد البيت الأول أيضا قد يدفع في المستقبل إلى استهجان تبني العنف وسيلة للتغيير
.. أو بمعنى آخر : وسيلة لتحقيق الأهداف الخاصة.
11/10/2012
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق